فرض الإعلام الجديد واقعًا مختلفًا على الأصعدة الإعلامية والثقافية والسياسية، فهو ليس مجرد تطور لوسائل الإعلام التقليدية، إذ احتوى كل ما سبقه من وسائل الإعلام من خلال انتشار المواقع والمدونات الإلكترونية والصحف والمجلات التي تصدر عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، وكذلك المواد المسموعة والمرئية بمختلف أنواعها، بل إن الدمج بين هذه الأنماط والتداخل بينها أفرز قوالب إعلامية جديدة متنوعة ومتعددة لا يمكن حصرها أو التنبؤ بإمكانياتها، بما يتواكب مع التوجه العالمي المعاصر نحو شبكة الإنترنت وتطبيقاتها في المجالات المختلفة.
وقد ساهمت التطورات الحاصلة في المجتمعات المعاصرة بفعل العولمة وما أدت إليه من تداخل وتشابك بين جوانب الحياة، في تكريس العلاقة الارتباطية بين الإعلام والسياسة غير أن مستوى التأثر والتأثير بينهما ودرجة التحكم تختلفان باختلاف المجتمعات وطبيعة الأنظمة السياسية السائدة.
وفي هذا الإطار، نشرت مجلة المعهد العالي للدراسات النوعية في عددها الصادر في يناير 2024 دراسة بعنوان ” الإعلام والسياسة.. دراسة حول الإعلام السياسي والتحولات الجديدة” من إعداد الدكتور هاني جرجس عياد أستاذ ورئيس قسم الاجتماع والأنثروبولوجيا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة الأفروآسيوية، والتي نستعرضها على النحو التالي:
- الوظائف السياسية لوسائل الإعلام
استعرضت الدراسة عددا من الوظائف السياسية لوسائل الإعلام والتي تمثل أبرزها فيما يلي:
- الوظيفة الإخبارية: التي تعد من أكثر الوظائف السياسية تأثيرًا في المجتمع والنظام السياسي على حد سواء، فهي الوظيفة الأولى التي من أجلها بدأت محاولات الاتصال الجماهيري باستخدام النشر والبث على نطاق واسع، حيث تسعى الدول لتحقيق الأمن الإعلامي في مجال الأخبار عندما تتحقق لديها القدرة والكفاءة العالية في التغطية الإخبارية على مستوى العالم، بحيث ترصد الأحداث في مواقعها الطبيعية من خلال وسائلها الإعلامية ومراسليها الذين يقومون بتغطية الأحداث وتصويرها والتعليق عليها من زواياها المطلوبة والحقيقية في الوقت المحدد وفي ضوء مصالحها وفلسفتها السياسية والأيديولوجية.
- التنشئة السياسية: ساعد التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال على إحداث تغييرات عميقة في التنشئة السياسية، مما أضعف من تأثيرات عمليات الاتصال الشخصي في وقت تضاعفت فيه قدرة وسائل الإعلام على تشكيل القيم والاتجاهات وخاصة على المدى البعيد.
- التسويق السياسي: يعطي كثير من خبراء التسويق أهمية لعملية بناء قصص إخبارية تستهدف بناء دعم أو تصميم الصورة الذهنية لجهة سياسية معينة، وهو ما يعد إحدى النقاط الأساسية التي يرتكز عليها التسويق باعتباره محاولة لإقناع الجمهور من خلال قصص إخبارية مبالغ فيها وأحيانا غير دقيقة أو مختلقة.
- التأثير في اتجاهات الرأي العام: أصبحت وسائل الإعلام في المجتمعات الحديثة تقرر بشكل كبير ما الذي يشكله الرأي العام وتزوده بغالبية المعلومات التي من خلالها يطلع على الشؤون العامة ومعرفة الشخصيات السياسية. وللإعلام السياسي تأثيراته غير المباشرة في الرأي العام عن طريق الانطباعات التي يوجدها لدى المتلقين.
- الرقابة على الحكومة: تعمل وسائل الإعلام كرقيب من خلال مراقبة المؤسسات والقضايا والأحداث والآراء وتسليط الضوء على بعضها وتقويم أداء الحكومة وترويج مبدأ الحق في المعرفة.
- أنواع الإعلام السياسي
أشارت الدراسة إلى أنه بشكل أساسي يوجد نوعان من الإعلام السياسي وهما:
- الإعلام السياسي التضليلي: ويقصد بالتضليل الإعلامي إخفاء الحقائق عن الجمهور أو تحريفها عن طريق وسائل الإعلام، وذلك لتوجيه الرأي العام نحو أهداف معينة بعيدة عن المصلحة العامة.
وتوجد مجموعة من الأساليب التي تندرج تحت اسم التضليل الإعلامي وهي التضخيم والتعتيم والتكرار وإثارة الخوف ولفت الأنظار، والكذب والإثارة والخطاب المزدوج.
- الإعلام السياسي الموضوعي: والموضوعية هنا ليست الموضوعية المثالية ولكنها الموضوعية الممكنة أو الموضوعية المنضبطة المحكومة بمعايير شفافة، بمعنى أن الموضوعية هنا لا تنفي مطلق التحيز، فهي تعترف بوجود تحيزات، ولكن تخرجها من دائرة المسكوت عنه أو المخفي إلى دائرة العقلاني عبر تقديم مسوغات عقلية لهذه التحيزات من خلال وضع معايير ضابطة للعمل الصحفي، وهذه المعايير يجب أن تخضع لتقاليد المهنة الصحفية كما تشكلت عبر الممارسة الطويلة من جهة، وأن تخضع للسياسة التحريرية للوسيلة الإعلامية من جهة أخرى.
وبجانب التقسيم السابق، نوهت الدراسة بأن هناك من يقسم الإعلام السياسي إلى ثلاثة أنواع وهي إعلام مبادر يلقي الضوء على القضايا والمشكلات المجتمعية ولفت انتباههم إليها وكيفية حلها، وإعلام مواكب يسير في اتجاهات مواكبة وموازية لاتجاهات القائمين على السلطة دون مبادرة أو تبعية، وأخيرًا إعلام تابع يتسم بالتبعية المطلقة للسلطة.
- الإعلام الجديد كمجال للتفاعل والتأثير
تشير الدراسة إلى أنه في عصر العولمة أصبحنا نعيش في عالم منقول إعلاميًا، إذ أتاح الإعلام الجديد الحرية فتجاوزنا عصر النشرات الإخبارية الحكومية الموجهة، وأصبحنا في عصر البرامج السياسية الساخرة.
وأصبحت التكنولوجيا الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي واقعًا يوميًا يؤثر في حياة الجميع، وسهلت بيئة الإعلام الحالية المشاركة السياسية والثقافية، فأصبح الجمهور صانع الحدث يتفاعل معه ويتابعه لحظة بلحظة.
ويعد الإعلام الجديد عملية اتصالية ناتجة من اندماج ثلاثة عناصر هي الكمبيوتر والشبكات والوسائط المتعددة، وهو إعلام متعدد الوسائط حيث يتم عرض المعلومات في شكل مزيج من الصوت والصورة والفيديو مما يجعل المعلومة أكثر قوة وتأثيرًا، وهذه المعلومات هي معلومات رقمية يتم إعدادها وتخزينها وتعديلها ونقلها بشكل إلكتروني.
ونظرًا لكون شبكة الإنترنت ما زالت خارج نطاق سيطرة الدول والحكومات فإنها تتيح فرصة ثمينة لإحداث تغيير في أسلوب الاتصال السياسي وطبيعة تعبير الرأي العام وتكوينه، فالرسالة والوسيلة في الإنترنت خاليتان من التشويش الذي توصم به القنوات التقليدية للاتصال السياسي، كما يتميز الاتصال من خلال الإنترنت بسرعة انتشار المعلومة واستقبالها بحرية عبر جميع المستويات والقدرة على الحوار وعدم تشويش المعلومات بحسب الأهواء.
وختامًا، يبقى التأكيد على أن الدراسات العلمية والخبرات العملية الحديثة تظهران أن للإعلام السياسي تأثيرًا لا يمكن الاستهانة به أو التغاضي عن دوره الجوهري في تعزيز عملية التنمية السياسية وتوجيه الرأي العام.