تقارير

التحول الرقمي للإعلام في السعودية

 

يشكل الإعلام أحد القطاعات الحيوية في أي دولة نظرًا لدوره المؤثر في حياة الأفراد والمجتمعات، حيث يقع على عاتق وسائل الإعلام مسؤولية الإسهام في تنمية المجتمع وتطويره، لا سيما وأنها تمتلك تأثيرًا كبيرًا على السلوك والأفكار والاتجاهات.

ولكي تتمكن وسائل الإعلام من القيام بدورها لا بد من من بناء صناعة إعلامية متطورة وقادرة على التأثير في الجمهور ومخاطبته بلغة وأدوات العصر الرقمي الراهن، الأمر الذي يجعل من مسألة التحول الرقمي على رأس الأولوية اللازمة للارتقاء بالإعلام.

وقد أحدثت تكنولوجيا الإعلام ثورة في طريقة الوصول إلى المحتوى واستهلاكه والتفاعل معه، وتحولًا في قطاعات الإعلام التقليدية مثل خدمات التلفزيون والأفلام والنشر والتسويق، مما أدى إلى خلق فرص وتحديات جديدة. ومع التطور التقني المتسارع، أصبحت تكنولوجيا الإعلام عنصرًا حاسمًا في مستقبل صناعة الإعلام، بما توفره من حلول لتحسين الكفاءة وتعزيز تجربة المستخدم.

وقد حظيت هذه المسألة باهتمام كبير من جانب الحكومة الرشيدة في المملكة العربية السعودية، ففي فبراير الماضي، تم إعلان عام 2024 عامًا للتحول الإعلامي في المملكة، وفقا لاستراتيجيات تستند إلى 4 ركائز هي الأرقام، والمؤشرات، والشغف، والعمل.

  • تكنولوجيا الإعلام الجديد

تشير تكنولوجيا الإعلام الجديد إلى أحدث الأدوات والمنصات الرقمية الناشئة المستخدمة في إنشاء المحتوى الإعلامي وتوزيعه، وبالتالي فهي تشمل مجموعة واسعة من التكنولوجيا التي تتيح إيصال المحتوى من خلال القنوات والوسائط والمنصات الرقمية، وتشمل هذه التقنيات ما يلي:

  • خدمات البث:

فقد أحدثت خدمات البث مثل “Netflix” و”Amazon Prime Video” و”Disney+” ثورة كاملة في الطريقة التي نستهلك بها الإعلام، حيث تستخدم هذه الأنظمة الأساسية تقنية لتوصيل محتوى الفيديو المباشر إلى المستخدمين عبر الإنترنت، لذا يمكن للمستخدمين الوصول إلى مكتبة واسعة من المحتوى في أي وقت وأي مكان باستخدام هواتفهم الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة التلفزيون الذكية.

  • منصات التواصل الاجتماعي:

تعد المنصات مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك وإكس جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية الآن، حيث تُستخدم هذه المنصات تكنولوجيا لتسهيل مشاركة وتوزيع المحتوى الذي ينشئه المستخدمون بشكل جماعي، وتوفر مساحة للأفراد والشركات والمؤسسات لمشاركة المحتوى مع جمهور واسع يبحث عن المحادثة والتواصل.

  • الواقع الافتراضي والواقع المُعزز:

لقد غيرت تقنيات “الواقع الافتراضي-Virtual Reality” و”الواقع المُعزز- Augmented Reality” طريقة التعامل مع وسائل الإعلام، سواء في الحياة الشخصية أو المهنية، إذ يعمل الواقع الافتراضي على غمر المستخدمين في بيئة افتراضية يتم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر، بينما يقوم الواقع المُعزز بدمج المعلومات الرقمية في العالم الحقيقي. وبذلك يتم توفير طرق غامرة للغاية للمستخدمين للتفاعل مع محتوى الشركة، وإنشاء تجارب تفاعلية.

  • أدوات ومنصات إنشاء المحتوى:

يعتبر إنشاء المحتوى نتيجة ثانوية رئيسية للتحول الرقمي المتسارع في العالم، وقد منحت تكنولوجيا الإعلام طرقًا غير محدودة لإنشاء المحتوى وإدارته. ومن أبرز الأمثلة للوسائط الرقمية “منخفضة التقنية” هي الذكاء الاصطناعي التوليدي، والموسيقى الرقمية، وأدوات التمثيل المرئي للبيانات، والكاميرات.

  • جهود التحول الرقمي للإعلام بالسعودية

تعمل وزارة الإعلام السعودية على قيادة جهود التحول الرقمي عبر سلسلة من الخطوات الهادف إلى بناء قدرات الإعلاميين والصحفيين وصناع المحتوى، ومواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة في مجال الإعلام، وهو ما يمكن استعراضه من خلال ما يلي:

  • تأسيس أكاديمية الإعلام السعودية:

تعد إحدى مبادرات وزارة الإعلام ضمن برنامج المحتوى الرقمي، حيث تقدم التدريب في مجالات الإعلام الرقمي؛ لدعم وتمكين الممارسين والمهتمين في القطاع؛ عبر تنظيم برامج نوعية باعتمادات محلية وعالمية. وكانت الأكاديمية قد حصلت في فبراير الماضي على الرخصة المهنية، من قِبل المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني.

  • التعاون الاستراتيجي مع جوجل:

يشمل بناء قدرات المنظمات الإخبارية المحلية من خلال تدريب جوجل للصحفيين من مختلف وسائل الإعلام السعودية، في مجالات المهارات الرقمية والمؤسسات الإخبارية، بما في ذلك القيادات التنفيذية والمدراء ومسؤولو غرف الأخبار.

وكذلك بناء المعرفة التشريعية والتنظيمية؛ من خلال مشاركة أفضل الممارسات العالمية المتعلقة بقطاع الإعلام، والتعاون في بناء اللوائح والسياسات، وتطوير سلسلة القيمة في قطاع الإعلام وفق استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، لا سيما في غرف الأخبار والمؤسسات الإخبارية.

وكانت جوجل قد درّبت نحو 300 إعلامي سعودي خلال العام الماضي على منتجات وأدوات جوجل المفيدة للإعلاميين؛ مثل مؤشرات جوجل، وأدوات معاينة البيانات وأدوات التحقق من صحة الأخبار.

  • مسرعة الأعمال الإعلامية:

أطلقتها أكاديمية الإعلام السعودية بالشراكة مع كل من “eWTP Arabia Capital”، والشركة السعودية للحوسبة السحابية- علي بابا كلاود، واتحاد شباب فوجيان.

وتركز مسرعة الأعمال الإعلامية على تعزيز الابتكار والنمو في قطاع الإعلام، وتوفر للشركات الناشئة ورواد الأعمال، الإرشاد والبيئة والموارد اللازمة لتوسيع نطاق أعمالها وتطويره، بهدف أن تصبح مركزًا للابتكار في مجال تكنولوجيا الإعلام.

  • بنية تحتية إعلامية متطورة

وبقدر اهتمام المملكة بتأهيل وإعداد الكوادر البشرية المحترفة من الإعلاميين والصحفيين، كان اهتمامها بتوفير بنية تحتية إعلامية متطورة، وهو ما يتضح في المدينة الإعلامية السعودية، وهي مدينة إعلامية متكاملة في الرياض على مساحة 200 ألف متر مربع، بها كافة خدمات البث الفضائي، وكافة حلول البث الرقمي المتكامل، واستديوهات تلفزيونية قائمة بمساحات مختلفة واستديوهات تحت الطلب.

وقد وضعت لها خطة إنشاء على ثلاث مراحل انتهت المرحلة الأولى وتبقى المرحلة الثانية والثالثة، وسيكون لها فروع في مدينة جدة وفي المنطقة الشرقية، ومن المستهدف أن تضاهي أكبر المدن الإعلامية على مستوى العالم.

بالإضافة إلى ذلك يبرز قطاع الإعلام في مدينة نيوم، التى تمتلك مرافق متطورة عالمية المستوى أسهمت في تحويلها إلى وجهة للقطاعات الإبداعية وصناعة الإعلام في المنطقة، ومركزًا إعلاميًا عالميًا رائدًا، حيث تتضمن مرافق تلفزيونية وسينمائية فائقة التطور تضم مسارح صوتية بُنيت خصيصًا لهذه الأغراض، كما تقدم نيوم برنامجًا سخيًا للاسترداد المالي يصل إلى أكثر من 40% وحوافز أعمال متنوعة، ما يجعلها محفزًا لنجاح قطاع الإعلام وازدهاره.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن تكنولوجيا الإعلام على تمكين منشئي المحتوى وشركات الإعلام والمستهلكين من خلال أدوات ومنصات مبتكرة لإنشاء المحتوى وتوزيعه وتجربته بطرق جديدة. ومن خلال الاستفادة من قدرات تكنولوجيا الإعلام، يمكن لوسائل الإعلام البقاء في طليعة المشهد الرقمي المتطور، والتكيف مع سلوك المستهلك المتغير لضمان بقائها ملائمة ومتاحة لجمهور واسع.

كما أن مواكبة تلك التطورات تعزز من إسهام المنصات الإعلامية في الاقتصاد، وهي مسألة موضع اهتمام في المملكة العربية السعودية، فبحسب تصريحات لوزير الإعلام الأستاذ سلمان بن يوسف الدوسري، إذ بلغ إسهام قطاع الإعلام في الناتج المحلي العام الماضي، 14.5 مليار ريال سعودي، ومن المستهدف الوصول إلى نحو 16 مليار ريال خلال العام الحالي، كما أدى استثمار القطاع في رأس المال البشري إلى توفير 56 ألف وظيفة حتى العام الماضي، والمستهدف في هذا العام نحو 67 ألف وظيفة.

زر الذهاب إلى الأعلى