تعاني علوم الإعلام والاتصال من أزمة منهجية في ظل التطورات الكبيرة المتلاحقة التي تؤثر على آليات استخلاص البيانات وأساليب التحقق منها، الأمر الذي يحتم البحث عن أدوات بحثية جديدة ومبتكرة. وفي حين أن استخدام المداخل المختلطة في البحوث أو ما يسميها البعض “البحوث المزجية” تزايد الاهتمام به في العالم منذ أكثر من عقدين، باعتباره يمثل منهجًا قادرًا على الإحاطة بالظواهر البحثية على نحو أكثر فاعلية، إلا أن واقع الدراسات العربية يشير إلى الضعف النسبي لاستخدامه.
وبالرغم من أن الكثير من الدراسات في مجال مناهج البحوث الإعلامية أشارت إلى هذا المنهج باعتباره يمثل مخرجًا للإشكاليات التي يعاني منها علم الإعلام والاتصال لا سيما في بيئة الإعلام الجديد، فإن المتتبع لتطبيق هذا المنهج يجده ضعيفًا على المستويين الكمي والكيفي.
وفي هذا الإطار، نشرت مجلة البحوث الإعلامية في عددها الصادر في أبريل 2024، دراسة بعنوان “البحوث المختلطة وتطبيقاتها في الدراسات الإعلامية: رؤية تحليلية نقدية” من إعداد الدكتور عبد الله بن محمد الرفاعي الأستاذ بقسم الصحافة والإعلام الجديد بكلية الإعلام والاتصال في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والتي نستعرضها على النحو التالي:
- أسباب الاستعانة بالمناهج المختلطة
تشير الدراسة إلى بعض الأسباب الواضحة التي تجعل الباحث يختار المزج بين الأساليب؛ ومنها أن الوقت قد لا يسمح بإجراء بحث نوعي أو بحث كمي متعمق، وكذلك التحدي المرتبط بالتفاوض للوصول إلى المشاركين أو العثور على مجموعة كبيرة من البيانات.
وبحسب الدراسة، هناك 5 أسباب منهجية لطرق الخلط:
- التكامل: تعميق أو تحسين البيانات الأخرى.
- التوسع: توسيع الاستفسار لطرح أسئلة مختلفة.
- التنمية: استخدام طريقة واحدة للإعلام وتحسين الأخرى.
- التثليث: دعم البيانات السابقة.
- البدء: حل النتائج المتناقضة السابقة.
وفي كل هذه الحالات يختار الباحث طرقًا مختلطة لتعزيز نتائج بحثه الشاملة، بدلا من مجرد الاستجابة لمشكلة عملية مثل ضيق الوقت.
- خطوات مزج البحوث
استعرضت الدراسة خطوات مزج البحوث والتي تبدأ بعملية انطلاق المشروع والتأطير، وفيها يسعى الباحث إلى إعطاء الجميع فهمًا واضحًا ومشتركًا لما سيحققه المشروع، ثم مرحلة تأطير النهج الخاص، حيث يمثل الإطار الاستقرائي أو الاستنتاجي القيمة الفريدة التي يجلبها الباحث، وهنا يقترح الباحث طريقة معينة لطرح الأسئلة والإجابة عنها.
وبعد ذلك تأتي خطوة تصميم البحث، ففي تلك المرحلة يتمثل الهدف الأساسي في الإعداد لإجراء التحليل بشكل مباشر قدر الإمكان، واتخاذ خيارات من شأنها أن تولد بيانات ذات أشكال وأحجام معينة، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة تحديد الأولوية أو الهيمنة، حيث يجب أن يكون واضحًا جدًا النهج الذي سيكون سائدًا (الاستقرائي أو الاستننتاجي).
وارتباطًا بما سبق لا بد أيضًا من تحديد طريقة مزج البيانات، ففي حين تعني طرق المزج المتزامن أو المتسلسل خلط البيانات، إلا أن الطريقة التي تقرر بها مزج بياناتك تتضمن في الواقع تسلسلًا، بمعنى آخر، يصاحب خلط البيانات مخاوف عملية للغاية يجسدها سؤال ماذا تفعل أولا؟
وأخيرًا تأتي مرحلة تحليل البيانات وتفسيرها والتي يتم فيها المزج بين الاستقراء والاستنتاج.
- رؤية لتعزيز الابتكار
استعرضت الدراسة أيضًا رؤية لتعزيز الابتكار، حيث اقترح الباحثون طرقًا مختلفة لتطوير مناهج جديدة لتصميم الطرق المختلطة، ودمج التطورات التكنولوجية في تصميمها، واستخدام البيانات الضخمة، والإسهام في التحسين المجتمعي من خلال تصميم متعدد الأساليب في السعي وراء المشكلات المعقدة.
وقد حدّد باحثون السمات المنهجية المميزة لنهج البحث التشاركي المجتمعي (يشيرون إليه بالمختلط) بأنه قائم على المجتمع، ويعتقد أن هذه الممارسة يمكن أن يستند إليها الباحثون لتقديم أساس منطقي واضح للنهج والتقاطعات الجديدة التي ينطوي عليها تصميم البحث بالطرق المختلطة.
وفي تصميمهم لبحوث الأساليب المختلطة، أكد الباحثون على البيانات متعددة المستويات ومبادئ العدالة الاجتماعية التشاركية، وأبرزوا صوتًا لاستنباط وجهات نظر الشباب عبر وسائط متعددة (أي بصريًا وشفهيًا أو كتابيًا).
وقد أوصت الدراسة بإعداد تقارير للاستفادة من دروس تصميم البحوث المختلطة، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي تتطور فيه مواجهة التحديات المنهجية والتكيفات الإجرائية، يواصل باحثون آخرون عملًا مهمًا يتمثل في تصميم بحث متعدد الأساليب في سياقات جديدة لأغراض مبتكرة.
وتجدر الإشارة هنا إلى دعوة بعض الباحثين لمزيد من الفرص للتعلم التفصيلي لتصميم البحوث المختلطة، فمجموعة الأبحاث الناشئة والموارد المفيدة توفر نافذة على الفرص التي تقدم إرشادات أساسية للباحثين عن الأساليب المختلطة.
وتأسيسا على ما سبق، يمكن القول بأن الدراسة السابقة قدمت تتبعًا منهجيًّا للكتابات والأدبيات الأصيلة في مجال البحوث المختلطة، لسد الفجوة في دراسات مناهج البحوث العربية في هذا المجال، مع تقديم مفاهيم وعناصر وخطوات عملية يمكن على أساسها فهم البحث المختلط، وتمايزاته عن البحوث الكمية والنوعية، إضافة إلى رؤية مستقبلية لتعزيز تلك البحوث.