شهدت الآونة الأخيرة اهتمامًا بتقنية البودكاست في المؤسسات الإعلامية والإلكترونية عبر استخدام تطبيقات الوسائط المتعددة المتمثلة في الملفات الصوتية والمرئية، والنصوص الصوتية التي تزيد من جاذبية وثراء المحتوى الإعلامي، وتعزيز العملية التواصلية بين جمهور المواقع الإعلامية، وطبيعة المضمون الذي يقدم من خلال البودكاست المنشور عبر صفحاتها.
وتميزت منصات البودكاست بتقديم محتوى صوتي متعدد الخصائص والمزايا الإعلامية، كما يهتم بتغطية مجالات مختلفة، على سبيل المثال المجالات الثقافية والاجتماعية والدينية والوثائقية والاقتصادية وغيرها.
وفي هذا الإطار، نشرت مجلة اتحاد الجامعات العربية لبحوث الإعلام وتكنولوجيا الاتصال في عدد ديسمبر 2023، دراسة بعنوان “أهمية استخدام تقنيات البودكاست في إثراء محتوى المواقع الإلكترونية للمؤسسات الإعلامية”، من إعداد الدكتورة وداد هارون أحمد الأستاذ المساعد بكلية الاتصال في الجامعة القاسمية بالشارقة، من خلال تحليل عينة من البودكاست المنشور عبر بعض المواقع الإعلامية التي تم اختيار 4 منها كعينة للدراسة شملت (بودكاست حوارات الخليج)، و(بودكاست بي بي سي عربية)، (العربية بودكاست)، و(بودكاست البيان)، نستعرضها على النحو التالي:
نتائج الدراسة
أظهرت نتائج الدراسة مدى اهتمام المواقع الإعلامية -عينة البحث – حيث استطاعت أن تخصص أيقونة منفردة وصفحة خاصة للبودكاست عبر صفحاتها، وتحمل مسميات محددة في كل موقع وهي: (بودكاست حوارات الخليج)، و(بودكاست بي بي سي عربية)، و(العربية بودكاست)، و(بودكاست البيان).
وأوضحت نتائج الدراسة أن البودكاست الإعلامي -عينة البحث – تفرد في طرح موضوعات وقضايا لم تعط أولوية في كثير من الرسائل التقليدية، بل تم وضعها في قالب صوتي مدمج الوسائط المتعددة، من حيث الموسيقى، والنص الصوتي، والمؤثرات المصاحبة وغير ذلك، مما أدى إلى جاذبية هذه الموضوعات، والمساهمة في انتشارها. وبينت النتائج أن قضايا الثقافة والأدب والفنون حصلت على المرتبة الأولى بنسبة بلغت 23%، يليها الموضوعات الصحية 15%، ثم قضايا المرأة والطفل والأسرة والتطور التقني والتكنولوجي بنسبة 12% لكل منهما، وفي المرتبة الرابعة الموضوعات والظواهر الاجتماعية 10%، يليها القضايا التعليمية والرياضية والهوايات والألعاب بنسبة 8% لكل منها، ثم موضوعات المال والأعمال والقضايا الدولية والسياسية وفئة أخرى 4% لكل منها، وفي المرتبة الأخيرة الخواطر والتأمل والطموحات المستقبلية 2%.
كما كشفت النتائج أن استخدام البودكاست كتقنية جديدة حقق انتشارًا واسعًا، وإقبالًا من جمهور الموقع على مختلف الفئات، وتأكد ذلك من خلال النطاق الجغرافي للتغطية لموضوعات البودكاست التي حققت نسبًا متباينة، تصدرتها التغطية المحلية لمحتوى المنطقة الحاضنة لموقع الدراسة التي حصلت على نسبة بلغت 52%، وجاء الاهتمام بالموضوعات العالمية في المرتبة الثانية بنسبة بلغت 27%، أما التغطية الإقليمية فقد حصلت على المرتبة الثالثة بنسبة بلغت 21%.
وأبرزت نتائج الدراسة مدى اهتمام البودكاست الإعلامي بالفنون والقوالب الاتصالية المختلفة والمعروفة، ومن بينها الأحاديث والحوارات الإعلامية التي حصلت على نسبة 31% محققة المرتبة الأولى، ومن أبرزها (بودكاست الخليج) التابع للموقع الرسمي لمؤسسة صحيفة الخليج، والذي خصص هذا الفن لطرح ومعالجة موضوعاته الصحفية.
وجاءت في المرتبة الثانية فئة (أخبار وتقارير)، التي ركز عليها الكثير من عينة الدراسة، مثل (بودكاست بي بي سي)، و(بودكاست العربية) بنسبة 17%، وحصلت (الفنون السردية والأدبية) على المرتبة الثالثة بنسبة بلغت 15%، ثم دراسات وبحوث وقراءة الكتب 10%، والتحقيقات والمشكلات الاجتماعية، وفئة أخرى 8% لكل منهما على حدة.
وحول أهداف البودكاست، أظهرت النتائج أن الأهداف الإعلامية في المرتبة الأولى بنسبة (27%)، ثم الهدف التثقيفي بنسبة 21%، وفي المرتبة الثالثة الأهداف التوعوية بنسبة 15%.
كما أشارت النتائج إلى أن البودكاست الاجتماعي الإعلامي في صدارة المجموعة بنسبة 21%، تلاه البودكاست الاجتماعي والبودكاست الثقافي في المرتبة الثانية بنسبة بلغت 19% لكل منهما على حدة، وفي المرتبة الثالثة البودكاست العام والبودكاست العلمي بنسبة 10% لكل منهما على حدة.
كما كشفت النتائج أن البودكاست الإعلامي موضع الدراسة وفّر عددًا من المميزات عبر المحتوى الذي يقدم من خلاله، وكان أبرزها تنوع محتوى البودكاست بنسبة 35%، يليه الالتزام بالضوابط الاجتماعية والمعايير المهنية، وإظهار الفترة الزمنية للبودكاست بنسبة 23% لكل منهما على حدة، وفي المرتبة الثالثة توفير روابط تشعبية كافية بنسبة 19%.
وحول مصادر وشخصيات محتوى البودكاست، جاءت فئة “شخصية إعلامية” و”شخصيات عامة ومشاهير” في الصدارة بنسبة 31% لكل منهما، وفي المركز الثاني اعتماد عينة الدراسة على شخصية متخصصة وشخصيات من عامة الجمهور بنسبة 19% لكل منهما.
وأظهرت النتائج مدى استفادة البودكاست المنشور عبر مواقع المؤسسات الإعلامية من تطبيقات الوسائط المتعددة التي توفرها شبكة الإنترنت والمتاحة عبر صفحات المواقع الإلكترونية، وذلك على النحو التالي:
لم يجهل البودكاست الإعلامي توظيف الصورة الصحفية عبر صفحاته بالرغم من اعتماده على الصوت كعنصر أساسي، وقد جاء في المرتبة الأولى (تستخدم الصور كخلفية للبودكاست بنسبة 54%، وفي المرتبة الثانية لا تستخدم الصور بنسبة 46%، لأن بعض البودكاست يستخدم رسومًا وتصاميم جرافيكية أخرى كخلفية.
كما استخدم البودكاست الإعلامي الصوت مقرونًا مع موسيقى ومؤثرات ونص لأي إعداد محتوى صوتي متكامل حقق نسبة 100%.
وأكدت النتائج أهمية توظيف الرسوم في البودكاست الإعلامي، حيث جاء في الفئة الأولى استخدام الرسوم كأدوات تشغيل، وتنقل في المرتبة الأولى بنسبة 37%، تلتها توظيف الرسوم كخلفية للبودكاست بنسبة 33%.
وأشارت النتائج إلى أهمية النص كعنصر مصاحب للنص الصوتي المنشور، فجاء استخدام النص كعنوان للبودكاست بنسبة بلغت 56%، يليه استخدام النص للشرح وتوضيح محتوى البودكاست بنسبة 27%، ثم استخدام النص كروابط تشعبية 17%.
مقترحات وتوصيات الدراسة
قدمت الدراسة سلسلة من التوصيات تمثلت فيما يلي:
تشجيع المؤسسات الإعلامية على تبني تقنية البودكاست كوسيلة اتصالية رقمية حديثة، والسعي إلى إدراجها ضمن الخدمات الاتصالية المتعددة والجديدة (المدونات، وسائل التواصل الاجتماعي وغيرهما)، والتي تقدمها مواقع المؤسسة الإعلامية (صحف، وراديو، ومحطات تلفزيونية، ووكالات الأنباء، ومواقع افتراضية… إلخ) عبر صفحاتها الإلكترونية.
عمل دورات وورش تدريبية مكثفة للعاملين في المواقع الإعلامية عن كيفية إنشاء البودكاست، وكيفية صناعة المحتوى الجاذب والهادف لهذه النوعية من الوسائل الرقمية الجديدة التي التقت مع الوسائل المسموعة القديمة في خاصية إذكاء خيال الجمهور عبر حاسة السمع، بالرغم من الاختلاف في الأدوات والأوعية الناقلة.
التوسع في عمل الأبحاث الإعلامية المتخصصة في تقنية البودكاست كنمط اتصالي جديد يجب تسليط الضوء على ماهيته وأهميته ووظائفه وكيفية الاستفادة منه مستقبلًا في كافة الوسائل الإعلامية.
التفات كليات الإعلام والاتصال وعبر المناهج الدراسية التي تقدمها إلى التقنيات المتجددة، وكيفية ملاحقتها وإدراجها ضمن مقرراتها الدراسية، ولا سيما تقنية البودكاست التي تفردت المواقع في استخدامها في السرد القصصي المسموع للفنون الصحفية والأدبية وغير ذلك، وبالتالي يجب تعريف الطلبة بتطبيقاته واستخداماته وكيفية الاستفادة منه في توصيل محتواهم الذي ينتج من خلالهم.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن البودكاست بات مكونًا مهمًا في معادلة أدوات الإعلام الجديد، الأمر الذي يتطلب من المؤسسات الإعلامية والجهات الأكاديمية العمل على مواكبته.