تقارير

قمم الرياض تقود الجهود لرفع المعاناة عن الفلسطينيين

بهدف بحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ووقف العمليات العسكرية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، استضافت المملكة العربية السعودية يوم السبت الموافق 11 نوفمبر الجاري القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية بمدينة الرياض، وذلك استجابة للظروف الاستثنائية التي تشهدها غزة من أعمال عسكرية وحشية تقوم بها قوات الاحتلال ضد الأشقاء الفلسطينيين.

  • دور المملكة في توحيد الصفوف

انطلاقًا من مسؤولية المملكة التاريخية في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وتقديرًا منها لخطورة الوضع الحالي غير المسبوق الذي تشهده غزة، سعت المملكة إلى توحيد الصف العربي والإسلامي من أجل الخروج بقرارات توافقية تتلاءم مع الظرف الراهن، وتستطيع مواجهته واحتواء تداعياته. وقد نجحت الدبلوماسية السعودية بثقلها السياسي في دمج القمتين العربية والإسلامية بقمة واحدة، وفي هذا الصدد أوضحت وزارة الخارجية السعودية في بيان لها أن القمة العربية الإسلامية الطارئة جاءت بعد التشاور مع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

ومما لا شك فيه أن عملية الدمج التي لجأت إليها المملكة تُكسب قرارات القمة مزيدًا من الزخم والقوة، وتجعلها أكثر شمولًا وتمثيلًا للإرادة العربية والإسلامية المشتركة.

وارتباطًا بالمساعي المحمودة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية من أجل كسب مساندة مختلف الدول للقضية الفلسطينية، استضافت المملكة قبل يوم من انعقاد القمة العربية الإسلامية الطارئة قمة أخرى سعودية أفريقية، وعلى الرغم من أنها لم تكن مخصصة للتباحث حول القضية الفلسطينية، فإن المملكة نجحت في تضمين البيان الختامي للقمة تأكيدًا على ضرورة وقف العمليات العسكرية وحماية المدنيين؛ وفقًا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والتشديد على أهمية الدور الذي يجب أن يضطلع به المجتمع الدولي في الضغط على الجانب الإسرائيلي لإيقاف الهجمات الإسرائيلية والتهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، بجانب ضرورة السماح بتمكين المنظمات الدولية الإنسانية للقيام بدورها في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الشعب الفلسطيني، إضافة إلى التأكيد على ضرورة إنهاء السبب الحقيقي للنزاع المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي، وأهمية تكثيف الجهود للوصول إلى تسوية شاملة وعادلة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي؛ وفقاً لمبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية لعام 2002 وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

  • مسارات التحرك السعودي

تُظهر القراءة المتأنية للمشهد الحالي أن المملكة العربية السعودية تقود الجهود العربية والإسلامية من أجل التوافق على رؤية مشتركة لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي الغاشم، وذلك وفق مجموعة من الأولويات يأتي في مقدمتها حقن دماء الفلسطينيين، وذلك من خلال التشديد على ضرورة الوقف الفوري للعمليات العسكرية، وتوفير الحماية المدنية وإيصال المساعدات الإغاثية والطبية لسكان قطاع غزة بشكل عاجل.

وفي موازاة ذلك، تعمل المملكة بشكل قوي على مواجهة المخططات الإسرائيلية الخبيثة الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، وذلك من خلال التأكيد على الرفض القاطع لعمليات التهجير القسري للشعب الفلسطيني، الذي يُخالف الأعراف والقوانين الدولية والمبادئ الإنسانية المشتركة.

وإذا كان المساران السابقان يتعلقان بالحلول الآنية العاجلة، فهناك مسار ثالث استراتيجي يتمثل في تأكيد المملكة على أنه لن يكون هناك وقف نهائي للعنف وتثبيت الاستقرار في المنطقة دون التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية؛ وفقًا لمبدأ حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بما يكفل للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.

  • دلالات كاشفة في كلمة سمو ولي العهد

نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله -، ترأس صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله -، أعمال القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية بالرياض.

وقد ألقى سموه في افتتاح أعمال القمة كلمة أكد فيها على الإدانة والرفض القاطع للحرب الشعواء التي يتعرض لها الأشقاء الفلسطينيون، وراح ضحيتها الآلاف من المدنيين العزل من الأطفال والنساء والشيوخ، ودمّرت فيها المستشفيات ودور العبادة والبُنى التحتية.

ولفت سمو الأمير محمد بن سلمان إلى فشل مجلس الأمن والمجتمع الدولي في وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية الصارخة للقوانين والأعراف الدولية والقانون الدولي الإنساني، وتبرهن على ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيقها، وتهدد الأمن والاستقرار العالمي.

وأكد سموه – أيده الله – على رفض المملكة القاطع لاستمرار العدوان والاحتلال والتهجير القسري لسكان غزة، وتحميل سلطات الاحتلال مسؤولية الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني ومقدراته.

وشدد – حفظه الله – على اليقين بأن السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة هو إنهاء الاحتلال والحصار والاستيطان وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة بحدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما يضمن استدامة الأمن واستقرار المنطقة ودولها.

وجاءت كلمة سمو الأمير محمد بن سلمان كاشفة، فحرص خلالها على وضع توصيف دقيق للواقع الحالي، حيث حملت الكثير من الدلالات الهادفة إلى تأكيد الرؤية السعودية والعربية من جانب، ودحض الادعاءات والمزاعم الإسرائيلية من جانب آخر.

ويمكن قراءة أبرز ما جاء في الكلمة على النحو التالي:

  • ما يحدث في غزة حرب تقوم بها قوات الاحتلال ضد أهل القطاع، وليس كما تدعي إسرائيل ومن خلفها من الدول الداعمة لها بأن دولة الاحتلال تقوم بالدفاع عن نفسها.
  • المستهدف من هذه الحرب هم المدنيون العُزل الأبرياء، وهو ما يكشف عنه عدد الضحايا وطبيعتهم.
  • الهدف الرئيسي من هذه الحرب هو التهجير القسري لسكان القطاع، وليس القضاء على حركة حماس كما تزعم تل أبيب.
  • التأكيد على مسؤولية إسرائيل وسياساتها العسكرية عن أعمال العنف وعدم الاستقرار في المنطقة.
  • التشديد بأن الدعم الأمريكي والغربي لحكومة تل أبيب يُساهم بشكل رئيسي في استمرار العنف.
  • التأكيد على أنه لا سبيل لإنهاء العنف دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة.

 

  • مخرجات القمة العربية والإسلامية الطارئة

وقد انتهت أعمال القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية بإصدار البيان الختامي الذي تضمن كثيرًا من القرارات، تمحورت أبرزها حول ما يلي:

توصيف الوضع: بأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يعد جرائم حرب ومجازر همجية وحشية ولاإنسانية.

إدانة: الحرب الإسرائيلية، وتهجير حوالي مليون ونصف فلسطيني من شمال القطاع إلى جنوبه باعتبار ذلك جريمة حرب.

رفض: المزاعم الإسرائيلية بأن ما تقوم به هو دفاع عن النفس، ورفض أي طروحات تكرس فصل غزة عن الضفة الغربية.

التصدي: الجماعي لأي محاولات للنقل الجبري الفردي أو الجماعي أو التهجير القسري أو النفي أو الترحيل للشعب الفلسطيني.

المطالبة بـ : كسر الحصار، وفرض إدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري، واتخاذ مجلس الأمن لقرار حاسم ملزم يفرض وقف العدوان ويكبح جماح سلطة الاحتلال الاستعماري التي تنتهك القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية. إضافة إلى مطالبة جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال، ومطالبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ببدء تحقيق فوري في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

دعم: كل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، ومساندة جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكاف.

تكليف: وزراء خارجية المملكة العربية السعودية وكل من الأردن – مصر- قطر- تركيا – إندونيسيا – ونيجيريا وفلسطين وأي دولة أخرى مهتمة، والأمينين العامين للمنظمتين ببدء تحرك دولي فوري باسم جميع الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة.

دعوة: الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة لممارسة الضغوط الدبلوماسية والسياسية والقانونية واتخاذ أي إجراءات رادعة لوقف جرائم سلطات الاحتلال الاستعمارية ضد الإنسانية.

التأكيد: على ضرورة تحرك المجتمع الدولي فوريا لإطلاق عملية سلمية جادة وحقيقية لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين الذي يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وخصوصًا حقه في تجسيد دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

 

وإجمالًا.. يمكن القول إن استضافة المملكة العربية السعودية لهذه القمم يعكس قوة المملكة سياسيًا ودبلوماسيًا، وقدرتها على قيادة الدول العربية والإسلامية نحو تبني مواقف موحدة ومشتركة لمواجهة المخاطر والتحديات التي تُواجهنا.

وقد نجحت المملكة في استضافة القمة العربية والإسلامية التي جاءت من منطلق التأكيد على الموقف العربي والإسلامي في أن ما يشهده قطاع غزة هو عدوان إسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وليس أي شيء آخر من سلسلة المزاعم والادعاءات الإسرائيلية، ولذلك جاء عنوانها “القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية لبحث العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني“. وبالتالي تجسد نجاح المملكة بدءًا من عنوان القمة وانتهاءً ببيانها الختامي الذي تضمن قرارات قوية في مضمونها، وواضحة في لغتها، وشديدة في لهجتها.

زر الذهاب إلى الأعلى