دراسات

التحليل النقدي للخطاب الإعلامي

يستمد الخطاب الإعلامي أهميته من كونه منتجًا يأتي في إطار بنية اجتماعية محددة، وهو شكل من أشكال التواصل الفعّال في المجتمع، وله القدرة على التأثير في المتلقي وإعادة تشكيل وعيه. ولا يمثل تحليل الخطاب أداة لتحليل البيانات، أو مجرد معرفة لمعاني الكلمات، وإنما معرفة معقدة للغة من أجل فهم الممارسات الاجتماعية والاتصالات الناجحة، كما أنه عبارة عن منهج ونظرية أي عبارة عن حزمة متكاملة، فهو يشكل منظورًا بشأن طبيعة اللغة وعلاقتها بالواقع الاجتماعي.

ويعد التحليل النقدي للخطاب فرعًا من فروع تحليل الخطاب الذي يركز على التباين والعلاقة بين المجتمع والسلطة، وهو في كثير من الأحيان جزء لا يتجزأ من السياق الاجتماعي، فضلًا عن اهتمامه بالكشف عن علاقات القوة والأيديولوجيات الكامنة داخل السياقات الاجتماعية.

وفي هذا الإطار، نشرت المجلة العلمية لبحوث العلاقات العامة والإعلان في عددها الصادر في ديسمبر 2022 دراسة بعنوان “التحليل النقدي للخطاب الإعلامي: المفهوم والأسس النظرية ومداخل التحليل” من إعداد الباحث محمود سيد بكلية الإعلام جامعة بني سويف وإشراف الدكتور علي عجوة الأستاذ بقسم العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة، نستعرضها على النحو التالي:

  • أهداف التحليل النقدي للخطاب

يهدف التحليل النقدي للخطاب إلى فك كتلة الخطاب، ورسم مخطط ما يقال وما يمكن أن يقال في مجتمع محدد بعينه وزمن محدد بعينه، فيما يتعلق بنطاقه الكيفي (ما يقال؟ وكيف يقال؟) وكشف النقاب عن التقنيات التي يتم اللجوء إليها بغرض توسيع الحدود الخطابية أو تضييقها، كما يهدف إلى مساءلة الخطابات وإخضاعها للنقد، وذلك باستخدام إحدى الطريقتين الآتيتين:

أولا: تعرية التناقضات الموجودة في الخطابات المختلفة وكذلك فيما بين بعضها البعض والكشف عن حدود ما يمكن قوله وفعله، والوسائل التي يقوم الخطاب من خلالها بجعل تصريحات معينة تبدو عقلانية وخارج نطاق الشكوك، على الرغم من أنها قد تكون صالحة في زمان ومكان محددين بعينهما فقط.

ثانيا: تكوين المحلل النقدي للخطاب رؤية واضحة فيما يتعلق بحقيقة كون مقاله النقدي لا يتعامل معه بمنأى عن الخطاب، حيث إن ذلك من شأنه أن يتناقض مع الافتراضات الرئيسية للتحليل النقدي للخطاب.

وفي هذا الصدد يمكن تحديد الأهداف الرئيسية للتحليل النقدي للخطاب في:

  • تحليل ممارسات الخطاب التي تعكس أو ينشأ عنها المشكلات الاجتماعية.
  • دراسة كيف يمكن للأيديولوجيا أن تختفي داخل اللغة، ومحاولة إيجاد الوسائل التي تظهرها.
  • زيادة الوعي بكيفية استخدام التحليل النقدي للخطاب ضد حالات الظلم والتحيز وإساءة استخدام السلطة.
  • توضيح أهمية اللغة في العلاقات الاجتماعية للسلطة.
  • معرفة كيف يتم إنشاء وتكوين المعنى داخل السياق.
  • دراسة دور المتكلم وهدف الكاتب وموقف المؤلف في بناء الخطاب.

ويحتاج التحليل النقدي للخطاب إلى عدد من المتطلبات حتى يحقق أهدافه على نحو فعال، تتمثل فيما يأتي:

  • يجب أن يكون بحث تحليل الخطاب النقدي أفضل من البحوث الأخرى من أجل أن يكون مقبولًا.
  • يجب أن يركز أولا على المشكلات الاجتماعية والقضايا السياسية بدلا من التركيز على النماذج والموضوعات الراهنة.
  • التحليل النقدي للخطاب الذي يتسم بالكفاية على المستوى التجريبي للمشكلات الاجتماعية هو عادة متعدد التخصصات.
  • بدلًا من مجرد وصف بُنى الخطاب يجب شرحها وفقاً لخواص التفاعل الاجتماعي والبنية الاجتماعية.
  • يجب أن يركز التحليل النقدي للخطاب على السبل التي تنتهجها بُنى الخطاب في تفعيل علاقات السلطة والهيمنة في المجتمع وتنفيذها وتأكيدها واستمرارها وإضفاء الشرعية عليها.

 

  • مبادئ التحليل النقدي للخطاب:

نشأت مبادئ التحليل النقدي للخطاب بالفعل في النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت قبل الحرب العالمية الثانية، وبدأت تلك المبادئ التركيز على اللغة والخطاب فضلاً عن اندماجها مع اللسانيات النقدية ومعظمها في المملكة المتحدة وأستراليا في نهاية السبعينيات، وهناك عدد من نظائر تحليل الخطاب النقدي في التطورات النقدية في علم اللغة الاجتماعي، وعلم النفس، والعلوم الاجتماعية، التي يرجع بعضها إلى بداية السبعينيات، وكما هي الحال في التخصصات الأخرى، يمكن النظر إلى التحليل النقدي للخطاب على أنه ردة فعل ضد النماذج الاجتماعية أو غير النقدية السائدة في الستينيات والسبعينيات.

ويلخص كل من “فيركلوف ووداك” المبادئ الرئيسية للتحليل النقدي للخطاب على النحو الآتي:

  • يتناول التحليل النقدي للخطاب المشكلات الاجتماعية.
  • علاقات السلطة تكون خطابية ومنطقية.
  • يمثل الخطاب المجتمع والثقافة.
  • يفعل الخطاب عملًا أيديولوجياً.
  • يكون الخطاب تاريخياً.
  • تكون العلاقة بين النص والمجتمع علاقة وسطية.
  • يكون تحليل الخطاب تفسيرياً وشارحاً.
  • الخطاب هو شكل من أشكال الفعل الاجتماعي.

ويركز التحليل النقدي للخطاب إجرائياً على الجوانب التالية:

  • رصد الكلمات والمفردات اللغوية ذات الدلالة أو ما يعرف بالكلمات المؤثرة التي تحمل دلالات سلبية أو إيجابية بعينها مستهدفة التأثير المباشر أو الضمني في الأنساق المعرفية والوجدانية للرأي العام نحو القضايا، أو الشخصيات أو الأحداث المهمة، وتحوي الكلمات المفعمة بالضرورة درجة ما من درجات التحيز.
  • رصد السياق الذي ترد فيه المفردات اللغوية المتحيزة، فضلًا عن رصد العلاقات التفاعلية بين السياق، ودلالات تلك المفردات اللغوية.
  • تحليل الهيئة البنائية والإخراجية للنص.

 

أبرز مداخل التحليل النقدي للخطاب:

التحليل النقدي للخطاب لا يمتلك إطارًا موحدًا، لذا فهناك العديد من الاتجاهات والمداخل، لكنها تشترك في المنظور والأهداف العامة، وقد أسست على دراسة العلاقة بين النص اللغوي والعلاقات الاجتماعية بين الأفراد إضافة إلى الأيديولوجيات الفكرية، ومن أبرز تلك المداخل:

  • مدخل فيركلوف الاجتماعي – الثقافي:

يستند الإطار التحليلي للتحليل النقدي للخطاب عند نورمان فيركلوف إلى تصوره للحدث الخطابي، فهو يرى أن له 3 أبعاد وهي كونه نصا وممارسة خطابية وممارسة اجتماعية، ويستتبع ذلك 3 مراحل للتحليل النقدي للخطاب وهي الوصف، والتفسير، والشرح والتقييم.

وتتمثل أبرز أدوات التحليل وفقا لهذا المدخل في التعدية واختيار المفردات والصيغ الاسمية والمصدرية والاستعارة والتشبيه والسخرية والبناء للمجهول وتوظيف حروف الجر والحجة وأساليب الاستمالة.

  • مدخل فان ديك الاجتماعي – الإدراكي:

وفقا لهذا المدخل، حدد “فان ديك” مستويين للتحليل النقدي للخطاب هما المستوى الكلي، والمستوى الجزئي، حيث يهتم المستوى الكلي بالقوة والهيمنة وعدم المساواة بين المجموعات الاجتماعية، في حين يهتم المستوى الجزئي باستخدام اللغة، الخطاب، التفاعل اللفظي وعمليات التواصل على المستوى الجزئي للنظام الاجتماعي.

ويرى “فان ديك” أنه لا ينبغي أن يقتصر التحليل النقدي للخطاب على دراسة العلاقة بين الخطاب والبنية الاجتماعية، حيث إن استخدام اللغة والخطاب يعتمد دوما على النماذج العقلية المتداخلة، الأهداف، والتمثيلات الاجتماعية العامة مثل (المعرفة، الاتجاهات، الأيديولوجيات، الأعراف، والقيم)، وبعبارة أخرى فإن دراسة التحليل النقدي للخطاب تقوم بالأساس على دراسة ثلاثة أضلع مهمة هي: المجتمع بثقافته وما به من مواقف، الإدراك والخطاب، واللغة.

  • مدخل روث ووداك الاجتماعي – التاريخي:

تأثر مدخل “روث ووداك” الاجتماعي التاريخي بشكل كبير بالنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، حيث يسلط الضوء على الخطاب السياسي في المجتمع، وكذلك يهتم بالكشف عن الأيديولوجيات في اللغة والخطاب، واتفق مع كل من مدخل “فيركلوف وفان ديك” في النظر إلى الخطاب كشكل من أشكال الممارسة الاجتماعية.

  • مدخل الفاعلين الاجتماعيين لفان ليوين

يشترك هذا المدخل مع أفكار “ميشيل فوكو” في أن المشاركين في الخطابات يشار إليهم كفاعلين اجتماعيين وهم يشكلون وبصورة دائمة البنية الاجتماعية، ووفقًا لهذا المدخل فإن الخطابات تعد إعادة بناء لسياقات الممارسة الاجتماعية، وقد تأثر فان ليوين بمجموعة كبيرة من النظريات الاجتماعية واللغوية، ويركز التحليل في هذا المدخل على الفئات الاجتماعية مثل (القيادة والقوة) بدلا من الفئات اللغوية مثل الأسماء أو البناء للمجهول، ويتم الربط بين العناصر محل الدراسة من خلال مفهوم الفاعلين الاجتماعيين بدلا من الاعتماد على المجموعة الاسمية.

  • النقد الموجه للتحليل النقدي للخطاب:

هناك الكثير مما يأخذه نقاد التحليل النقدي للخطاب عليه من منطلق اختلافات أساسية بين المدارس اللغوية المختلفة – السلوكية والتوليدية وغيرهما – أو التأسيس على بعض الممارسات غير الناضجة في هذا الاتجاه؛ ومما يؤخذ على بعض ممارسات التحليل النقدي للخطاب الانحياز إلى الجوانب اللغوية من الخطاب على حساب ما يحيط به من سياقات ثقافية واجتماعية وسياسية، ويؤخذ على تلك الممارسات أيضاً إهمالها الأبعاد التاريخية وتَغير اللغة ودلالاتها ووظائفها من عصر إلى عصر.

كما يرى البعض أن معظم دراسات التحليل النقدي للخطاب ينظر إليها حتى الآن بوصفها عبارة عن تأويلات ذاتية انطباعية تتأثر برؤية المحلل للخطاب وثقافته، وأنها ما زالت تفتقر إلى منهجية واضحة في التحليل.

وختامًا يمكن القول بأن تحليل الخطاب الإعلامي هي عملية تمزج بين النص المنطوق واستشراف ما وراءه من خلال الأدوات اللغوية وقراءة الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحيطة.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى