الدراسات الإعلامية

صور مواقع التواصل الاجتماعي والمقارنات لدى المستخدمين السعوديين

أدى التوسع في استخدام الأفراد لمنصات التواصل الاجتماعي إلى العديد من التداعيات النفسية على المستخدمين، والتي انعكست في تصرفات من بينها إجراء مقارنات اجتماعية، ما أثار مخاوف بشأن آثارها السلبية على رفاهيتهم الذاتية.

وعادة ما تحدث المقارنات مع حالات وهمية افتراضية، فعلى سبيل المثال أغلب الصور المنشورة عبر مواقع التواصل تعكس رغبة المستخدم في صناعة الحدث وإخراجه بصورة تبدو مثالية لمشاركتها مع الآخرين، فلم يعد يعيش الفرد الحدث بقدر ما يصطنعه ليخرجه بالصورة التي يريد أن يراه الناس عليها، ما أدى لظواهر جديدة مثل “الحسد الإلكتروني”.

هذا وتحظى منصات التواصل في المجتمع السعودي باهتمام كبير تعكسه الإحصاءات الدولية حول حجم مستخدميها الذي يبلغ 29.3 مليون مستخدم، يقوم 98.2% منهم بتصفح مواقع التواصل من خلال هواتفهم الذكية، فيما يبلغ متوسط الوقت الذي ينفقه المستخدم السعودي يوميًا 3 ساعات و24 دقيقة، من أصل 8 ساعات و5 دقائق ينفقها المستخدم على استهلاك الإنترنت، بحسب تقرير الرقمية الصادر عن مؤسستي “Hootsuite” و”We Are Social” للأبحاث التسويقية في فبراير 2022.

وفي هذا الإطار، نشرت المجلة العربية للإعلام والاتصال دراسة بعنوان “العلاقة بين تصفح صور مواقع التواصل الاجتماعي والمقارنة الاجتماعية لدى المتصفحين السعوديين”، للدكتورة حسناء منصور الأستاذ المشارك بجامعة الملك عبد العزيز، ركزت على رصد العلاقة بين تصفح صور مواقع التواصل الاجتماعي والمقارنة الاجتماعية لدى المتصفحين السعوديين، ومعرفة موضوعات الصور التي تحظى بالمقارنة الاجتماعية بين عينة الدراسة أكثر من غيرها، ودرجة تفاعلهم معها وإلى أي مدى تختلف عمليات المقارنة الاجتماعية ودرجة التأثر بالصورة المنشورة باختلاف درجة العلاقة أو القرابة بين المتصفح وصاحب الصورة.

  • عينة الدراسة

استندت الدراسة إلى عينة قوامها 352 من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بالمملكة العربية السعودية، بلغت نسبة الذكور (36.6%) مقابل (63.4%) للإناث، وشكلت الفئة العمرية ما بين 18 إلى 29 عامًا (73.3%) من عينة الدراسة، تلاها الفئة من 30 إلى 45 عاما (19%)، ثم الفئة من 46 إلى 60 عامًا (7.7%). ومن ناحية المستوى التعليمي، توزعت العينة كالتالي: حاصلون على بكالوريوس (73%)، ومؤهل متوسط (17.3%)، ودراسات عليا (7.4%)، ومؤهل أقل من متوسط (2.3%).

كما شكّل غير المتزوجين (69.3%) من العينة مقابل (30.7%) من المتزوجين. وبالنسبة للدخل فيمثل الأشخاص الذين يتراوح دخلهم ما بين 3- 7 آلاف ريال (21.6%)، وأيضًا يشكل الذين يقل دخلهم عن 15 ألف ريال (21.6%) من حجم العينة، أما الأشخاص الذين يقل دخلهم عن 3 آلاف ريال فنسبتهم (20.2%)، والذين يقل دخلهم عن 10 آلاف ريال نسبتهم (13.9%).

  • نتائج الدراسة

أظهرت نتائج الدراسة أن 43.5% من العينة يستخدمون مواقع التواصل بكثافة عالية “من 3 -7 ساعات”، و31.5% يتصفحون المواقع من 7 ساعات فأكثر بمعنى أن 75% من العينة يعتبرون مواقع التواصل جزءًا أساسيًا من حياتهم اليومية، مما يضفي أهمية للنتائج التي توصلت إليها الدراسة لكونها تعبيرًا عن رأي جمهور ذي علاقة قوية بهذه المواقع.

وكشفت الدراسة عن أن موقع سناب شات الأكثر تصفحًا بين العينة بمتوسط حسابي (4.32) يليه الواتساب بمتوسط حسابي (4.22)، ثم انستغرام (3.88 )، وتويتر ( 3.66)، وتيك توك (2.21)  وجاء الفيسبوك في المركز الأخير بمتوسط حسابي (1.69).

وأظهرت الدراسة وجود علاقة طردية بين درجة قرب العلاقة بين المتصفحين ومتابعة الصور، فالأصدقاء والأهل احتلوا المركز الأول والثاني على التوالي وبفارق بسيط، فالمتوسط الحسابي للأصدقاء (4.2) وللأهل (4.9) ثم المشاهير ثم الغرباء احتلوا المراكز التالية على الترتيب.

وبحسب نتائج الدراسة، فإن الأصدقاء أكثر الفئات التي تحظى صورهم بالمقارنة بمتوسط حسابي (2.8) يليهم الأهل بمتوسط (2.68)، وجاء المشاهير في المركز الأخير، ولكن نظرًا لتقارب المتوسطات الحسابية بين الفئات المختلفة فهذه النتيجة تحتاج مزيدًا من الأبحاث لتحليلها بشكل أعمق.

وتشير الدراسة إلى أن إنجازات الآخرين تعتبر الأكثر جذبًا لمتصفحي صور مواقع التواصل الاجتماعي يليها صور السفر، وجاءت صور المظهر في المركز قبل الأخير. ولم يحظ التفاعل مع الصور المنشورة باهتمام عينة الدراسة، ما يعني أن العينة تعتبر تصفح الصور هدفًا رئيسًا في حد ذاته وقلّما تتعداه لأكثر من ذلك.

وأظهرت نتائج الدراسة أن 85.5% من العينة يقارنون إنجازاتهم بالآخرين، كما أن 83% منهم يقارنون مظهرهم بصور الآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين يقارن 77.8% من العينة حالهم بصور سفر الآخرين وتنزهاتهم، وهي نسبة مقاربة لنسبة الذين يقارنون أحوالهم بالآخرين عند تصفح صورهم العائلية والتي بلغت 77.6%.

كما احتل التحفيز المركز الأول بين المشاعر الناتجة عن تصفح صور إنجازات الآخرين، يليه الشعور بالإحباط، وظلت مشاعر التحفيز في المركز الأول أيضًا عند تصفح صور مظهر الآخرين، ولكن جاءت “مشاعر الفرح من أجلهم” في المركز الثاني، وكان الترتيب نفسه عند تصفح صور سفر الآخرين وتنزهاتهم وأيضًا عند تصفح الصور العائلية للآخرين، كما احتلت الغيرة المركز الأخير في كل هذه الموضوعات.

وأفاد 72.9% من عينة الدراسة بأنهم يقارنون حالهم بحال الآخرين عند تصفح صور المصائب بمواقع التواصل، وتراوحت مشاعرهم بين “الحمد لله” على أنهم أفضل وهي الأغلب أو عدم تصديقها.

وأظهرت الدراسة وجود علاقة ارتباط ذات دلالة إحصائية بين الاهتمام بتصفح صور الآخرين، وإجراء عمليات المقارنة الاجتماعية، كما ثبت وجود علاقة بين المقارنات الاجتماعية ومشاعر الإحباط والغيرة والفرح والتحفيز ولكن بدرجات متفاوتة.

واتضح وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين عينة الدراسة في مقارناتهم الاجتماعية بعد مشاهدتهم صور الآخرين وخصائصهم الديموغرافية وفقًا للنوع لصالح الذكور ولم تثبت هذه الفروق في السن والتعليم.

  • توصيات الدراسة

قدمت الدراسة سلسلة من التوصيات والمقترحات في ضوء النتائج السالف ذكرها، تمثل أبرزها في الآتي:

  • دراسة التأثيرات النفسية والاجتماعية الناتجة عن تصفح الصور من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
  • إجراء دراسات مقارنة بين أوجه الشبه والاختلاف بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في أكثر من دولة عربية عند إجراء عمليات المقارنة الاجتماعية نتيجة لتصفح صور الآخرين بمواقع التواصل الاجتماعي.
  • التعمق في مناقشة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في أسباب مقارنة أنفسهم بالآخرين عند تصفح صورهم بمواقع التواصل والتأثيرات الناتجة عن ذلك من خلال إجراء المقابلات الشخصية التي تتيح الفرصة لمناقشة الموضوع بصورة أكثر عمقًا والخروج بنتائج أكثر دقة.
  • دراسة الأسباب التي تدفع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لنشر صور غير حقيقة عن مظهرهم أو مشاعرهم أو سفراتهم.
  • الاهتمام بزيادة وعي مستخدمي مواقع التواصل بالأهداف الرئيسة لهذه المواقع ومشاركة الخبرات الحقيقية والأفكار وليست مشاركة الصور التي يتم تصميمها وإخراجها على مواقع التواصل الاجتماعي لإحباط الآخرين أو ادعاء مظهر أو حالة شعورية غير حقيقية.

وأخيرًا، شدّدت الدراسة على أهمية توعية الشباب حول المفاهيم التي تؤثر على رؤيتهم وأهدافهم كمصطلح المقارنة الصاعدة مع من يعتقد أنهم أفضل حالًا، والمقارنة الهابطة مع من يعتقد أنهم أسوأ حالًا، والحسد الإلكتروني وكيفية التعامل مع المقارنة الاجتماعية بطريقة تحفيزية تساعدهم على التطوير والمنافسة، وتوضيح تداعيات المقارنة الاجتماعية الصاعدة، وما يترتب عليها من آثار سلبية همها الإحباط وعدم الرضا.

زر الذهاب إلى الأعلى