أثار حادث إطلاق النار داخل مدرسة ابتدائية في ولاية تكساس الأمريكية حالة من الصدمة في أوساط المجتمع الأمريكي والدوائر السياسية في واشنطن، مجددا النقاش حول مدى إمكانية تقييد حق حمل السلاح بنصوص تشريعية ودعوات لمكافحة تلك الظاهرة كان أبرزها دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى مواجهة لوبي الأسلحة النارية، وذلك في ضوء أن الحادث الذي أودى بحياة 21 شخصًا بينهم 19 طفلًا يعد ثاني أعنف حادث إطلاق نار بمدرسة في تاريخ الولايات المتحدة، والتي شهدت منذ مطلع العام الحالي 27 عملية إطلاق نار داخل المدارس.
لكن اللافت في تلك المجزرة ما يتعلق بشخصية مطلق النار، سلفادور راموس، إذ كشفت تقارير إعلامية أمريكية أن راموس البالغ من العمر 18 عاما، كان يتعرض بشكل مستمر في صغره للتنمر من قبل زملائه في الصف الدراسي بسبب فقر عائلته وملابسه، كما أفاد صديق مقرب من المهاجم بأنه كان من محبي لعبة القتال العنيفة “Call of Duty”.
الأمر الذي يفتح المجال أمام تسليط الضوء على مجموعة من الأبعاد التي تؤثر على سلوك الفرد وتدفعه للعنف وتحديدا علاقة التنمر والألعاب الإلكترونية القائمة على العنف بسلوك المراهقين.
اكتساب السلوك العنيف من الألعاب الإلكترونية
على الرغم من كون الألعاب الإلكترونية تحقق لممارسيها متعة إلا أنها قد تسبب ضررًا من جراء إدمانها فهي يمكن أن تغرس لدى الطفل أو المراهق العنف والعدوان في سلوكه خاصة في غياب الرقابة عليه، وقد أفردت العديد من النظريات مساحة لرصد تلك الظاهرة ومنها:
نظرية القذيفة أو الرصاصة:
ترى هذه النظرية أن علاقة الفرد بمضمون الرسالة الإعلامية هي علاقة تأثير مباشر وتلقائي في الإنسان الذي یتعرض لها ويتأثر بمضمونها، وقد أطلق على هذه النظرية اسم الرصاصة السحریة. فما تقدمه الوسائط الاتصالية على مختلف أشكالها وأنواعها والتي من بینها الألعاب الإلكترونية له تأثير على ما یكتسبه الأفراد منها بصفة عامة والأطفال والمراهقون بصفة خاصة.
فبعد أن سمي التلفزيون بالأب الأول للمراهق أصبحت الألعاب الإلكترونية عبر الوسائط الإعلامية الجديدة مجتمعًا متكاملًا یصنع حیاته الیومیة والعديد من نشاطاته الحقيقية وتفاعلاته الاجتماعية، فلا یمكن أن نتجاهل الأثر الذي تتركه هذه الألعاب في تنشئة الأطفال وفي بلورة سلوكیاتهم، فما یقضیه المراهق من ساعات أمام جهاز الكمبیوتر أو ألعاب الفیدیو والإنترنت من شأنه غرس هذه الألعاب في حياتهم وإدمانها خاصة عندما یكون الإقبال علیها كبیرًا ولمدة طویلة.
نظرية التعلم أو التقليد من خلال الملاحظة:
یعتبر عالم النفس الكندي ألبرت بندورا أول من وضع أسس نظرية التعلم الاجتماعي أو ما يعرف باسم التعلم من خلال الملاحظة. وأطلقت على تلك النظرية عدة تسمیات ومن بینها: التعلم بالتقلید والتعلم التبادلي أو التعلم التقمصي، ویعد باندورا من أشهر الباحثین الذین أوضحوا تجریبیًا الأثر البالغ لمشاهدة النماذج العدوانية على مستوى السلوك العدواني لدى الفرد الملاحظ، والمتعلم.
ويشير ألبرت باندورا إلى ثلاثة مصادر یمكن من خلالها اكتساب العدوان هي: مشاهدة السلوك العدواني، تقلید العدوان، ممارسة العدوان.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن ممارسة المراهق للألعاب الإلكترونية خاصة العنیفة منها تجعله ینطلق في رحلة قتال، ويكون علیه تجاوز جمیع المراحل من أجل الفوز، وهنا یقوم بأي شيء للفوز من قتل وذبح واستعمال الأسلحة كالسیف أو المسدس فیطلق المجال لمخیلته لیصل إلى وضع لا یستطیع فیه التفرقة بین الواقع والخيال، ففي حالة توفر أحد الأسلحة التي عادة ما یستعملها في ألعابه في الواقع یقوم بتجریبها وهذا ما یؤدي إلى العديد من الجرائم.
مخاطر ممارسة الألعاب الإلكترونية العنيفة
وانطلاقًا من تلك الأبعاد النظرية، يمكن رصد العديد من المخاطر ذات الصلة بممارسة الألعاب الإلكترونية ومن أبرزها:
- ازدياد السلوك العنيف وارتفاع معدل جرائم القتل والاعتداءات الخطيرة في العديد من المجتمعات.
- وجود نسبة كبیرة من الألعاب الإلكترونية تعتمد على التسلیة والاستمتاع بقتل الآخرين وتدمير أملاكهم والاعتداء عليهم دون وجه حق فهي تعلم الأطفال والمراهقين أساليب ارتكاب الجريمة وفنونها وتنمي في عقولهم قدرات ومهارات العنف والعدوان.
- الألعاب الإلكترونية تصنع طفلًا غیر اجتماعي فهو يقضي ساعات مع الألعاب غير متواصل مع الآخرين.
ضحايا التنمر بين السلبية والنزوع إلى العنف
يعتبر التنمر سلوكًا عدوانيًّا مقصودًا للإيذاء أو الإزعاج يحدث عندما يستخدم المتنمر قوته في الاعتداء على ضحية “متنمر عليه” بأشكال مختلفة فقد يكون ماديًّا أو لفظيًّا أو اجتماعيًّا أو عنصريًّا.
وبالتالي يتضمن ثلاث خصائص أولها أنه مقصود فالمتنمر يتعمد أذى شخص ما، وثانيها أنه متكرر فغالبًا ما يتم استهداف الضحية عدة مرات، وينطوي على عدم توازن القوى فالمتنمر يختار الضحية الأقل منه قوة.
وينقسم ضحايا التنمر إلى نمطين، الأول هم “الضحايا السلبيون – passive victim ” ويسيطر عليهم القلق ويميلون للانسحاب أو البكاء عند مهاجمتهم من المتنمرين، ولا يميلون لاستخدام العنف للدفاع عن أنفسهم. أما النمط الثاني فيتمثل في “الضحايا الاستفزازيين provocative victim” ويكون سلوكهم مزيجًا من رد الفعل القلق والعدواني.
ويتصف ضحايا التنمر بأنهم منعزلون اجتماعيًّا ولديهم شعور بالخوف وعدم الراحة، وقلقون دائمًا بجانب أنهم معرضون للاكتئاب وليست لديهم ثقة في أنفسهم، وليس لديهم أصدقاء، وينخفض أداؤهم الأكاديمي، ولديهم ضعف في التكيف الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية مع الآخرين.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن حائط الصد الأول في مواجهة التنمر والتصدي لأضرار ممارسة الألعاب الإلكترونية العنيفة يتمثل في دور الأسرة ودعمها للأبناء وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وكذلك الرقابة على ممارسة الأطفال والمراهقين للألعاب الإلكترونية للرصد المبكر لأي تحول سلبي في سلوكهم.