قراءات

لقاء سمو ولي العهد مع مجلة أتلانتيك.. الرسائل والمضامين

بلهجة واثقة تعكس إصرارًا وطموحًا لا حدود له، ورؤية تنموية متفردة، ونظرة ثاقبة حكيمة للمتغيرات الإقليمية والدولية، جاء لقاء سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، مع مجلة “أتلانتيك” الأمريكية، والذي يعد لقاءً شاملًا تطرق إلى مختلف ملفات السياسة الداخلية والخارجية، فضلًا عن جوانب تتعلق بتطور المجتمع السعودي.
وقد تضمنت ردود سموه مجموعة من الرسائل والمضامين العميقة، نستعرضها في التقرير التالي:
أولاً: رسائل تتعلق بالشأن الداخلي
إبراز تفرُّد واستقلالية نموذج التطور الحالي في المملكة، والذي يرتكز إلى شعبها وتاريخها، وما لديها من مقومات اقتصادية وثقافية.
التأكيد على أن الدولة قائمة على الإسلام والثقافة القبلية والثقافة السعودية والعربية، وهذه الجوانب مجتمعة بمثابة روحها.
الإشارة إلى أن التطور الاجتماعي في المملكة يسير بالاتجاه الصحيح، وفق معايير الشعب ومعتقداته وخصوصيته.
التشديد على عدم التسامح في المعركة ضد الفساد مع أي متجاوز، حتى وإن سرق 100 دولار.
رفض التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة، والتأكيد على أنها مسألة تخصّ السعوديين فقط.
تأكيد التلاحم بين الأسرة المالكة والشعب، فلا يوجد انفصال بين الجانبين، ومفهوم الدماء الملكية لا وجود له بالسعودية، والأسرة الحاكمة جزء من الشعب، وهدفها خدمته والحفاظ على وحدته.
استقلالية السلطة القضائية في المملكة، وأي عقوبات تصدر تكون بناءً على وجهات نظر القاضي والنظام السعودي، مع التأكيد على تواصل المساعي لتحسين النظام القضائي للوصول إلى معايير عالية على الصعيد الدولي.
ثانيًا: رسائل تتعلق بالسياسة الخارجية
رغبة المملكة في تعزيز العلاقة مع واشنطن بالنظر للمصالح المشتركة في الجوانب السياسية، والاقتصادية والتجارية والأمنية، والدفاعية، مع الإشارة إلى أن الأمر يعود للولايات المتحدة سواء كانت تريد الفوز بالسعودية أو الخسارة.
تركيز السعودية وقطر على بناء مستقبل رائع، انطلاقًا من كون التقارب بين البلدين الشقيقين حاليًا أفضل من أي وقت مضى على مر التاريخ، بعدما تم تجاوز الخلافات التي كانت بمثابة “شجار بين أفراد العائلة”.
إبراز الروابط الوثيقة بين دول مجلس التعاون الخليجي متمثلة في نفس النظام والنسيج الاجتماعي، والتطابق الكبير في الآراء السياسية (بنسبة 90%)، فضلًا عن مواجهة نفس المخاطر الأمنية، والتحديات والفرص الاقتصادية، وهو ما يجعل الجهود تتركز على تعزيز المصالح، وحل الاختلافات.
الحديث عن إيران بوصفها دولة جارة للأبد بالنسبة للسعودية، ولا يمكن لأي من البلدين “التخلص” من الآخر، لذا فإن الحل يكمن بالتعايش، مع الإشارة إلى انفتاح الرياض على مواصلة المحادثات مع طهران للوصول إلى موقف جيد يُشكّل مستقبلًا مُشرقًا للبلدين، وفي الوقت ذاته جاء التشديد على رفض امتلاك إيران قنبلة نووية، أو إبرام اتفاق نووي ضعيف، يُفضي إلى النتيجة ذاتها.
التأكيد على ضرورة قيام إسرائيل بحل مشاكلها مع الفلسطينيين أولًا قبل إقامة أي علاقات أو مصالح معها، ففي تلك الحالة ستكون حليفًا محتملًا.
ثالثًا: رسائل تتعلق بقضية التطرف والإرهاب
تسليط الضوء على تورط جماعة الإخوان المسلمين في صناعة التطرف، فهي بمثابة جسر يودي بالشخص إلى التطرف، ومن أمثلة هؤلاء زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري.
إبراز المسؤولية الضمنية للولايات المتحدة، عبر خوضها الحرب على العراق التي أعطت للمتطرفين فرصة سانحة.
رفض مصطلح “الإسلام المعتدل”؛ لما له من دلالة خاطئة تُوحي بتغيير الإسلام إلى شيءٍ جديد.
الإشارة إلى أن المتطرفين اختطفوا الدين الإسلامي وحرّفوه، بحسب مصالحهم، والمشكلة تكمُن في انعدام وجود من يجادلهم ويحاربهم بجدية.
كاريزما القائد المُلهم
لقد عكست ردود سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال تلك المقابلة المطولة، والتي تناولت محاور متعددة مجموعة من السمات التي يتحلى بها سموه، في مقدمتها شخصيته الكاريزمية، التي جعلته قائدًا مُلهِمًا، يتطلع إليه أبناء الوطن بثقة في حكمته وفخر بطموحه، ويمكن إلقاء الضوء على أبرز تلك السمات من خلال النقاط التالية:
الثقة والإصرار؛ برزت في حديث سموه، بأنه لا يوجد شخص على هذا الكوكب يمتلك القوة لإفشال مشروعه ومشروع السعودية “رؤية 2030″، وتأكيده أن المملكة لا تُقدِّم مشاريع منسوخة من أماكن أخرى، فهي مشاريع ذات طابع سعودي تضيف شيئًا جديدًا للعالم، ومن أمثلة ذلك مشروع العُلا الذي لا يوجد أي نموذج مثله على هذا الكوكب. ومشروع الدرعية، أكبر مشروع ثقافي في العالم.
الاعتزاز بالهوية السعودية؛ بأبعادها المتعددة الإسلامية والقبلية والعربية، إذ أكّد سموه أن روح السعودية تقوم على الإسلام، والثقافة، والقبيلة، والبلدة، وتخدم الدولة والشعب، والمنطقة والعالم أجمع.
الطموح المستمر نحو الأفضل؛ فقد أكد سمو ولي العهد في ثنايا حواره على تلك السمة، حينما استخدم مفردة “الركض” للتعبير عن السعي لبلوغ الأهداف، وكذلك حين تحدث عن “المواصلة في خلق المزيد من خطوط النهاية”، وهو ما يعني أن التطور والتنمية والطموح أمور ليس لها سقف لديه كقائد مُلهِم.
عمق الاطلاع؛ ظهر في أكثر من جانب خلال الحوار، ولعل منها إلمام سمو ولي العهد بتفاصيل تتعلق بالجوانب التاريخية لنشأة المملكة وطبيعة المجتمع، والأمور الشرعية، وبخاصة ما تطرق إليه التساؤل الخاص بالأحاديث النبوية الشريفة.
الواقعية السياسية؛ والتي ظهرت على سبيل المثال في الحديث عن إيران، حيث ارتكز إلى حقائق جيوسياسية مُتمثّلة في التجاور الجغرافي بين البلدين، مع رسم خطوط واضحة لعلاقة طبيعية تقوم على التعايش، وهي كلمة مُوجزة تُلخّص معاني عديدة، من أبرزها حُسن الجوار، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، مع استخدام سموه لهجة حاسمة بشأن رفض اتفاق نووي ضعيف يُفضي لامتلاك طهران قنبلة نووية.
الاعتماد على النفس، من ملامحه تأكيد سموه حرصه على تصفح مواقع التواصل كتويتر، وإنستغرام، وغيرهما، ومطالعة الصحف ووسائل الإعلام بنفسه، دون الاكتفاء بما يُقدّمه فريقه الإعلامي.
وختامًا، لقد حمل لقاء سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، مجموعة من الرسائل المتعددة التي يجمع بينها خيط ناظم عنوانه الإصرار والعزيمة والطموح، وهي القيم التي يسعى دائمًا إلى ترسيخها في نفوس أبناء الوطن عبر كافة لقاءاته وتصريحاته وإطلالاته، كما انطلقت الرسائل الموجهة إلى الخارج من خلال رؤية ثاقبة واقعية؛ لما تمتلكه المملكة من أدوات وإمكانات، وتقدير للمصلحة الوطنية، التي تعد الأساس الرئيس الذي تقوم عليه السياسة الخارجية السعودية.

زر الذهاب إلى الأعلى