تقارير

استقلالية السياسة النفطية السعودية

مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية أسبوعها الأول دون أي مؤشرات تلوح في الأفق على وقف الأعمال القتالية، وتوالي فرض عقوبات غربية على موسكو ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم، وتجاوز سعر برميل النفط 110 دولارات، رفض تحالف “أوبك بلس” الذي يضم 23 دولة منتجة للنفط وتقوده المملكة العربية السعودية وروسيا، ضغوطًا لزيادة الإنتاج، مشيرًا إلى أن التوقعات المستقبلية تشير إلى “سوق متوازنة”، ملقية باللوم في التقلبات الحالية على “التطورات الجيوسياسية”.

وأكد التحالف في بيان مواصلة البرنامج المتفق عليه في يوليو الماضي والذي نصّ على زيادة متواضعة في الإنتاج تبلغ 400 ألف برميل يوميًّا حتى شهر أبريل المقبل. واللافت أنه عقب الاجتماع الذي عقد عبر الهاتف، عادت الأسعار للارتفاع مرة أخرى، إذ اقترب سعر برميل خام برنت من 114 دولارًا، في أعلى مستوى منذ 2014. كما سجل سعر خام غرب تكساس الوسيط 112.50 دولار للبرميل، وهو أعلى مستوى في 10 سنوات.
استثناء الغرب لقطاع الطاقة الروسي من موجة العقوبات
في الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عن عقوبات تُركز بشكل أساسي على عزل روسيا عن النظام المالي العالمي، وإلحاق أضرار اقتصادية بالغة بها، لم تستهدف العقوبات الغربية – حتى الآن بشكل مباشر- صادرات النفط والغاز الروسية، رغم أن البيت الأبيض أبدى انفتاحًا على فرض عقوبات على قطاع الطاقة، بتأكيده أنها ما زالت مسألة “مطروحة على الطاولة”، فإن هذا التصريح في واقع الأمر لا يعدو أكثر من أداة للضغط على موسكو، فإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تريد تجنب هذا الخيار بسبب صعوبة استبدال جميع صادرات روسيا من النفط والغاز، ولأن ذلك سيرفع الأسعار ويعزز عائدات روسيا، وفقًا لمؤسسة “إنرجي إنتليجنس” العالمية.
لكن واشنطن مع تجنبها فرض عقوبات على النفط الروسي، وفي ظل ارتفاع الأسعار اتجهت إلى دفع الجهود والاتصالات الدبلوماسية للحصول على تعهدات بزيادة الإنتاج، لا سيما من المملكة العربية السعودية أكبر مُصدّر للنفط في العالم، بهدف خفض الأسعار، وهو مطلب متكرر سبق وأن تقدمت به في نوفمبر الماضي ورفضته الرياض.
وكان تحالف “أوبك بلس” (يضم 13 دولة عضوة في أوبك و10 غير أعضاء في المنظمة) قد أقر منذ أغسطس 2021 زيادة شهرية ثابتة في الإنتاج تبلغ 400 ألف برميل يوميًّا، وذلك بعد تخفيضات كبيرة نفذها خلال عام 2020 لتعويض الانخفاض الحاد في الطلب على النفط بسبب جائحة فيروس كورونا.
الرفض السعودي المتكرر لمطالب واشنطن بزيادة الإنتاج
يعكس الرفض السعودي المتكرر لمطالب واشنطن بزيادة الإنتاج استقلالية السياسة النفطية للمملكة، والتي ترتكز في المقام الأول على المصلحة الوطنية، ودورها القيادي كزعيمة مجموعة الدول المصدرة “أوبك”، وقراءة ناضجة واعية لحركة السوق، وتحليل رصين لتقلبات الأسعار وأسبابها.
وفي الحالة الراهنة تحديدًا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، يمكن القول بأن رفض السعودية زيادة الإنتاج يرجع إلى سببين رئيسيين، يتمثل الأول في تقدير دوائر صُنع القرار النفطي في المملكة، أن ارتفاع أسعار النفط ناجم عن عوامل جيوسياسية طارئة، وليس لأسباب تتعلق باختلالات العرض والطلب في السوق، كما أن هذا الارتفاع الحالي يحافظ على تدفق السيولة المالية.
ولعل ما يعزز من صحة هذا التقدير ما حدث فعليًّا عقب إعلان وكالة الطاقة الدولية والبيت الأبيض في الأول من مارس الجاري عن موافقة الولايات المتحدة وحلفائها على تحرير 60 مليون برميل من احتياطياتهم النفطية ما تسبب في قفزة في الأسعار، بدلاً من التهدئة المقصودة للسوق.
أما عن السبب الثاني فيتعلق برغبة المملكة في الحفاظ على تماسك تحالف “أوبك بلس”، فقرار زيادة الإنتاج في هذا التوقيت لن يكون بأي حال في مصلحة روسيا التي قد تنسحب من التحالف، وبالتالي يضعف تأثير “أوبك بلس” على السوق إلى حد كبير، كما ستضعف أيضًا جهود التحالف المتعلقة بالدفاع عن دور النفط في مزيج الطاقة العالمي مع انتقال العالم إلى مصادر طاقة منخفضة الكربون.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تعاون كل من السعودية وروسيا، تطور منذ انهيار أسعار النفط في عام 2014 – الذي كان من بين أسبابه الزيادات السريعة في الإنتاج في الولايات المتحدة المنافسة لكليهما -وهو ما دفع القوتين النفطيتين إلى التعاون لإدارة الإنتاج، فعلى الرغم من أن روسيا ليست من أعضاء أوبك، لكنها انضمت إلى تحالف “أوبك بلس” في عام 2016، ولم تخلُ تلك المسيرة من اختلافات بشأن حجم الإنتاج تجلت بوضوح في عام 2020 مع بداية وباء كورونا، ولكن سرعان ما تم التوصل لاتفاق يسري منذ ما يقرب من عامين حتى الآن.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن الارتفاع الراهن في أسعار النفط لا يعدو أن يكون سوى تذبذب طبيعي من منطلق حساسية أسواق النفط فيما يتعلق بأي أحداث سياسية خوفًا على انقطاع الإمدادات.
وختامًا، يبقى المحرك الأول والأخير للسياسة النفطية للمملكة العربية السعودية هو حرص المملكة على المصلحة الوطنية، واستقرار وتوازن أسواق البترول العالمية، والتزام المملكة بالاتفاقيات المُبرمة ضمن أُطر تشاورية مع الدول المنتجة للنفط.

زر الذهاب إلى الأعلى