دفعت الإمكانيات الاتصالية العديدة والمتنامية التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي، وزيادة استخدامها من قبل فئات متنوعة من الجماهير، لما تتمتع به من سهولة في الاستخدام ومرونة وتفاعلية، العديد من الشركات وأصحاب المنتجات إلى الحرص على الوجود عبر هذه المنصات من أجل الترويج لمنتجاتهم، واتجهت شركات التسويق إلى التعاون مع المؤثرين والمشاهير على تلك المواقع، مثل المدونين الذين لديهم آلاف المتابعين لحساباتهم، للعمل كسفراء للعلامات التجارية والترويج والانتشار لمنتجاتها وخدماتها، والتواصل والتفاعل مع الجمهور.
وكان ذلك بداية لظهور نمط التسويق المؤثر، أي الذي يتم عن طريق المؤثرين، وقد جمع هذا النمط بين اثنتين من أهم أدوات التسويق، وهما استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتسويق بالمحتوى، حيث ينشر المشاهير المحتوى من خلال حساباتهم الشخصية على المنصات الاجتماعية، ويعتمد هذا النمط من التسويق المؤثر على كاتبي المحتوى بشكل أساسي الذين يمتلكون أسلوبًا مشوقًا ومؤثرًا قادرًا على تحسين الوعي بالعلامة التجارية، لكن في بعض الأحيان نجد أن بعض المشاهير يلجؤون إلى أساليب وممارسات تسويقية تضليلية بهدف إقناع الجمهور بالمسارعة لشراء المنتج، أو طلب الحصول على الخدمة.
تأثير مصداقية المصدر على الجمهور
وقد طور قطاع من الباحثين والأكاديميين العديد من الأطر النظرية التي يتم من خلالها تقييم فاعلية الاستعانة بالمؤثرين والمشاهير في التسويق وإقناع الجمهور، وفي مقدمة تلك الأطر “نموذج مصداقية المصدر- Source credibility model”، الذي يقوم على أن الإعلان يهدف إلى تغيير سلوك المستهلكين من خلال عدة أساليب تتمثل في توفير المعلومات والبيانات، وتغيير رغبات المستهلك، وتغيير تفضيلاته للماركات التجارية المختلفة، ولا يمكن أن يحدث ذلك دون توافر مصداقية للمحتوى الإعلاني المُقدم، والذي يهدف بدوره إلى إقناع المستهلكين أو العملاء بالخدمة أو المنتج، وذلك في محاولة جادة لتغيير أو تعديل اتجاهاتهم نحو بعض المنتجات والعلامات التجارية.
ومن ثم تلعب مصداقية الإعلان دورًا مهمًا في إقناع الجمهور المستهدف بمنتجات شركة معينة وأسباب تفضيلها عن منافسيها، فالمصداقية تمثل العنصر الأهم في حدوث الإقناع والتأثيرات المطلوبة، كما أن مصداقية الإعلان سواء كان من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة أخرى تعتمد على مقدم الإعلان ومصداقيته وشهرته وقوة تأثيره في متابعيه وثقتهم فيه.
كما تعتمد فاعلية الرسالة على خبرة المصدر ومصداقيته، فالمصادر التي تتسم بالخبرة والثقة والمصداقية تكون أكثر إقناعًا، وتتعلق الثقة أيضًا بأمانة ونزاهة المؤثر لدى الجمهور المستهدف.
بالإضافة إلى ذلك، يفسر “نموذج إطار التأثير- Influence frame work model” القوة الديناميكية في عملية التسويق، ويسلط الضوء تحديدًا على محاولة المؤثر أو المشهور إقناع الشخص المستهدف (المستهلك) للمشاركة في عمل معين (شراء منتج أو الحصول على خدمة)، وتتكون هذه الديناميكية من 4 مراحل أساسية؛ وهي محاولة تأثير المؤثر، واستجابة الموقف المستهدف لممارسة التأثير، ورغبة المستهلك المستهدف في الاقتناع بما يعلن عنه المؤثر أو المشهور، والنتائج السلوكية المستهدفة.
ولذلك يستطيع المؤثر أو المشهور التحكم في المصادر- المحتوى على سبيل المثال- الخاصة بمحاولة تأثيره حتى يتكون لدى المستهلك اتجاهات إيجابية تجاه المنتج أو الخدمة المعلن عنها، وهنا تكمن الخطورة إذا ما انتهك هؤلاء المشاهير الضوابط الخاصة بالإعلانات وحقوق المستهلك، وقاموا بخداع وتضليل الجمهور بمنتجات وهمية، فالتأييد المضلل من قبل هؤلاء المشاهير ينتهك العديد من حقوق المستهلكين، مثل الحق في المعلومات والاختيار والحماية من السلع والخدمات غير الآمنة وكذلك من الممارسات التجارية غير العادلة، وذلك وفقًا لمجلة “Bonfring International Journal of Management Science” المتخصصة في الإدارة والتسويق.
أساليب وتكتيكات التضليل الإعلاني
ويلجأ المشاهير الذين يتورطون في مثل تلك الممارسات التسويقية غير القانونية إلى أساليب وتكتيكات خداعية، مثل الحديث عن مزايا في المنتج غير موجودة، وإغراء الجمهور بنتائج من الصعب تحقيقها، وصناعة دعم زائف عبر شراء إعجابات وتعليقات تُشيد بالمنتج.
وبوجه عام تختلف التكتيكات الترويجية بحسب طبيعة المنتج ومنصة التواصل الاجتماعي التي من خلالها سيقوم المؤثر أو المشهور بالترويج للمنتج، فعلى موقع إنستغرام المتخصص في نشر الصور، يكون الاستخدام الأمثل هو صورة للمؤثر مع المنتج تبرز فوائد استخدام المنتج أو المنافع التي تعود على المستهلك من استخدامه، أما على موقع فيسبوك يكون نشر نص ترويجي يدعم فيه المؤثر استخدام المنتج أو ينشر إعلانات له عبر صفحته الرسمية، وبالنسبة لموقع اليوتيوب يكون إما عن طريق بث إعلانات للمنتج على قناة المؤثر، أو وجود المنتج كخلفية في الفيديو، أو تنويهات قصيرة بشأن المنتج أثناء عرض الفيديو الخاص بالمؤثر أو المشهور.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن التحالفات المصلحية الراهنة بين الشركات والعلامات التجارية من جهة، والمؤثرين والمشاهير من جهة أخرى تمثل عامل خطورة يهدد الجمهور إذا لم يكن هناك تقيد بالضوابط الخاصة بالإعلان التي تراعي حقوق المستهلكين وتعطي الأولوية الأولى لسلامتهم، وترسخ للشفافية والإفصاح الكامل عن طبيعة المنتج ومكوناته واستخداماته، والتأكد من حصوله على موافقة الجهات المختصة.
من جهة أخرى، يبقى التأكيد على أن الشهرة ليست مقياسًا للتأثير في اتجاهات وسلوك الجماهير، فلا بد من التركيز على محتوى منشورات المؤثرين عندما تفكر الشركات في التعامل معهم، وكذلك أهمية توافق شخصية المؤثر أو المشهور مع شخصية العلامة التجارية وخصائصها.