تقارير

كتاب الكضية.. بلاغة الكاريكاتير السياسي

يُعد الكاريكاتير أكثر فنون التحرير الصحفي جذبًا للقراء بصرف النظر عن لغتهم أو ثقافتهم، إذ يمكن فهمه والتفاعل معه حتى لو كان دون تعليقات أو كلمات شارحة، فهو أقدر فنون التحرير الصحفي على إيصال الفكرة والحدث بطريقة سهلة مبسطة وأحيانًا فكاهية. ويسمو الهدف من الكاريكاتير في الصحافة على السخرية والإضحاك، فهو أرقى من ذلك، فتوفر السخرية لا يكفي لكي يكون الكاريكاتير ناجحًا، ولهذا لا بد أن يحتوي على بعض الشروط الأخرى، من بينها الموضوعية التي تعني أن يبحث الرسام الكاريكاتيري في المفارقات، ومن هنا نستنتج أن وظيفة الكاريكاتير تكمن في الإخبار والنقد والتحليل.
ويمكن تقسيم الكاريكاتير من خلال المضمون الذي يعالجه إلى عدة أنواع؛ مثل الكاريكاتير السياسي الساخر الذي يقدم صورة عن الحياة السياسية ومستجداتها، والكاريكاتير الكرتوني ويقوم على جانب كبير من الهزلية، وغايته إشاعة شيء من الفكاهة المبهجة، والكاريكاتير الاجتماعي وهو رسم ساخر يُعالج موضوعًا اجتماعيًّا، وأخيرًا الكاريكاتير الصحفي الذي لا يميز بين القضايا السياسية والاجتماعية، ولعل أهم خاصية تميزه عن النوع الأول، تقترن بكونه يؤدي دورًا إعلاميًّا لاقترانه بالمستجدات الإعلامية وأخبار الساعة.
ويتميز الكاريكاتير بالحرية والمرونة في معالجة الموضوعات، والقدرة على إيصال الفكرة للقارئ في لحظات بعكس المواد التحريرية الأخرى التي تحتاج وقتًا أطول، كما يتمتع بلغة اتصالية خاصة يفهمها الجميع. ويؤدي الكاريكاتير في الصحافة المطبوعة عدة وظائف، من بينها الوظيفة الخبرية، والوظيفة التربوية، والوظيفة المعلوماتية، والوظيفة الاتصالية.
وانطلاقًا من تلك الحقائق، والأدوار المهمة للكاريكاتير تأتي أهمية كتاب “الكضية” لرسام الكاريكاتير السعودي فهد الجبيري، الذي يتناول بنظرة ناقدة واقع القضية الفلسطينية عبر الكشف عن متاجرة بعض الفلسطينيين بالقضية من أجل مصالح شخصية والتكسب، واتخاذها خنجرًا لتصويب طعنات غادرة بحق دول وشعوب لطالما كانت المناصر والداعم الأول لحقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، بل لا نزايد إن قلنا إنها كانت الأحرص والأكثر انشغالًا بالقضية عن أطراف فلسطينية استنزفت الجهد في صراعات داخلية، أدت إلى دائرة مفرغة من الانقسام المرير.
وتمثلت الأهداف العامة لهذا الكتاب في الكشف عن حالات لغدر فلسطينيين بالعرب بشكل عام ودول الخليج والمملكة على نحو خاص، وإظهار حقيقة الأطراف التي تساند القضية الفلسطينية قولًا وعملًا، والأطراف الأخرى التي استغلت القضية لتحقيق مآرب لا تمت لها بصلة، فالقضية بالنسبة لتلك الشرذمة الضالة تتمثل في كل ما يُحقق مصالحهم الذاتية فقط، ويبرز الجبيري من خلال كتابه أيضًا التعامل والتعاون الوثيق والمستمر لبعض الفلسطينيين مع إسرائيل، بخلاف الصورة التي يسعون إلى تصديرها عن الالتزام بالممانعة، وما يسمونه بمحور المقاومة.
ومن خلال قراءة لرسوم الكاريكاتير التي يذخر بها هذا الكتاب، يمكن استنتاج أدوات يلجأ لها قطاع من الفلسطينيين، أولها التزييف بإلقاء الاتهامات، وتعمد تشويه بعض الدول العربية، مع إغفال متعمد وإنكار لتضحيات تلك الدول بالمال والدماء في سبيل الدفاع عن فلسطين، وهو ما يظهر عبر شاشات وسائل إعلام فلسطينية، وكذلك حسابات فلسطينية على منصات التواصل الاجتماعي تروج لأكاذيب حول الدول الخليجية والمملكة العربية السعودية.
وتتمثل الأداة الثانية في اللعب على وتر العاطفة الدينية، والقومية العربية، والمعاناة الإنسانية؛ من أجل جمع الأموال، سواء أكانت تبرعات خارجية من الشعوب العربية، أو الحصول على منح وهبات من الحكومات، وتتعرض تلك الأموال إلى النهب، وتذهب في مسارات غير التي خُصصت لها.
ويُعد ترديد الشعارات الحنجورية إحدى أدوات صناعة الحالة والجذب من أجل ترديد الكذب، وتثير تلك الشعارات ومنها ما يتطرق لتحرير القدس، والتنديد بالتوسع الاستيطاني تناقضات صارخة أمام واقع ينخرط فيه العمال الفلسطينيون في أنشطة بناء المستوطنات الإسرائيلية، وبينما تتم المطالبة بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية يقوم فلسطينيون بالاتجار مع إسرائيل، وكذلك في الوقت الذي يتم التنديد فيه بإقامة بعض الدول لعلاقات مع إسرائيل تنخرط كوادر جماعة الإخوان في فلسطين داخل مؤسسات الحكم الإسرائيلية، وهو ما يتضح في رئاسة العضو العربي بالكنيست منصور عباس للجنة الداخلية، وعضوية إيمان خطيب أول محجبة في الكنيست الإسرائيلي.
ومن بين الأدوات التي يكشفها الكتاب نشر الفوضى والاضطراب في الدول المضيفة لهم، مستشهدًا بوقائع من صفحات التاريخ، مثل أحداث أيلول الأسود في الأردن، والتورط الفلسطيني في الحرب الأهلية بلبنان، فضلًا عن استشهادات من الواقع الراهن، حيث مناصرة ميليشيات إرهابية في المنطقة مثل ميليشيا الحوثي اليمنية.
وتناول الكتاب على نحو أكثر تفصيلًا مسألة الحقد على دول الخليج والمملكة العربية السعودية، وهو ما استعرضه عبر إظهار تعمد تلك الشرذمة من الفلسطينيين الإساءة للمملكة والإشادة بأطراف إقليمية مناوئة لها، وذلك على الرغم مما بذلته – ولا تزال – المملكة من أجل القضية، من دعم مادي للسلطة الوطنية الفلسطينية، وإنشاء أحياء سكنية للشعب الفلسطيني، والدفاع عن القضية الفلسطينية في كافة المحافل الدولية؛ بما للمملكة من مكانة، وثقل عالمي.
وتأسيسًا على ما سبق، حملت الرسوم الكاريكاتيرية الواردة في كتاب “الكضية” مضامين متعددة، غلفتها طريقة هزلية تثير الطرافة لدى المتلقي، واعتمدت على الاستمالات العقلية بالدرجة الأولى للبرهنة والإقناع على ما تضمنته من رسائل. وعكست الرسوم قدرة على ربط الأحداث، والاستشهاد بوقائع تاريخية، كما كشفت بجلاء عن تفاصيل استراتيجية ماكرة يتم انتهاجها لتوزيع الأدوار ما بين التطاول والتآمر، والمدح والتباكي لاستدرار العطف والمال.

زر الذهاب إلى الأعلى