تقارير

تفاعل الصحف مع الجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعي

يتجه الجمهور بشكل متزايد إلى وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار، وبالتالي يستهلكون الأخبار ويشاركونها ويناقشونها عبر تلك المنصات، ولما كانت المؤسسات الإخبارية على دراية وإدراك بهذه الممارسة، فإنها تلجأ إلى تبني نماذج أعمال واستراتيجيات توزيع للاستفادة من هذا الاتجاه.

وتجدر الإشارة هنا إلى 4 أنماط للاستراتيجيات الاتصالية تتمثل في استراتيجية الإعلام؛ والتي من خلالها يتم تقديم معلومات إلى الجماهير لمساعدتهم في تكوين الرأي واتخاذ القرار. كما توجد استراتيجية الإقناع التي تسعى لخلق قاعدة للعلاقات الاستراتيجية مع الجماهير الأساسية للمؤسسة. وكذلك استراتيجية بناء الإجماع التي تجمع بين الاتصال في اتجاهين، والمضمون الاتصالي الذي يُعبّر عن رؤى المؤسسة. وتتمثل الاستراتيجية الرابعة في استراتيجية الحوار، حيث تجمع بين الاتصال في اتجاهين، ويحمل فيها المضمون الاتصالي دلالات تعكس وجهتي نظر المؤسسة والجمهور.
وفي هذا الإطار، ركزت دراسة بعنوان ” مقاربة لكيفية تفاعل وسائل الإعلام مع جمهورها على وسائل التواصل الاجتماعي”، نشرتها مجلة “Media and Communication” في عددها الصادر في يناير الجاري على كيفية مشاركة المؤسسات الإعلامية في جهود التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتوسيع نطاق وتأثير محتواها، من خلال التعامل مع الجماهير ليس فقط كمستهلكين للمحتوى الإعلامي، ولكن أيضًا كمشاركين يتفاعلون مع المحتوى عبر المشاركة والتعليق والتعبير عن المشاعر تجاهه.
واعتمدت الدراسة على “نظرية العلاقة- Relationship Theory” المستخدمة في “أبحاث العلاقات العامة- Public Relations Research” لفحص أربع استراتيجيات لتنمية علاقات المؤسسات الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي “الإفصاح-disclosure” و”الوصول- access” و”نشر المعلومات- information dissemination” و”المشاركة- engagement”.
عينة الدراسة
ولتحديد الاستراتيجيات وفحص طرق استخدامها، قامت الدراسة بتحليل 1807 مواد منشورة على موقعي تويتر (903 تغريدات) وفيسبوك (904 منشورات) من قبل 9 صحف هي الأكثر انتشارًا في الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة خلال شهر مارس 2021.
وتمثلت الصحف عينة الدراسة في “نيويورك تايمز”، و”نيويورك بوست”، و”يو إس إيه توداي”، “وول ستريت جورنال” (الولايات المتحدة)، و”الديلي تلغراف” و”مترو” (بريطانيا)، و”سيدني مورنينغ هيرالد”، و”ذا كورير ميل”، و”هيرالد صن” (أستراليا).
أولًا: استراتيجيات الصحف عينة الدراسة على فيسبوك
وجدت الدراسة أن الصحف عينة الدراسة استخدمت استراتيجية نشر المعلومات على فيسبوك أكثر من استراتيجيتي المشاركة والإفصاح، حيث جاء استخدامها لاستراتيجية نشر المعلومات بنسبة 96% من المنشورات، مع التركيز بشكل أساسي على نشر الأخبار والترويج لها دون التطلع إلى تفاعل مع المحتوى.
في المقابل، استخدم القليل من الصحف استراتيجية الإفصاح، حيث روجت 3 صحف للأخبار باسم أو صورة الصحفي المعني، فعلى سبيل المثال، عرضت “وول ستريت جورنال” و”ديلي تلغراف” أسماء الصحفيين الذين كتبوا الأخبار. كما استخدمت 3% فقط من منشورات الصحف استراتيجيات المشاركة عبر سؤال مفتوح في عنوان الأخبار أو جملة أولية في المنشور.
ثانيًا: استراتيجيات الصحف عينة الدراسة على تويتر
أظهرت 80% من تغريدات الصحف عينة الدراسة دليلًا على استخدامها لاستراتيجية نشر المعلومات، و8% لاستراتيجية الإفصاح، و12% لاستراتيجية المشاركة، وهي نسبة أكبر من فيسبوك (3%)، يرجع ذلك لأن تويتر يُمكن الصحف من أن تكون أكثر تفاعلاً من خلال إعادة التغريد وعمل “تاغ- Tag”.
وقد خلصت الدراسة إلى أن السبب وراء استخدام الغالبية العظمى من تغريدات الصحف عينة الدراسة لاستراتيجية نشر المعلومات أنها تتبنى تواصلا أحادي الاتجاه مع الجماهير.
النتائج العامة للدراسة
تظهر نتائج الدراسة أن الصحف لا تستخدم طرقًا جذابة في فيسبوك وتويتر لتفعيل العلاقات مع جمهورها والحفاظ عليها، فهي تستخدم بشكل أساسي استراتيجية نشر المعلومات، بينما لعبت استراتيجيات المشاركة والإفصاح دورًا داعمًا فقط في ترسيخ العلاقات التنظيمية مع جماهيرها.
أما استراتيجية الوصول كانت شبه معدومة، فالصحف ليست مهتمة بأن يكون متاحًا الوصول إليها بقدر الإمكان، ولم تحتو معظم منشوراتها على أي ميزات جذابة، فضلًا عن أن عددًا قليلًا من الصحف طلب من الجمهور نشر الصور أو شجع المتابعين على المشاركة في المناقشة.
وعلى الرغم من أن فيسبوك وتويتر يسهمان في إتاحة فرصة لتفاعل جمهور وسائل الإعلام، وبالتالي يشجعان على توثيق العلاقات، فإن الصحف عينة الدراسة فضلت التواصل أحادي الاتجاه مع جماهيرها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ويشير ذلك إلى رضا إدارة الصحف والصحفيين عن نموذج الاتصال عبر وسائل التواصل الاجتماعي الذي يوزعون فيه باستمرار عناوين الأخبار (مع روابط إحالة للقصص الكاملة على مواقعهم الإخبارية) عبر حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، ويعتمدون على جماهيرهم لتمرير هذه الأخبار إلى شبكاتهم الاجتماعية، وبالتالي المساهمة في بلوغ المزيد من استهلاك الجمهور، وتحقيق أهداف التسويق الإخباري.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن الطريقة التي تدعم بها محركات البحث مثل جوجل وشركات التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر وسائل الإعلام أو تكممها، تُعتبر قضية تحظى باهتمام متزايد من جانب المؤسسات الإعلامية، فهذه الشركات بصفتها أطرافًا ثالثة تتوسط وتسهل وتملي أحيانًا العلاقة الاقتصادية بين وسائل الإعلام وجماهيرها، تطرح فرصًا وتحديات لوسائل الإعلام المختلفة. فعلى سبيل المثال، تساعد منصات التواصل الاجتماعي المنافذ الإخبارية على نشر أخبارها لجمهور أوسع، وبالتالي الحصول على تمويل عبر المزيد من عائدات الإعلانات والاشتراكات الرقمية.
ومع ذلك، فإن التحدي يكمن في أن الروابط الوثيقة بين المؤسسات الإعلامية ومنصات التواصل، تجعل المنافذ الإخبارية أكثر اعتمادًا على هذه المنصات بالنسبة لحركة مرور الجمهور، الأمر الذي يقيد استقلالية وسائل الإعلام وسياساتها التحريرية وأدوارها المجتمعية، لا سيما كحارس البوابة الأساسي في المجتمع؛ وفقًا لنظريات الإعلام الكلاسيكية.
لكن الواقع في العصر الرقمي يشير إلى أن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الخوارزمية تفرض قيودًا على من يرى ويستهلك الأخبار، مما يعني أن شركات التكنولوجيا المالكة لهذه المنصات تُمارس قدرًا كبيرًا من السيطرة على علاقات المنافذ الإخبارية مع جمهورها، أو بعبارة أخرى أصبحت المنصات تعمل كـ”حراس خوارزميات” لاهتمامات الجمهور، فبات في يد منصات التواصل الاجتماعي السلطة اللازمة للترويج أو الحذف أو المنع لأنواع مختلفة من القصص الإخبارية.

زر الذهاب إلى الأعلى