تقارير

كيف تؤثر ميتافيرس على صناعة الإعلام وعالم التسويق؟

في نهاية يوليو الماضي 2021، أعلن مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك أن الهدف الأكبر من كافة مبادرات عملاق التواصل الاجتماعي “فيسبوك” في المستقبل سيكون التحول من مجرد شركة للتواصل الاجتماعي إلى عالم جديد من “ميتافيرس”؛ وهو مجموعة فضاءات افتراضية تمكن الفرد من التفاعل مع أشخاص آخرين من أماكن مادية بعيدة”.

ومن المتوقع أن تحتدم المنافسة خلال الأعوام الخمسة القادمة بين الخمسة لاعبين الكبار” فيسبوك، أمازون، مايكروسوفت، آبل، جوجل”، مما سيحدث ثورة كبيرة في صناعة الإعلام والترفيه، وبخاصة في الاعتماد على تقنيات أكثر تطورًا من تقنيات صحافة الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا الإطار، نشرت مؤسسة صحافة الذكاء الاصطناعي للبحث والاستشراف دراسة للدكتور محمد عبد الظاهر الخبير في صحافة الذكاء الاصطناعي، بعنوان “صحافة الجيل السابع وما هو أبعد من إعلام الميتافيرس”، وهي دراسة استطلاعية استشرافية تتمحور حول كيفية تأثير ميتافيرس على صناعة الإعلام، وكيف يمكن أن تغير العديد من الأدوات والتقنيات في عالم التسويق.
الفرق بين محتوى إعلام الميتافيرس وصحافة الجيل السابع
نوهت الدراسة إلى فروق رئيسية بين محتوى إعلام الميتافيرس وصحافة الجيل السابع، موضحة أن محتوى إعلام الميتافيرس لا يزال يعتمد على الإدارة التقليدية للمؤسسات الإعلامية ذات السلطة الواحدة التي تقودها دولة أو مؤسسة أو شركة بعينها، كما أنه يصنع عوالم افتراضية تحاكي الواقع، ويعتمد على طريقة الاتصال عبر نماذج الاتصال التقليدية التي يسيطر عليها المرسل بصورة رئيسية، مع استمرار شكل العناصر الاتصالية كالمحتوى والجمهور وردود الأفعال تمامًا مثل الإعلام التقليدي.
أما صحافة الجيل السابع، فهي تعتمد على الإدارة الديناميكية الفردية أو المؤسسية في إدارة المؤسسات الإعلامية دون التقيد بسلطات من قبل دولة أو مؤسسات عملاقة.
بالإضافة إلى أنها تصنع وتعكس عوالم حقيقية أكثر انتشارًا، وأكثر تأثرًا بمشاركات الأفراد في صناعة المحتوى الحقيقي ونقله عبر الشرائح الذكية، واستشراف أحداث حقيقية وصناعة الخبر قبل حدوثه، كما تعتمد كليًّا على نموذج الاتصال التفاعلي الدائري، حيث يعتمد النموذج على طريقة دائرية تفاعلية متبادلة ومستمرة حول الرسالة (المحتوى(، يقوم فيها كل عنصر من عناصر عملية الاتصال – ما عدا الرسالة – بمهام العناصر الأخرى على حد سواء في نقل الرسالة للجمهور المستهدف، حيث تكون الرسالة هي محور العملية الاتصالية، وتمر عملية الاتصال في نظام تفاعلي يضمن لجميع العناصر القيام بكل الأدوار.
ميتافيرس وصناعة التسويق
تشير الدراسة إلى أن ظهور عالم ميتافيرس كما أعلن عنه مارك زوكربيرغ، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة ميتا، سوف يساهم بلا شك في نقل صناعة التسويق والإعلان إلى مرحلة جديدة تعتمد كليًّا على الأدوات والحلول الأسرع والأكثر وصولًا للجمهور، وتعتمد على التفاعل المستمر للمنتجات والخدمات المقدمة.
ومن المتوقع أن تسجل سوق الميتافيرس العالمي معدل نمو سنوي قدره 41.7% خلال فترة التنبؤ 2021-2030، وذلك نظرًا للتركيز المتزايد على تقارب العوالم الرقمية والمادية باستخدام الإنترنت والطلب المتزايد على الميتافيرس لشراء الأصول الرقمية باستخدام العملات المشفرة، ومع ذلك، فإن التهديدات الإلكترونية تشكل عائقًا لنمو السوق.
وهناك العديد من الأسباب التي تجعل المسوقين يتهافتون على ميتافيرس، حيث إنه وسيلة جديدة وسريعة، تسمح باستهداف الجماهير بطريقة جديدة. وفي المقابل، فإن القيمة طويلة المدى للتسويق في ميتافيرس تظل لغًزا، ففي حين أن الاندفاع القوي نحوه قادته فئات معينة من العلامات التجارية التي تصلح بشكل طبيعي للسلع والأحداث الافتراضية، فإن البعض الآخر من السلع يصعب إثبات قيمته افتراضيًّا.
وتعد تقنيات ميتافيرس إحدى أهم أدوات التسويق الروبوتي، الذي يشير إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الوصول للجمهور المستهدف، وأتمتة المحتوى الإعلاني، وتوقع السلوك الاستهلاكي لشرائح معينة من الجماهير.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مستقبل التسويق الروبوتي يعتمد على الطريقة التي سوف تستخدم بها التقنيات الحديثة المصاحبة لصحافة الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن نرى قريبًا شركات التسويق العملاقة تعتمد كليًّا على أدوات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوت والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتحليل الأبعاد، وتحليل البيانات الضخمة في مجال التسويق، وكيفية وصول المحتوى الإعلاني للجمهور.
تحديات تواجه مستقبل ميتافيرس
رصدت الدراسة مجموعة من التحديات التكنولوجية والتنظيمية التي تواجه مستقبل ميتافيرس، وتتمثل فيما يلي:
التحديات التكنولوجية ويأتي على رأسها السرعة المتباينة في الإنترنت حول العالم، فهناك دول بدأت تجاربها على شبكات الجيل الخامس، وأخرى تعمل بالجيل الرابع، والعديد من الدول حول العالم لا تزال عالقة في شبكات الجيل الثالث، مما يجعل التمتع بأي تقنيات جديدة توفرها ميتافيرس رهن توافر إنترنت سريع وعلى مدار الساعة، وهو تحد كبير أمام نجاح تلك التقنيات على نطاق عالمي واسع.
ومن بين التحديات أيضًا زيادة الفجوة بين الدول النامية والمتقدمة في الاعتماد على مثل تلك التقنيات، حيث تتطلب ميتافيرس تقنيات تكنولوجية وأدوات متطورة، قد تكون بعيدة تمامًا عن العديد من الدول الفقيرة.
وكذلك خصوصية الأفراد، ففي عالم ميتافيرس يحتاج كل مستخدم إلى اتصال يمكن التعرف عليه بشكل فريد (مشابه لعنوان IP) وهذا يعني أنه يمكن استخدام سماعة الرأس لتتبع الأشخاص وتحديد أماكنهم رغمًا عنهم.
ويشكل تعزيز الثقة بين ميتافيرس والشركات المنافسة تحديًا على قدر كبير من الأهمية، حيث يتعين على ميتافيرس ضمان ثقة اللاعبين الرئيسيين في عالم التسويق والألعاب الرقمية، وضمان تدفق الإيرادات والوصول إلى الجمهور.
أما عن التحديات التنظيمية فتتمثل في بُعدين الأول هو القواعد المهنية والأخلاقية، فيما يتعلق بنشر المحتوى وحقوق الملكية الفكرية، والقواعد المهنية الضابطة لمثل تلك التقنيات، واختراق خصوصيات الآخرين، وهنا يثار تساؤل كيف يمكن وضع ضوابط حول نوعية الجمهور المتفاعل داخل المحيط الاجتماعي، أو العملاء داخل المحلات التجارية، أو التجارة غير القانونية في عالم ميتافيرس؟ وكيف يمكن تطبيق القوانين ضد الانتهاكات الأخلاقية بين الأفراد في ظل اختلاف قوانين الدول وفي ظل عدم التعرف بصورة كاملة على هوية المستخدمين؟ وحتى لو تم التعرف عليهم فوفقًا لأي قانون يمكن التعامل معهم.
ويتعلق البُعد الثاني بقضية حارس البوابة الرقمية، حيث التحديات التي تصطدم فيها ميتافيرس مع سلطة الدول والحكومات، فكم عانت العديد من الدول من حجم المعلومات الزائفة التي كانت تتداول عبر فيسبوك سابقا، واضطرت العديد من الحكومات لمراقبة فيسبوك، أو الحجب، أو تحريك دعاوى قضائية ضد الشركة، وسوف تواجه ميتافيرس نفس التحديات إن لم تجد آلية معينة للسيطرة على الانتهاكات أو المحتوى الزائف ضد بعض الحكومات والمنظمات الدولية.
نتائج الدراسة
وتناولت الدراسة استطلاع آراء عينة من خبراء التسويق (15 مقابلة متعمقة) من عدة شركات عالمية ومحلية في دولة الإمارات، ومن خلال مكاتبهم الإقليمية في منطقة الخليج، حول مدى استخدامهم لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وميتافيرس في صناعة المحتوى التسويقي، ومدى وعيهم بأهمية تلك التقنيات، وأهم التحديات التي تواجه ميتافيرس في المستقبل.
وأظهرت النتائج أن 85% من عينة الدراسة لم يقوموا بتجربة ميتافيرس في صناعة أي محتوى خاص بالسلع أو الخدمات، أو على الأقل تجربة الاستخدام، وذلك لعدة أسباب وهي:
عدم اعتماد تلك الأدوات حتى الآن في الشركات أو المؤسسات التي يعملون فيها.
اعتبار البعض أن ميتافيرس ليس ذات أهمية في الوصول إلى الجمهور المستهدف أو التأثير عليه لعدم انتشار تلك التقنيات بصورة كبيرة حاليًا.
لا يمكن الاعتماد عليها بصورة كبيرة أو يومية في التسويق للمحتوى عن الخدمات أو السلع المختلفة.
اعتقادهم أن تلك التقنيات يمكن فقط استعمالها في الألعاب أو الترويج للمتاحف والأماكن السياحية فقط.
الاعتقاد بأن ميتافيرس إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، والترويج عبر تلك الوسائل لا يحتاج لكل الجهد والتكاليف المادية المعلنة.
ووفقًا للدراسة فإن 15% الباقية من العينة موزعة ما بين: 5% فقط استخدموا ميتافيرس كتجربة أو تدريب عملي عبر تقنيات الواقع الافتراضي أو المعزز، وعلى نطاق ضيق للترويج لبعض السلع مثل الساعات، أو المناطق السياحية. أما الـ10% فقد مارسوا العمل كتدريب فردي فقط للتعرف على أهم استخدامات ميتافيرس في التسويق بوجه عام، دون الاستخدام الفعلي.
وبالنسبة لأهم المميزات التي يمكن أن توفرها ميتافيرس للمسوقين، وفقًا لتحليل إجابات عينة الدراسة التحليلية، فجاءت كما يلي:
توفير بيئة افتراضية تشبه مكان العمل أو المتجر، أو السوق المحلية.
قياس ردود أفعال الجمهور بصورة طبيعية على السلع أو الخدمات المقدمة دون لقائهم وجهًا لوجه.
تعد وسيلة أكثر تطورًا وفاعلية لعرض بعض السلع أو الخدمات في ظل تفشي جائحة كوفيد-19، وسوف توفر بيئة إبداعية للتسويق.
وتشير الدراسة إلى أن أسباب عزوف البعض عن الخوض في تلك التجربة تتمثل في ما يلي:
اعتبارها عالمًا خياليًّا لا يمت للواقع بصلة، ولا يزال أمامه سنوات حتى يمكن استخدامه من قبل الجمهور.
الحاجة إلى مهارات معينة، وتدريب على تقنيات وأدوات غير متاحة في الوقت الراهن.
اعتبار طرق التسويق المباشرة والاعتماد الأقل على الآلات والحلول التكنولوجية أكثر فاعلية من وجهة نظرهم، وخاصة في مجال العقارات أو بيع الأراضي.
وتأسيسًا على ما سبق، خلصت الدراسة إلى أن عالم الميتافيرس قد يخلق محتوى جديدًا، ولكنه يفقد فرص انتشاره بصورة أكبر في ظل عدم توافر العديد من التقنيات من ناحية، وعدم وعي العديد من صُناع المحتوى الإعلاني والتسويقي بطبيعة تلك الأدوات الجديدة.
ويعتمد نجاح تجربة ميتافيرس على معالجة التحديات والمشكلات التي قد تطرأ كانتهاك خصوصيات الأفراد أو المؤسسات، علاوة على ضمان وجود دليل أخلاقي ومواثيق ضابطة لضمان عدم تعارض عالم ميتافيرس مع قوانين الدول أو ثقافة المجتمعات المحلية، وأخيرًا ضرورة سد الفجوة التقنية بين الدول النامية والمتقدمة لضمان انتشار تلك التجربة ونجاحها.

زر الذهاب إلى الأعلى