بعد فترة وجيزة من تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن مهام منصبه، تحرك لاتخاذ عدد من القرارات التي اعتقد أنها ستسهم في إنهاء الحرب في اليمن من بينها تعيين مبعوث خاص لتنشيط الجهود الدبلوماسية لتسوية الأزمة، ورفع تصنيف الولايات المتحدة لميليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية في خطوة كان مبررها مخاوف من عرقلة التصنيف لعملية إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في مناطق سيطرة الحوثيين.
لكن لم يمض وقت طويل – يزيد قليلاً على أسبوعين- حتى قررت إدارته فرض عقوبات على قادة حوثيين، في ظل مواصلة الميليشيا المدعومة من إيران هجومها على مدينة مأرب الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية الشرعية، وتكثيف الميليشيا لهجماتها الإرهابية بالصواريخ والطائرات المسيرة على المدنيين والمنشآت المدنية في المملكة العربية السعودية، لتؤكد تلك التطورات حقيقة مفادها أن هناك قصورًا في طريقة تعاطي بايدن وإدارته مع الأزمة اليمنية، وأن خطوة إلغاء قرار سلفه الرئيس دونالد ترامب تصنيف الحوثي جماعة إرهابية، كانت خاطئة تمامًا.
العقوبات الأمريكية على القيادات الحوثية.. وضرورة منع إيران من تسليح الميليشيات
في الثاني من الشهر الجاري، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن عقوبات جديدة تستهدف رئيس أركان القوات البحرية في الميليشيا الحوثية منصور السعدي وقائد القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي اليمنية المتحالفة مع الحوثيين أحمد علي أحسن الحمزي، على خلفية مسؤولية السعدي عن هجمات مميتة تستهدف الشحن الدولي في البحر الأحمر، وإشراف الحمزي على برنامج الطائرات المسيرة للحوثيين الذي يستهدف المملكة العربية السعودية، فضلاً عن تلقي القياديان تدريبات في إيران، وضلوعهما في عمليات تهريب أسلحة إيرانية إلى اليمن.
وقد رافق ذلك الإعلان تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أدان فيها إيران بسبب تأجيج نيران الصراع والتهديد بمزيد من التصعيد وعدم الاستقرار الإقليمي من خلال تزويد الحوثيين بالأسلحة وتدريبهم ودعمهم لشن هجمات ضد أهداف مدنية في اليمن والسعودية، علما بأنه قبل أسبوعين فقط كان قد أعلن رفع تصنيف ميليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية، الأمر الذي وضع الإدارة الجديدة في مرمى انتقادات لاذعة، حيث اتهم مسؤولون سابقون في إدارة الرئيس ترامب الإدارة الحالية بتخفيف الضغط على الحوثيين حتى وهم ينشطون في ساحة القتال، بحسب شبكة “إيه بي سي نيوز” الأمريكية.
كما أكد العديد من المراقبين أن رفع صفة الإرهاب عن الحوثيين دون الحصول على أي تنازلات منهم مثّل خطأً فادحًا، وكان بمثابة هدية للحوثيين، لأن تلك الميليشيا ومن خلفها إيران لا تجدي سياسة الاسترضاء نفعًا معها، فالطريقة الوحيدة التي تجبرها على تغيير سلوكها هي الضغوط والعقوبات ولا شيء غير ذلك.
وفي ذات الإطار، تضمنت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي إشادة بالحكومتين السعودية واليمنية، قائلا إن المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ ذكر أن كلاهما ملتزم وحريص على إيجاد حل للصراع.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحرص الذي تبديه المملكة وكذلك حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي على التسوية السياسية، لا يقابله أدنى التزام من جانب ميليشيا الحوثي التي تشعر بأريحية وتحرر من كافة الضغوط، ما جعلها تتجه للتصعيد.
وتشير مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية إلى أن الحديث عن السلام لن يجلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات، فما داموا استمروا في التزود بالأسلحة من طهران سيواصلون القتال ورفض التفاوض، الأمر الذي يستوجب بذل جهد أكثر جدية لاعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية، كونه سيضع ضغوطًا أكبر على الحوثيين.
ويقترح برادلي بومان، مدير مركز القوة السياسية والعسكرية التابع لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (مركز بحثي مقره واشنطن) استراتيجية لتشديد الضغط على الحوثيين تتضمن نشر وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” موارد عسكرية كافية في المنطقة وتزويد القادة بتعليمات واضحة لإعطاء الأولوية لجهود منع وصول تلك الأسلحة، بجانب مطالبة الكونجرس الأمريكي لإدارة بايدن بالمزيد من الخطوات الفاعلة على هذا المسار، عبر بذل جهد دولي حقيقي بقيادة واشنطن للحد من تدفق الأسلحة الإيرانية إلى اليمن، لأن مثل هذا النهج من شأنه أن يخدم المصالح الأمنية الإقليمية ويخلق أفضل فرصة لإنهاء الصراع الذي أدى إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
معركة مأرب ترسخ حتمية التحرك العسكري ضد الحوثيين لدفعهم للتفاوض
لقد رد الحوثيون على سياسة بايدن المتراخية من خلال شن هجمات إرهابية شبه يومية بطائرات مفخخة دون طيار تستهدف المملكة العربية السعودية، وقاموا أيضًا بتوسيع نطاق هجماتهم على مدينة مأرب، آخر معقل للحكومة اليمنية الشرعية في شمال اليمن، وتضخم عدد سكان المحافظة الغنية بالنفط خلال الحرب ليتجاوز مليوني نسمة من بينهم حوالي 850 ألف نازح، وتحذر منظمات الإغاثة من أنه لن يكون هناك مكان آمن يلجأ إليه هؤلاء إذا نجح الحوثيون في الاستيلاء على مأرب.
وبينما دعت كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة إلى وقف تلك الحملة العسكرية، تواصل ميليشيات الحوثي زحفها من أجل السيطرة على المراكز السكانية المتبقية في اليمن قبل أي مفاوضات، ويعكس ذلك رغبة في تحسين موقفهم التفاوضي من خلال استغلال تلك السيطرة كورقة للمساومة على طاولة المفاوضات.
وكان منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارك لوكوك، قد دق ناقوس الخطر في وقت سابق بتأكيده أن الهجوم على مأرب سيجبر مئات الآلاف من المدنيين على الفرار مع عواقب إنسانية لا يمكن تصورها. كما طالب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث بوقف هجوم الحوثيين على مأرب، محذرًا من أن السعي لتحقيق مكاسب إقليمية بالقوة يهدد كل آفاق عملية السلام.
وتتمتع مأرب بأهمية استراتيجية فهي تقع على بعد 75 ميلاً فقط شرق العاصمة صنعاء، وهي مدينة غنية بالنفط، في وقت لا تخضع لسيطرة الحوثيين أي منطقة نفطية، بحسب مركز كارنيغي. كما أنها حال سقوطها في يد الحوثيين، سيكون الطريق ممهدًا أمام الميليشيا نحو محافظات جنوبية مثل شبوة وحضرموت.
كما تستضيف مأرب ما يقرب من مليون شخص نزحوا من مناطق يمنية أخرى بسبب القتال، خاصة تلك المناطق القبلية التي خاضت معارك مسلحة ضد الحوثيين مثل حجور والجوف. وتخوض قبائل مأرب حاليا معارك عنيفة في مواجهة الميليشيا الإرهابية، لدحر تقدمهم وإنقاذ المدينة من الفوضى التي ستؤول إليها إذا سيطر عليها الحوثيون، لتعاني من وطأة الحكم القمعي شأن باقي المدن الخاضعة لسيطرة الميليشيا والتي تعمل على إنزال أقسى العقوبات على القبائل التي لا تؤيدها والتنكيل بها وتهجير أبنائها، وفرض عزلة اجتماعية عليها.
وترى ندوى الدوسري الباحثة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنع مأرب من الوقوع في أيدي الحوثيين، هو عملية عسكرية كبيرة يتم التخطيط لها وتنفيذها جيدًا، مشيرة إلى أن الحوثيين لا يستمعون لنداءات التهدئة وليسوا على استعداد للتخفيف من حدة التصعيد، لذا لا بد أن يكون هناك عمل عسكري لإضعاف الحوثيين وإجبارهم على الجلوس على طاولة المفاوضات بحسن نية، وفقًا لموقع “ذا ورلد” الأمريكي المتخصص في الشؤون الدولية.
الدعم السعودي السخي لجهود الإغاثة في اليمن
في غضون ذلك، تستمر معاناة الشعب اليمني نتيجة لممارسات الحوثيين حيث يموت اليمنيون بسبب ندرة الغذاء والماء والأدوية، فضلاً عن استخدام الميليشيا المدعومة من طهران المدنيين كدروع بشرية في الحرب.
كما يأتي الهجوم على مأرب في الوقت الذي تحذر فيه وكالات الأمم المتحدة من تفاقم أزمة الجوع في جميع أنحاء اليمن بسبب نقص التمويل، حيث يتعرض ما يصل إلى 400 ألف طفل يمني دون سن الخامسة لخطر الموت بسبب سوء التغذية الحاد، وفقًا لموقع “المونيتور” الأمريكي.
وقد عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن خيبة أمله مؤخرًا لإخفاق المؤتمر الدولي للدول والجهات المانحة من أجل جمع التبرعات للاستجابة للأزمة الإنسانية في اليمن، في جمع 3,85 مليار دولار مطلوبة لدعم 16 مليونًا من اليمنيين المهددين بالمجاعة، إذ تمكن المؤتمر من جمع 1,7 مليار دولار فقط.
واللافت هنا أن المملكة العربية السعودية هي المساهم الأكبر في تلك التبرعات، حيث تعهدت تقديم 430 مليون دولار وبفارق كبير عن أكثر من 100 مشارك من الحكومات والمنظمات الدولية والجهات المانحة، لتقدم المملكة نموذجًا رائدًا يحتذى بإسهاماتها وأدوارها المحورية والاستراتيجية على الصعيدين الإنساني والعسكري الداعم للشرعية في اليمن، كما يواصل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية تنفيذ العمليات الإنسانية، وتقديم الدعم الإغاثي والإنساني الطارئ في محافظات اليمن، بما يعكس جهود المملكة في الوقوف إلى جانب الأشقاء في اليمن.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن كل المؤشرات الراهنة تدل على أنه لا توجد تسوية سياسية للنزاع اليمني تلوح في الأفق، فنهج الإدارة الأمريكية الخاطئ والتصعيد العسكري لميليشيا الحوثي الإرهابية يجعل النتيجة الأكثر ترجيحًا أن الحرب لن تنحسر بل ستنزلق اليمن إلى هاوية المجاعة في ظل تنافس قيادات ميليشيا الحوثي للسيطرة على المساعدات الإنسانية ونهبها.
لقد ارتكب الحوثيون، وما زالوا، أعمالًا إرهابية، ولم يظهروا أي دليل على وجود إرادة للتحرك نحو الحل السياسي، لذلك يجب على إدارة بايدن أن تعيد التفكير في مقاربتها تجاه الأزمة، وإدراك أهمية الضغوط على الحوثيين، وأن ذلك هو السبيل الوحيد لإنقاذ الشعب اليمني من ويلات الحرب والنزوح والجوع.