لطالما كانت استطلاعات الرأي وسيلةً فعّالةً تستخدمها العلامات التجارية ووسائل الإعلام؛ للتواصل مع المستهلِكين والجماهير، لكنّ الطريقة التي يشارك بها الأفراد تقليديًّا في هذه الآلية تطورت على مر السنين، خاصَّةً مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي نقلت الاستطلاعات إلى مرحلة جديدة.
وتُمثِّل استطلاعات الرأي عبر مواقع التواصل الاجتماعي حاليًا واحدةً من أهم الأدوات التي تستخدم في عملية التسويق الرقمي التفاعلي، فهي تُعدُّ أفضل طريقة مُمكنة لفهم توقعات العملاء الحاليين أو المحتملين من الشركات بشأن ما تقدمه من منتجات وخدمات، فضلًا عن معرفة تصوراتهم حول المنتجات المستقبلية المُخطط لها.
ويُمكِّن ذلك النمط من الاستطلاعات من الوصول عادةً إلى شريحة أكبر من الجماهير مقارنة بالاستطلاعات التقليدية، كما أنّ الاستطلاعات عبر منصات التواصل الاجتماعي تتسم بالبساطة؛ لذا على الأغلب لا يتجنبها المستخدمون.
استطلاعاتُ الرأي التفاعلية أحدثُ حلقات تطور التسويق الرقمي
لقد ظهر مصطلح التسويق الرقمي في وقت مبكر من تسعينيات القرن الماضي؛ لوصف الأنشطة الإلكترونية عبر الإنترنت المتعلقة بتسويق الأعمال التجارية.
وبحسب موقع Dictionary Business المتخصص في المفاهيم التجارية، يقصد بالتسويق الرقمي استخدام الوسائط الإلكترونية – سواء اللوحات الإعلانية الرقمية أو شبكات التلفزة أو الإذاعات الرقمية – في الترويج للمنتجات أو العلامات التجارية.
وعلى هذا الأساس فإن التسويق الرقمي يشمل أي وسيلة إلكترونية لتسويق الأعمال التجارية، ما دام أن المحتوى، سواء كان صورةً أو نصًّا أو صوتًا أو فيديو، يمكن نقله عبر الإنترنت أو شبكات الكمبيوتر، علمًا بأنّ كثيرين يحصرون التسويق الرقمي بشكل أساسي في استخدام الوسائط الاجتماعية للوصول إلى المستهلكين.
ويشير موقع “crackerjackscribe” المُتخصِّص في التسويق الرقمي، إلى أنّ استراتيجية التسويق الرقمي الفعّالة الشاملة تتضمن أكثر بكثير من وسائل التواصل الاجتماعي، وتحسين محركات البحث والمدونات، ولذلك يتطلب الحصول على خطة تسويق شاملة عبر الإنترنت، التفكير في جميع الأدوات والوسائط الرقمية المتاحة.
وعلى صعيد مواقع التواصل الاجتماعي، لم تعد صيغة الإعلان والصور أو مقاطع الفيديو الجذّابة ضمانًا لإشراك الجمهور المُستهدَف في ظل سوق الإعلانات الاجتماعية المشبع للغاية، لذلك أصبح الحل لكسر هذا الجمود هو اللجوء إلى محتوى تفاعلي يجذب المستخدمين ويُولّد حالةً من التفاعل، وهو ما يتمثل في “إعلانات استطلاع الرأي التفاعلية- interactive poll ads”، التي تسمح للجمهور بتحديد خيار ما، والمشاركة بنشاط مما يجعلهم يشعرون كما لو أن مدخلاتهم مهمة ومطلوبة.
فوائدُ وتكتيكاتُ استطلاعات الرأي في مجال التسويق الرقمي
وبوجه عام تتمثل فوائد استطلاع الرأي في التسويق الرقمي في زيادة تصفح الموقع الإلكتروني، وعرض كتالوج المنتجات، وإجراء الاختبارات، وزيادة المشاركة، بجانب إظهار المسؤولية الاجتماعية، وإجراء بحوث العملاء، وتثقيف المتابعين، فضلًا عن تقديم الترفيه.
كما يشير موقع “flowics” للتسويق إلى أنّ تلك الاستطلاعات تكون مُحفزًا للنقاش، إذ تعزز مشاركة المستخدمين في الاستطلاعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي من المحادثات بشأن العلامة التجارية أو المحتوى الخاص بالجهة المنظمة للاستطلاع، وبالتالي تتجاوز فوائد التصويت حدود الإحصائية البسيطة الناتجة عنه، ليتضمن أيضًا التفاعل مع العلامة التجارية، وتحفيز مشاركين آخرين؛ ليصبحوا جزءًا من تلك التجربة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ تقديم ردود تلقائية بشكل خاص إلى المشاركين في الاستطلاع يؤدي إلى توسيع وصول الحملة التسويقية والمشاركة فيها، فعلى سبيل المثال يتيح موقع “تويتر” إرسال ردود فورية ومُخصَّصة لكل من شارك في الاستطلاع.
وفي ذات الإطار، تمنح الاستطلاعات الفرصة للحصول على رؤى قيِّمة، حيث تُوفر مدخلاتٍ رائعةً حول ما يفضله العملاء وما يبغضونه، ما يعني إمكانية استنتاج ما هو مثير أو شائع، واتخاذ إجراء بناءً على هذه النتائج، فقد تكون هذه المعلومات مفيدة للغاية عند التخطيط لحملة تسويقية تالية، أو في جهود تسويق المحتوى.
أمَّا عن كيفية الاستفادة من استطلاعات الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك الكثير من الطرق لاستخدام الاستطلاعات لصالح العلامة التجارية، منها:
– إذا كانت الفُكاهة مناسبةً للعلامة التجارية والجمهور، فيمكن أن تكون استطلاعات الرأي طريقةً رائعةً للتعبير عن مُزحة، عبر وضع سؤال يُعبّر عن روح الدعابة وخيارات تُثير ضحك الجمهور.
– طلب العلامات التجارية من المستخدمين المشاركة في عملية اتخاذ القرار، يُظهر للجمهور مدى الاهتمام بمدخلاتهم، ما يُشكِّل دافعًا للتعبير عن رأيهم.
– أغراض الإعلام والترفيه، حيث يُمكن نشر استطلاعات الرأي لتقديم المعلومات بطريقة فريدة وتفاعلية، فعلى سبيل المثال استخدمت جوائز الأوسكار استطلاعات تويتر في شكل اختبار لتقديم حقائق ممتعة، ومشاركة الجمهور في ليلة يكونون فيها ملتصقين بشاشة التلفزيون وهواتفهم المحمولة.
– توليد الأفكار، فبدلًا من التساؤل عما يحتاجه الجمهور، تفتح استطلاعات الرأي على وسائل التواصل الاجتماعي خيارًا جديدًا وهو السؤال فقط، فعلى سبيل المثال طلبت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية من المستخدمين عبر إنستغرام تقييم ميزة خلاصة الأخبار الخاصة بها فقط، وفي تلك الحالة يحصل الناشر على فكرة عما إذا كان يجب عليه تعديل التنسيق، أو الاستمرار على ذات النهج.
الفوارقُ في تصميم الاستطلاع ونمط تفاعل الجمهور
قدَّم موقع “business2community” المعنيِّ بالتسويق الرقمي، عرضًا مقارنًا لطبيعة الاستطلاعات عبر ثلاث منصات هي: “تويتر” و”إنستغرام” و”لينكدإن” من حيث الإمكانيات المتوفرة على كل منصة لتصميم الاستطلاع، ونوعية الجمهور، والضوابط الخاصة بالتفاعل مع الاستطلاع.
بالنسبة لاستطلاعات تويتر يكون المشاركون فيها مجهولين، حيثُ لا يُمكن للشخص الذي أنشأ الاستطلاع ولا المشاركين فيه الاطلاع على هوية المُصوتين أو الطرق المُتبعة في التصويت.
ويُتيح الاستطلاع 4 اختيارات، يكون كل اختيار مُقيدًا بـ25 حرفًا فقط، ولا يمكن للمُصوِّتين تغيير إجاباتهم، أما المدة الزمنية المسموح بها لإجراء الاستطلاع فتتراوح ما بين 5 دقائق و7 أيام، ويتحكم في المدة الشخص أو الجهة التي غرَّدت بالاستطلاع، أي نشرته.
أمَّا عن استطلاعات إنستغرام، فإنّ المشاركين فيها غير مجهولين، ويكون أمامهم خياران فقط، وكل اختيار يكون مقيدًا بـ25 حرفًا، ولا يُمكن للمشارك في الاستطلاع تغيير إجاباته، وأقصى مدة للاستطلاع هي 24 ساعة.
في المقابل تتسم استطلاعات “لينكدإن” بالعديد من المزايا، أبرزها أنَّ المشاركين في التصويت غير مجهولين، ولديهم سعة من الخيارات تتمثل في 4 خيارات، وكل اختيار مُقيد بـ30 حرفًا فقط، فضلًا عن إتاحته الفرصة للمشاركين للتراجع عن التصويت، بجانب المدى الزمني الطويل لاستمرار الاستطلاع الذي يصل إلى أسبوعين.
لكن المنصة تفرض محاذير حول طبيعة الموضوعات المطروحة في الاستطلاعات، فهي لا تسمح بالموضوعات الحسّاسة كالسياسة.
وفي ذات الإطار، تشير شركة “Digitopia” المعنية بالتسويق إلى أنَّ كُلًّا من فيسبوك وإنستغرام قد عملا على تسهيل إنشاء محتوى تفاعلي من خلال “إعلانات استطلاع الرأي التفاعلية- interactive poll ads”، التي تضم أسئلةً وخياراتٍ للإجابة عنها، مما يوجد تجربة تفاعلية للجمهور تُمكنهم من التعبير عن تفضيلاتهم، ومعرفة مدى توافق استجابتهم مع أقرانهم.
وتولد تلك الاستطلاعات تفاعلًا من خلال الاستجابة النشطة للمستخدمين، بجانب أن خوارزمية فيسبوك تعطي الأولوية للمنشورات التي تتلقى المزيد من المشاركة، مما يؤدي إلى زيادة الوصول وخفض تكاليف الإعلان.
أما عن كيفية إعداد إعلانات استطلاع تفاعلية في فيسبوك وإنستغرام، فيتم ذلك من خلال خاصيتي ” Facebook Mobile Newsfeed ” و”Instagram Stories”، وفي حين يدعم فيسبوك إعلانات استطلاع الرأي من خلال الفيديو فقط، فإنها مُمكنة عبر إنستغرام سواء من خلال مقطع فيديو، أو صورة بتنسيق ملء الشاشة.
وتُوجد ثمّة مجموعة من الإرشادات العامة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار من جانب العلامات التجارية عند تنفيذ استطلاعات الرأي على وسائل التواصل الاجتماعي، وتتمثل بحسب شركة “Appail” المتخصصة في تطوير مواقع الإنترنت والتطبيقات، فيما يلي:
• الحرصُ على جعل استطلاعات الرأي بسيطةً وسهلةً؛ لكي تتمكن من جذب الجمهور.
• الحفاظُ على الاستمرارية، بحيث يجري الاستطلاع أسبوعيًّا أو كلّ أسبوعين أو يكون الاستطلاع شهريًّا، فانتظام الاستطلاع يجعل المتابعين في حالة من التطلع إلى الاستطلاع القادم والمشاركة بحماس أكبر.
• ضرورةُ منح الجمهور خيارًا لعرض مزيد من التفاصيل حول دوافع وأسباب تصويتهم.
وتأسيسًا على ما سبق، يتضح أن استطلاعات الرأي التسويقية على وسائل التواصل الاجتماعي تُوفر العديد من المزايا للعلامات التجارية، فهي تُتيح التعرف على ملاحظات العملاء القيمة، وتكوين نظرة ثاقبة على تفضيلات الجمهور أو طلباتهم أو حتى مشاعرهم تجاه المنتجات أو الخدمات الحالية، وذلك عبر رصد وتحليل تعليقاتهم.
كما تُسهم استطلاعات الرأي التفاعلية في جذب الانتباه للعلامة التجارية في ظل سوق الإعلانات الاجتماعية المُشبع للغاية، وتُؤسس لمزيد من التفاعل مع العملاء المحتملين، وتجعل العلامة التجارية تبرز بين منافسيها.
وأخيرًا من الأهمية بمكان أن يراعي القائمون على إعداد الاستطلاعات الاختلافات الجوهرية بين منصات التواصل الاجتماعي، فكل منصة لها خصوصيتها وتفردُّها عن الأخرى، لذلك لا يجب تطبيق نفس الاستراتيجية الخاصة بالاستطلاعات على جميع المنصات.