تقارير

بايدن تحت المرصاد.. كشف حساب 10 أيام داخل أروقة البيت الأبيض

غلب على الأيام العشرة الأولى من حكم الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن سمة أساسية هي اتخاذ خطوات متسارعة من أجل التخلص من إرث سلفه الجمهوري دونالد ترامب، سواء على صعيد السياسات أو البصمات التي تركها ترامب داخل البيت الأبيض، وذلك بجانب مواصلة الرئيس الديمقراطي الخطوات الدستورية اللازمة لاستكمال تعيينات كبار المسؤولين في إدارته.

بالإضافة إلى التفاعل مع ملف الساعة في الولايات المتحدة ألا وهو مواجهة فيروس كورونا الذى يمثل تحديًا كبيرًا للإدارة الجديدة من منطلق أن نجاحها في التعاطي مع هذا الملف الشائك من الناحية الصحية والاقتصادية سيكسبها شرعية الإنجاز.

تغييرات مادية داخل البيت الأبيض تبعث برسائل سياسية

لقد أظهر بايدن بعد ساعات قليلة من دخوله البيت الأبيض حرصه الشديد على القيام بتغييرات مادية عن عهد ترامب، وهو ما انعكس في جملة من الإجراءات التي اتخذها؛ منها ارتداؤه الكمّامة داخل المكتب البيضاوي، وتوجيهه بالقيام بتعديلات في ديكور المكتب لم تخل كل تفصيلة فيها من رسائل سياسية واضحة، تؤشر إلى قطيعة تامة مع إرث سلفه الجمهوري.

لقد أراد الرئيس الأمريكي الجديد أن يضفي أكبر قدر من المصداقية على أول قراراته، وبدا ذلك جليًّا حينما كان يرتدي كمامة سوداء وهو يُوقِّع على سلسلة من الأوامر التنفيذية من بينها أمر ينص على الالتزام بارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي في جميع المباني الفيدرالية، في حين كان من النادر أن يرتدي ترامب الكمامة أثناء وجوده في البيت الأبيض أو جلوسه خلف المكتب البيضاوي، بحسب صحيفة “يو إس إيه توداي” الأمريكية.

وعلى صعيد مظهر المكتب الرئاسي، أمر بايدن بإضافة صور عدد من القادة والشخصيات التاريخية الأمريكية، وإزالة لمسات كان ترامب قد وضعها على ديكور المكتب خلال فترة حكمه، فعلى سبيل المثال علق بايدن مقابل مكتبه الرئاسي صورة مكبرة للرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت، ووضع صورًا للرئيس الأسبق توماس جيفرسون، ووزير الخزانة الأسبق ألكسندر هاملتونوهما اللذان اتسمت علاقتهما بالخلاف- على مقربة من بعضهما البعض بشكل يرمز إلى التعاون رغم الخلافات وتقريب وجهات النظر المختلفة، وأنها سمة ستغلب على طبيعة حكمه للبلاد.

كما أزال اللوحة المثيرة للجدل للرئيس الأسبق أندرو جاكسون التي علقها ترامب في المكتب البيضاوي واستبدلها من خلال صورة بنجامين فرانكلين، وهو عالم شهير وأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، في دلالة على اهتمام بايدن بالعلم، كما أزال أيضا زرًا أحمر كان يستخدمه ترامب لتنبيه موظفي الخدمة برغبته الفورية في مشروب الكولا المثلج.

تغريدات منضبطة.. وعلاقة أكثر دفئًا مع الصحافة.. وتواصل مع كافة فئات المجتمع

يعد نمط استخدام الرئيس بايدن لموقع التدوينات القصيرة تويتر، وطبيعة علاقته مع الإعلام من بين المحطات الأساسية التي خالف فيها نهج ترامب، فلدى بايدن حسابان على موقع تويتر الأولPOTUSوهو الحساب الرسمي لرئيس الولايات المتحدة، الذى تسلمه بعد تنصيبه في 20 يناير 2021، ويحظى بمتابعة 6.7 مليون شخص، أما الثاني فهو حسابه الشخصي الذي يحمل اسمه Joe Biden ويتابعه 27.1 مليون شخص.

وقد أطلق بايدن عبر حسابه الرسمي خلال أول 10 أيام في منصبه، 73 تغريدة موزعة كالتالي: 63 تغريدة أصلية و10خاصة بإعادة تغريد، بينما بلغ عدد التغريدات على حسابه الشخصي 16 تغريدة جميعها معاد تغريدها من حسابه الرسمي، ما يشير إلى تقيد بايدن بالطابع الرسمي في استخدامه لمنصة التواصل الاجتماعي التي كانت الأكثر تفضيلًا لدى سلفه، الذى اعتاد التغريد بكثافة عبر حسابه الشخصي دون التقيد بأي اعتبارات بروتوكولية.

وفي ذات الإطار، بدا بايدن أكثر ميلًا نحو بناء علاقة أكثر دفئًا مع وسائل الإعلام، ومن مظاهر ذلك حرص إدارته منذ الوهلة الأولي على توجيه رسالة دعم واضحة للصحافة، تمثلت في تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي في أول مؤتمر صحفي لها إذ تعهدت بالعودة إلى سياسة تقديم الحقيقة والتحلي بالشفافية، مؤكدة أن إدارة بايدن تُكّن احترامًا عميقًا لدور الصحافة الحرة والمستقلة في نظامنا الديمقراطي.

أيضا بناء بايدن لنمط جديد من العلاقة بين الرئيس والإعلاميين، ظهر في ممازحته لصحفي من شبكة فوكس نيوز المعروفة بتوجُّهها اليميني المحافظ الداعم للجمهوريين وعلى رأسهم ترامب.

فحينما بادر المراسل الصحفي لفوكس نيوز بيتر دووسي بتوجيه سؤال لبايدن عما تحدث عنه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أول مكالمة هاتفية تجمعهما، أجاب الرئيس الأمريكي قائلا: “تحدثنا عنك، يرسل لك الرئيس بوتين تمنياته.

ويؤشر نمط تواصل الرئيس بايدن مع الإعلام لمرحلة جديدة مختلفة تماما عن حقبة ترامب، إذ شهدت قاعات البيت الأبيض على مدى السنوات الأربع الماضية سجالات وصدامات حادة بين ترامب والصحفيين وصلت إلى حد طرده لبعضهم.

من جهة أخرى، وفي بادرة تشير إلى رغبة الإدارة الجديدة في التواصل مع كافة فئات المجتمع، جاء قرارها بالاستعانة بمترجم لغة الإشارة في المؤتمرات الصحفية اليومية، إذ أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض بأن الرئيس الأمريكي ملتزم ببناء ولايات متحدة أكثر شمولًا وعدلًا ويسهل الوصول إليها لكل أمريكي، وبينهم الأمريكيون ذوو الإعاقة وعائلاتهم.

علما بأن قاضيًا فيدراليًّا كان قد أصدر أمرًا يلزم البيت الأبيض بتضمين ترجمة لغة الإشارة في جميع المؤتمرات التلفزيونية حول فيروس كورونا، وذلك في حكمه بدعوى أقامها خمسة أفراد من الصم ضد إدارة ترامب، قالوا فيها إن عدم توفيرها لمترجم إشارة قوّض قدرة الأمريكيين الصم وضعاف السمع على الوصول إلى معلومات أساسية حول جائحة فيروس كورونا.

تسجيل أرقام قياسية من الإجراءات التنفيذية.. وخطوات متسارعة لتفكيك إرث ترامب

سجل بايدن رقمًا قياسيًّا فيما يتعلق بـ”الأوامر التنفيذية executive orders“، و”المذكرات الرئاسية “presidential memos و”الإعلانات- proclamations” التي أصدرها خلال أول 10 أيام من رئاسته، فهي تفوق مجتمعة ما أصدره سلفه ترامب والرئيس الأسبق باراك أوباما خلال نفس الفترة من حكمهما.

وتمثل الأوامر التنفيذية والمذكرات الرئاسية والإعلانات توجيهات تأتي مباشرة من مكتب الرئيس، وتتمتع الأوامر التنفيذية أو المراسيم الرئاسية بالقوة القانونية ذاتها التي تحظى بها التشريعات الصادرة عن الكونجرس.

فقد استهل بايدن ولايته الرئاسية بإصدار 25 أمرًا تنفيذيًّا، و10 مذكرات رئاسية ، وأربعة إعلانات، مقارنة بـ7 أوامر تنفيذية و11 مذكرة رئاسية وإعلانين أصدرهما ترامب، و9 أوامر تنفيذية و10 مذكرة رئاسية وإعلان واحد فقط لأوباما خلال نفس الفترة.

ووفقًا لـمشروع الرئاسة الأمريكية American Presidency Project” (منظمة غير ربحية)، اتخذ بايدن أكبر عدد من الإجراءات التنفيذية مقارنة بأي رئيس أمريكي تولى منصبه بعد رئيس من الحزب المنافس، إذ كان الرؤساء يصلوا إلى هذا العدد من الإجراءات بعد سبعة أو ثمانية أسابيع من دخولهم البيت الأبيض.

وعكست قرارات بايدن تغييرًا جذريًّا عن سياسات ترامب، حيث عمل الرئيس الأمريكي الجديد بوتيرة سريعة وأكثر قوة لتفكيك إرث سلفه بصورة تفوق أي رئيس آخر، وفقًا لشبكة “سي.إن.إن” الإخبارية الأمريكية.

ومن أبرز القرارات التي اتخذها في هذا الإطار، العودة إلى منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ، وإلغاء حظر السفر الذي فرضته الإدارة السابقة على رعايا دول ذات أغلبية إسلامية.

وأيضًا وقف العمل في الجدار العازل مع المكسيك، بالإضافة إلى السماح لجميع المواطنين المؤهلين بالانضمام إلى القوات المسلحة، ليلغي بذلك الحظر على خدمة المتحولين جنسيًّا، في خطوة تمثل عودة لسياسة الديمقراطيين المنفتحة إزاء تلك القضية، حيث سبق للرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما السماح للأشخاص المتحولين جنسيًّا بالخدمة في الجيش، لكن الرئيس الجمهوري دونالد ترامب فرض حظر على تجنيدهم مع السماح للأفراد العاملين بالبقاء في الخدمة.

التنوع في تشكيل إدارة بايدن يقود لسوابق تاريخية.. وخطة إنقاذ كورونا أكبر تحدٍ

من جهة أخرى، أراد الرئيس بايدن أن تعكس إدارته التنوع في الولايات المتحدة، وهذا التوجه السياسي يعد استكمالًا لما بدأه في حملته الانتخابية باختياره لكامالا هاريس نائبة له، والتي صارت بعد فوزهما في الانتخابات الرئاسية نوفمبر الماضي، أول امرأة وملونة تشغل منصب نائب الرئيس في تاريخ أمريكا.

واتضح التنوع بشكل أكبر في اختيارات بايدن لكبار مسؤولي إدارته والتي جاءت مُمثلة للأقليات العرقية والدينية وحتى الجنسية، لتفتح مجالًا أوسع لتسجيل سلسلة من السوابق التاريخية بعدما أقر مجلس الشيوخ سلسلة من التعيينات في إدارة بايدن، حيث أصبح الجنرال المتقاعد لويد أوستن أول وزير دفاع أمريكي من أصول إفريقية، كما أضحت أفريل هينز، أول امرأة تترأس جهاز المخابرات الوطنية، وباتت ديب هالاند، أول وزيرة داخلية من السكان الأصليين، بينما باتت جانيت يلين، أول وزيرة للخزانة في تاريخ الولايات المتحدة، فضلًا عن ترشيح بيت بوتيدجيدج المثلي جنسيًّا لتولي وزارة النقل، حيث ما زال مجلس الشيوخ الأمريكي يجري جلسات قبيل التصويت على تثبيته في المنصب.

وبالتوازي مع متابعة استكمال التعيينات في الإدارة الأمريكية، كان كورونا الملف الأهم على طاولة بايدن سواءعلى صعيد جهود مواجهة الوباء أو تحجيم تداعياته الاقتصادية. وقد كشف الرئيس الأمريكي عن إجراء تعاقدات للحصول على مزيد من الجرعات الإضافية من لقاحي كورونا المعتمدين في الولايات المتحدة (فايزر وموديرنا)، مؤكدا أنه سيكون لدى الولايات المتحدة ما يكفي من اللقاحات لتطعيم 300 مليون أمريكي بشكل كامل بحلول نهاية الصيف.

وقد لاقت استراتيجية بايدن للتصدي لجائحة كورونا، تأييدًا كبيرًا بين الأمريكيين، فوفقًا  لاستطلاع رأي أجرته شركة “إبسوس” لصالح شبكة “إيه.بي.سي نيوز الأمريكية يؤيد 69% من الأمريكيين طريقة تعامل إدارة بايدن مع الجائحة في الأيام الأولى لتوليه الرئاسة.

لكن الرئيس الأمريكي يواجه حاليا تحديًا بشأن اتخاذ أهم قرار تشريعي منذ دخوله البيت الأبيض رئيسًا، ويتعلق بتمرير خطة تحفيز اقتصادي بقيمة 1.9 تريليون دولار تهدف إلى الخروج من الأزمة الناجمة عن تفشي وباء كورونا والتي تعد أسوأ أزمة اقتصادية تعاني منها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.

ومن بين التدابير التي تشملها الخطة تقديم شيكات مساعدة للعائلات وتخصيص موارد مالية لإعادة فتح المدارس، ودعم الشركات الصغيرة وتسريع الفحوص والتطعيم باللقاحات المضادة لكوفيد-19، لكن يعتبر الجمهوريون أن قيمة الخطة مرتفعة جدًا، وستفاقم ديون البلاد المتزايدة.

ورغم قدرة حزب بايدن “الحزب الديمقراطي” على تمرير مشروع القانون في مجلس الشيوخ بالأغلبية البسيطة بفضل الصوت المرجح لنائبة الرئيس كامالا هاريس في مجلس الشيوخ، لكن الرئيس الأمريكي يفكر بنهج أكثر تعزيزًا للوحدة والتوافق ويرسخ عبارة ذكرها في خطاب تنصيبه حين قال:أحيانًا سنحتاج يد المساعدة، وفي أيام أخرى سيُطلب منا مد يد العون، هكذا هي الحياة.

ولذلك دعا بايدن 10 أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ لمناقشة مقترحاتهم بشأن خطة بديلة قدموها، اعتبروا أنها قادرة على تحقيق توافق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

وختامًا، يمكن القول إن الأيام العشرة الأولى لبايدن داخل البيت الأبيض أظهرت استغراقًا شبه كامل في ملفات السياسة الداخلية الأمريكية، وبشكل شبه حصري أزمة كورونا، بينما ما زالت الإدارة الأمريكية تعكف على قراءة الملفات المتعلقة بالسياسة الخارجية لا سيما تجاه منطقة الشرق الأوسط.

زر الذهاب إلى الأعلى