أصبحت الوسيلة التقنية المستخدمة في إيصال المعلومة متوفرة في كل مكان، حيث تقوم ببثِّ رسائل تحمل في مضامينها رسائل إيجابية وأخرى سلبية، ليس من السهولة السيطرة عليها. وليس هناك تقنية ولا وسيلة أثَّرت في معظم المجتمعات البشرية أكثر من الإنترنت.
ومن أبرز الوسائل التي كان لها دور فاعل في تغيير ملامح وجه المجتمع السعودي، شبكاتُ التواصل الاجتماعي والمنتديات الحوارية التي استقطبت أعدادًا هائلة من مستخدمي الإنترنت في مختلف أنحاء العالم. وهو ما رصده كِتاب “الإعلام الرقمي” للدكتور فهد بن عبد العزيز الغفيلي، والذي نستعرض أبرز النقاط التي تضمنها في التقرير التالي:
قراءة طبيعة استخدامات السعوديين لفيسبوك وتويتر
وتتنوع استخدامات السعوديين لفيسبوك وتويتر، وإن كان معظمهم يستخدمه بغرض تبادل المعلومات مع الأصدقاء، ولأغراض ترفيهية متنوعة، كما تتنوع الفئات التي تستخدمه، فهناك صفحات لمسؤولين، ورجال دين وإعلاميين ورياضيين وفنانين وغيرهم ممَّن يستخدم تلك الوسيلة، بغرض الوصول إلى أكبر فئة من الناس ليُسمعوهم رسائلهم وما يودُّون قولَه أو مشاركتهم بعض المعلومات والصور والصوتيات وغيرها، ممَّا أعجبهم بحسب طبيعة كل شخص.
وتُنشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي قضايا متنوعة، ويُبثُّ من خلالها همومٌ مختلفةٌ لدرجة أن بعض مرتادي تلك الصفحات صاروا لا يُطيقون الابتعاد عنها، كما تستخدم صفحات تلك المواقع لترويج السلع، بالإضافة إلى ذلك هناك مواقع لكثير من الدعاة ولجمعيات خيرية.
ويتميز إنشاء صفحات عبر منصات شبكات التواصل الاجتماعي بثلاثة أمور رئيسية هي:
– تمكِّن الشخص من الوصول إلى متصفحي الإنترنت في كل مكان بسرعة وسهولة.. – وعدم وجود تكاليف مالية لإنشاء صفحة خاصة، – كما أنها لا تحتاج إلى خبرة فنية عند التأسيس أو الحماية اليومية والتحصين الذي يحتاج إليه الموقع الخاص.
وخلصت دراسة أجراها مركز أسبار للدراسات والبحوث شملت عينة قوامها 1884 مستخدمًا للإنترنت، نسبة السعوديين منهم 95.9% والمقيمين 3% إلى أن 93.9% منهم يتصفَّحون الإنترنت بشكل يومي، ولا يقل عدد الساعات التي يَمْضيها 92.9%منهم عن ساعتين، وقد تمتد إلى أربع ساعات فأكثر لدى 44.2%، ويبحث 64.7% من عينة الدراسة عن الأخبار، مقابل 17.3% يستخدمون الإنترنت للترفيه، و15.6% للبحث والدراسة و2.4 % في علاقات وصداقة.
ويعتقد 42% من عينة الدراسة أن ما يطرح عبر الإنترنت لا يعكس رأي المجتمع السعودي، وإن حدث فلن يمثل سوى 10% أو أقل. بينما يخالفهم 21.2% حيث يرون أن ما يُطرح عبر صفحات الإنترنت يمثل نحو 50% من الرأي العام للمجتمع السعودي.
واقع الرسالة الإعلامية بالنسبة للمجتمع المستهدف وقابلية التأثر بالإعلام الرقمي
يمكن تصنيف واقع الرسالة الإعلامية بالنسبة لحال المجتمع المستهدف إلى خمسة أصناف على النحو التالي:
مجتمع لا تتوفر عنه معلومات كافية، حيث تُعدُّ الرسالة وتوجَّه دون معرفة مدى تفشِّي هذه الآفة بين فئات المجتمع بشكل عام، وذلك لعدم وجود الدراسات الكافية.
مجتمع معلومٌ حالُه ومشكلاتُه ولكن هناك صعوبة في إيصال الرسالة الإعلامية إليه.
رسالة موجهة إلى مجتمع وتصل بشكل جيد ولكنها تغفل التوعية بشأن المستجدات.
رسالة توعوية فاعلة جدًّا كانت ردة فعل لحدث أو لظاهرة.
رسالة إعلامية استباقية لحدث أو ظاهرة، استطاعت التوعية بخطورة الحدث قبل وقوعه ونجحت في ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن الفئة الأكثر قابلية للتأثر بما يُطرَح عبر الإعلام الرقمي تتصف بثلاث صفات هي:
أولًا: ليس لديهم العلم الشرعي الكافي الذي يكفل لها التمييز بين الخير والشر أو الحق والباطل، ولذلك فإنه يسهل التغرير بها.
ثانيًا: هذه الفئة لديها القابلية للمشاركة والتفاعل مع الآخرين، وهؤلاء يمكن في حال استثارتهم وتأليبهم على جهةٍ ما أنْ يأخذوا الأمر على محمل الجد وبشكل متسرِّع ومتهوِّر ودون إمضاء أي لحظة للتفكير في العواقب، أو بذل أي جهد للبحث في الأمر، وربما يعود ذلك إلى عدم إدراك هؤلاء الأشخاص للقيمة الحقيقية لعقولهم فيعمدون إلى تسليمها لآخرين، يحشونها بما يريدون دون إبداء أي اعتراض.
ثالثًا: وجود الوسيلة التي تخلق البيئة الخصبة التي تجعل الفرد جاهزًا للمشاركة، وتلك الوسائل بالطبع متنوعة وكل واحدة منها لها فعلها وتأثيرها الخاص.
المخاطر الناجمة عن استخدام الإعلام الرقمي
توجد 5 أنماط أساسية من المخاطر المتعلقة باستخدام الإعلام الرقمي، إذ تتراوح ما بين نشر ثقافة العنف والتحريض على إثارة الفوضى وإثارة النعرات القبلية والطائفية، والجريمة الجنائية الرقمية وخلق صور نمطية سلبية عن الذات.
مخاطر متعلقة بنشر ثقافة العنف:حيث صارت مواقع ومنتديات الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي أهم أساليب التواصل ونشر المعلومات التي تستخدمها الجماعات المتطرفة لأغراض نشر فكرهم، فكان لهم أعداد كبيرة من المنتديات الموجهة إلى المجتمعات العربية، وعلى الأخص المجتمع السعودي، إلا أن تضافُر الجهود وتوعية المجتمع حَدَّا كثيرًا من تأثير تلك المنتديات التي ما زال القائمون عليها حتى اليوم كلما تم إغلاق موقع أو منتدى لهم استحدثوا آخر. ولكن من الواضح أن عمليات الرقابة الجادة التي قامت بها السلطات السعودية أثمرت بشكل كبير وحدَّت من أعداد تلك المنتديات.
مخاطر متعلقة بالتحريض على إثارة الفوضى: من المهم ألا نغفل خطورة شبكات التواصل الاجتماعي على المجتمعات وما حدث من قلاقل واضطرابات في بعض البلدان العربية كانت تلك الشبكات هى ما أشعل فتيله وأجج مثيريه.
والأكيد أن بعضًا من تلك الشبكات يتلقى دعمًا ماليًّا من أجهزة استخباراتية من أجل الاستفادة من قواعد البيانات الموجودة لديهم، وهذا ما يذهب إليه بعض الباحثين الأمريكيين الذين أثاروا فرضية احتمال تلقِّي بعض المواقع دعمًا ماليًّا من أجهزة استخباراتية من أجل بناء قاعدة بيانات ضخمة للمشتركين الشباب من مختلف دول العالم والاستفادة منها لأغراض استخباراتية، كما أكد بعضهم أن اتفاقيات التسجيل في المواقع كانت تشير في السابق إلى إمكانية تقصِّي معلومات عن المشتركين وإتاحة بياناتهم لطرف ثالث.
مخاطر متعلقة بإثارة النعرات القبلية والطائفية: هناك مَن يتساهل مع الدور الذي يلعبه الإعلام الرقمي في إثارة النعرات القبلية والطائفية، ولكن الحقيقة أن الموضوع يستحق البحث والدراسة، حيث وصل إلى درجةٍ انتقلت معها المناوشات من ساحات القنوات الفضائية والعوالم الافتراضية إلى بعض المجالس والأحياء والمدارس.
وتشير بعض الإحصائيات إلى وجود أكثر من 3 آلاف موقع ومنتدى خاص بالقبائل، ويفتخر بعض المنتمين إلى تلك القبائل بكثرة المواقع التي تحكي عن قبيلتهم وتتغنَّى بأمجادها وتروِّج لرموزها.
وتتخذ حكومة المملكة إجراءات مشددة بحق مَن يستخدم الإعلام بغرض الإساءة إلى الآخرين، ومِن ذلك ما تنصُّ عليه المادة الثالثة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، التي تقضي بغرامة مالية تصل إلى 500 ألف ريال أو السجن لمدة عام كامل أو بهما معًا.
مخاطر متعلقة بالجريمة الجنائية الرقمية: من ضمن ما تمخَّضت عنه التجربة الإعلامية الرقمية ظهور ما يسمَّى الجريمة الرقمية، وأشكالُها متعددةٌ ولا يمكن حصرُها، حيث يولد لها شكل جديد كل يوم وتنشر أخبارًا عن حوادث وجرائم رقمية متفرقة في أنحاء المعمورة. وقد تسببت في تهديدات حقيقية للمجتمع وأضافت أعباء جديدة على كاهل الشرطة المحلية المشغولة بالجريمة التقليدية. ومن أمثلة الجرائم الرقمية الابتزاز والتخريب عن بُعد.
مخاطر متعلقة بخلْق صور نمطية سلبية عن الذات: تستطيع الرسالة الإعلامية المكثفة خلقَ شعور لدى المتلقِّي بصحتها، فتكرِّر بعث الرسالة الإعلامية بخلق صورة نمطية قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية، بحسب توجُّه مُعد الرسالة، فهناك حملات إعلامية تدار بشكل احترافي ضد بلد أو مجتمع فتصوِّره بطريقة سلبية. وبعضها على شكل طُرَف، ظاهرُها التسلية وباطنُها خلْقُ صور نمطية سلبية.
وأخيرًا.. يمكن طرح عدد من المقترحات لتجنُّب التأثيرات السلبية للإعلام الرقمي وتتمثل فيما يلي:
– تأهيل الشباب منذ سن مبكرة وتعويدهم على القراءة والاطلاع والاستنباط لمنحهم الكفاءة اللازمة للتمييز بين الأفكار النافعة والضارة.
– إشراك المدرسة والجهات المعنية بالتعليم وإطلاعهم على آخر وأحدث المستجدات التي تمثِّل خطرًا على الشباب وحثُّهم على وضع البرامج التحصينية اللازمة التي تعين على وقاية الطلاب، وحتى المعلمين من مخاطر البث الإعلامي تلك.
– توعية الأسرة وحثها على بذل جهود مضاعَفَة في مراقبة الأطفال والمراهقين ومعرفة كيف يمضون أوقات فراغهم وماهية المواد الإعلامية التي يتلقونها من خلال وسائل التقنية الرقمية المتاحة بين أيديهم.
– التواصل مع القائمين على الوسائل الإعلامية والتأكيد على أهمية استشعار الأخطار المتأتية من إساءة استخدام وسائل التقنية، وحثهم على القيام بدورهم التوعوي، مع ملاحظة طبيعة المواد المقدمة من قِبَل كل وسيلة إعلامية وطنية وتأثيرات ما تبثه من موادَّ وبرامجَ في النشء والمجتمع والإسهام في تقويم وإصلاح الخلل.
– غرس مبادئ الرقابة الذاتية لدى النشء، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع مصادر المعرفة الرقمية.
– تكثيف الحملات التوعوية لكل أفراد المجتمع، خاصة فيما يتعلق بالمخاطر الناتجة عن سوء استخدام وسائل الإعلام الرقمي.