تقارير

سعد الجبري.. حلقة جديدة في حملة المملكة لمكافحة الفساد

منذ تولِّيه مهام منصبه، وضع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، مكافحة الفساد أولى أولوياته، حيث اتخذ خطوات كبرى لملاحقة المفسدين كانت مثارًا للإعجاب والتقدير، وحظيت بالتأييد، ليس فقط داخل المملكة، بل على الصعيد الخارجي، إذ صار أيقونة لمكافحة الفساد في المنطقة.

وقد صاغ وليُّ العهد نَهْجًا رائدًا بدأه بترسيخ قِيَم النزاهة والأمانة والموضوعية والحياد والشفافية للضرب بيدٍ من حديد، لإعادة الحقوق وردع الفاسدين الذين قادتهم أطماعهم، وأنفسهم الضعيفة للاستيلاء على ما ليس لهم بغير وجه حق.

وقد عكست كل الخطوات والإجراءات التي يتخذها سموُّ ولي العهد إعلاء مبدأ سيادة القانون، وإرادة قوية لمكافحة الفساد، وهو ما عبَّر عنه بوضوح في تصريحه الشهير في مايو عام 2017، قائلًا: “لن ينجو أي شخص تورَّط في قضية فساد أيًّا كان، سواء كان وزيرًا أو أميرًا، مشددًا على أن أي أحد تتوافر عليه الأدلة الكافية سوف يحاسَبُ“.

وفي هذا الإطار تأتى جهود الدولة حاليًّا لاستعادة ومحاكمة المستشار السابق بوزارة الداخلية السعودية، اللواء سعد الجبري المقيم في كندا حاليًّا، بتهمة إهدار نحو 11 مليار دولار من أموال الدولة، حيث طلبت السلطات السعودية من تورنتو تسليمه، وأصدرت نشرات للشرطة الدولية الإنتربولللقبض عليه.

 شبكة فساد ضخمة تبدِّد أكثر من 11 مليار دولار من أموال صندوق مكافحة الإرهاب

عمل الجبرى مستشارًا لولي العهد ووزير الداخلية السابق، الأمير محمد بن نايف، وكان فعليًّا الرجل الثاني في وزارة الداخلية بعد الأمير محمد بن نايف، قبل أن يصبح وزيرًا للدولة، وفقًا لصحيفةوول ستريت جورنال الأمريكية.

وتشير معلومات الصحيفة، التي حصلت عليها من مصادر أمريكية وأوروبية، إلى تحقيقات سعودية جارية حول شبكة بمليارات الدولارات، أدت إلى إثراء مسؤولين حكوميين سعوديين كبار، وقد استخدمت هذه الأموال لمجموعة متنوعة من الأغراض، مثل دفْع أموال للمخبرين والقادة الأجانب مثل الرئيس السوداني المخلوع، عمر البشير، وشراء معدات لجهاز الشرطة وهواتف آمنة.

واستفادت هذه الشبكة، التي ترأَّسها الجبري، من تغريم الحكومة مبالغ زائدة لصالح عقود مع شركات غربية كبيرة، واستخدام حسابات خارجية مرتبطة ببنوك غربية كبيرة لتحويل هذه الأموال، حسبما نقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة على التحقيقات.

ولا ينكر مساعدو الجبري، بحسب التحقيقات، تحويل هذه الأموال لكنهم يقولون إن هذا الأمر تم في إطار أعمالٍ حكومية وبمباركة وزارة الداخلية.

كما أدار الجبري صندوقًا خاصًّا لوزارة الداخلية تم تدشينه عام 2001 كان يجمع بين الأموال المخصَّصَة للإنفاق على جهود مكافحة الإرهاب، والمكافآت التي حصل عليها هو وآخرون.

وتدفَّقت على الصندوق أموال وصلت إلى 19.7 مليار دولار خلال 17 سنة أشرف فيها الجبري عليه، وتقول التحقيقات إن 11 مليار دولار تم إنفاقها بشكل غير صحيح، إمَّا عن طريق مدفوعات زائدة على العقود، أو تحويلها إلى وجهات أخرى، بما في ذلك حسابات مصرفية خارجية يسيطر عليها الجبري وعائلته وشركاؤه، ومن بينهم وزير الداخلية آنذاك الأمير محمد بن نايف، وفقًا للصحيفة.

والكثير من أموال الصندوق ذهبت إلى دول مثل السودان وإندونيسيا، وزعماء قبائل في غرب العراق، وشركات في الولايات المتحدة وأوروبا، وحسابات أجنبية تتبع الجبري وحلفاءه.

أكثر من مليار دولار حصيلة مبدئية لما جمعه الجبري وأسرته ومساعدوه

واستفاد الجبري وشركاؤه من شراكة وزارة الداخلية مع القطاع الخاص لتحقيق مكاسب شخصية، وعلى سبيل المثال كان يشتري من خلال شركة تكنولوجي كونترولالمعدات الأمنية من شركات أمريكية كبيرة، مثل أوراكلوآي بي إموسييكوويعيد بيعها مرة أخرى للحكومة السعودية.

وأكبر المبالغ التي خرجت من وزارة الداخلية للقطاع الخاص ذهبت إلى شركة سعودية قابضة تسمىسكب SAKAB تلقَّت أكثر من 26 مليار ريال سعودي، أى ما يعادل 6.9 مليار دولار، في الفترة من 2008 إلى 2014، وفقًا لحسابات مصرفية ووثائق تحويل راجعتْها وول ستريت جورنال.

وذكرت الصحيفة أن الوزارة ترسل بانتظام عشرات الملايين من الدولارات إلى حساب الشركة في البنك السعودي البريطاني، التابع لبنك إتش إس بي سي، ثم تقوم الشركة بتحويل جزء كبير من الأموال إلى حسابها في فرع البنك بجنيف السويسرية، وكان يتم إرسال جزء من هذه الأموال إلى حسابات بأسماء مساعدي الجبري.

هذا إلى جانب إرسال مبالغ كبيرة شهريًّا إلى شركة مسجَّلة في جزر فيرجن البريطانية، والتي يمتلكها الجبري بالكامل.

وفي المجمل حصل المسؤول السعودي السابق على نحو 250 مليون دولار، من هذه الشركة وشركات أخرى تموِّلها وزارة الداخلية، وفقًا للتحقيقات.

وبحسب التحقيقات فقد جمع الجبري وشقيقه، وابن أخيه، واثنان من مساعديه، أكثر من مليار دولار في صورة مدفوعات مباشرة. ولا تزال هناك تحقيقات، حول مليارات الدولارات الأخرى، من تدفُّقات مالية وعقود تمَّت من الباطن.

تقاعُس كندي في تسليم الجبري.. و«الجزيرة» تمارس التضليل عبر تسييس القضية

وكشفت صحيفة “جلوب آند ميل” الكندية أن الرياض أرسلت وفدًا إلى كندا عام 2018، لمطالبة السلطات بإعادة الجبري إليها، إلا أن كندا لم تستجب، مما دفع المملكة إلى تقديم طلب رسمي في خريف عام 2019 لإعادة ضابط الاستخبارات السابق.

ويطرح الموقف الكندي العديد من التساؤلات حول احترام أوتاوا للقانون، فهذا الموقف يؤدي إلى عرقلة تحقيقات تباشرها السلطات في المملكة بُغية مكافحة الفساد، وهو ما يكشف عن ازدواجية الخطاب الغربي، فبينما تؤكد الدول الغربية، ومن بينها كندا، الحرص على دعم الشفافية ومكافحة الفساد في مختلف الدول والمناطق حول العالم، إلا أن ممارساتهم الفعلية تمنح غطاء وحماية للمطلوبين من جانب السلطات المختصة في قضايا الفساد ونهب المال العام.

علمًا بأن المملكة تمتلك رؤية واضحة مصمِّمة وقادرة على محاربة الفساد واقتلاع جذوره من كل القطاعات المختلفة، وقضاءً مستقلًّا يتولى تلك الملفات، وحكومة تعمل على تكريس نهج الشفافية واتباع الإجراءات الوقائية التي تلزم الجهات الحكومية باتخاذ جميع التدابير التي تمنع حدوث أي تعارُض في المصالح، من أجل حماية المال العام من الفساد ومنع الكسب غير المشروع. وتنطبق تلك القواعد على كل موظف، مهما كان مستواه، وعلى جميع المتعاملين مع الجهات الحكومية مهما كانت مراكزهم.

وكالعادة سعت وسائل الإعلام المعادية للمملكة، وفي مقدمتها قناة الجزيرة القطرية، إلى محاولة تشويه تلك الجهود المتعلقة بمحاربة الفساد وإضفاء طابع سياسي مزعوم، على تلك الجهود، بغية إثارة البلبلة والترويج لروايات زائفة يسعى نظام الحمدين إلى نشرها ضمن حملات ممنهجة تستهدف ضرب استقرار المملكة وتشويه منجَزَات قيادتها الرشيدة.

وجاء ذلك في وقت دشَّن فيه نشطاء سعوديون على موقع التدوينات القصيرة تويتر (هاشتاق) #فساد_سعد_الجبري، عبَّروا من خلاله عن ثقتهم الكاملة ودعمهم لجهود المملكة وقيادتها الرشيدة في اقتلاع الفساد وملاحقة المتورطين فيه أيًّا كانوا وأينما وُجِدوا.

وأوضح مغرِّدون أن المملكة أطلقت عملية واسعة النطاق لمكافحة الفساد، ومن خلال هذه العملية تم توقيف مسؤولين كبار من أمراء ووزراء وغيرهم على خلفية قضايا فساد تورَّطوا بها، وأن الجبري ليس استثناء من هذه العملية.

وتحت هذا الهاشتاق، تم تداوُل معلومات تفصيلية حول امتلاك الجبري أصولًا عقارية في عواصم غربية تتخطى قيمتها عشرات الملايين من الدولارات، وهو ما يعد دليلًا على الفساد، كما اعتبر مغرِّدون أن هروب الجبري إلى الخارج مؤشرٌ واضح على تورُّطه فى الفساد.

زر الذهاب إلى الأعلى