دراسات الصورة الذهنية

«الجزيرة» تتاجر بحياة المصريين

فور إعلان وزير المياه والري الإثيوبي، سيلشي بيكيلي يوم الأربعاء 15 يوليو 2020م بدءَ بلاده ملءَ سد النهضة -في تصريحاتٍ اعتذر عنها لاحقًا بدعوى سوء التفسير، قام حساب “الجزيرة مصر” على موقع التدوينات القصيرة “تويتر” بنشر مجموعة من التغريدات حول تلك التطورات المتسارعة بخصوص ملف سد النهضة، غلب عليها استخدام الصورة والفيديو.

وكان من اللافت أن القناة القطرية استخدمت صورة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشكل مُوحٍ بالأسى والحزن، خلال تناولها لهذا الخبر، ولذلك قام مركز القرار للدراسات الإعلامية بإخضاع تغريدتَيْن مصوَّرَتَيْن لعملية التحليل السيميولوجي، بهدف استكشاف مدلولات صورة الرئيس المصري التي سعت الجزيرة إلى إيصالها للجمهور.

وقد أظهرت نتيجة التحليل ما يلي:

أولًا: الوصف الظاهري للصورة:

يمكن تقسيم الصورة من حيث الاستخدام اللوني إلى جزأين:

الأول: ويُمثِّله الجانب السفلي والذي خُصِّص لمصر، وغلب عليه اللون الرمادي بمستوياته المختلفة -كما لو كانت صورة أبيض وأسود- باستثناء العَلَم الإثيوبي الذي جاء مُلوَّنًا، واستخدمت القناة اللون الرمادي كدلالة رمزية على الحزن والأسى، كما جاء هذا الجزء من الصورة باهتًا للتدليل على خراب وموت كل مظاهر الحياة في مصر.

الثاني: ويُمثِّله الجانب العلوي من الصورة، والذي خُصِّص لإثيوبيا، واتَّسم باستخدام الألوان وبخاصة الأزرق والأبيض للسماء، وذلك لإيصال دلالة رمزية على الحيوية والحياة في أديس أبابا.

وجاء سد النهضة ليكون بمثابة الحد الفاصل بين الجزأين، مصر وإثيوبيا.

وعلى الرغم من وقوع مصر جغرافيًّا في الشمال، بينما تقع إثيوبيا في الجنوب، فإن قناة الجزيرة تعمَّدت تخصيص الجزء العلوي من الصورة لأديس أبابا والسفلي لمصر، وهي إشارة إلى أن الموقف الإثيوبي هو الأقوى، بينما الموقف المصري يُعاني من الضعف، وفقًا لرؤية الجزيرة المغرِضة.

أمَّا من حيث عناصر الصورة:

فقد شكَّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مركز الصورة البصري ومِحْوَرَها الرئيسي، وقد تضمَّنت مجموعة من العناصر الدالة، منها:

1- استخدام تقنية الفوتوشوب، بوضع صورة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء مفاوضات سد النهضة عبر الفيديو كونفرانس، مع تصوير السد بأنه المنصة التي يجلس عليها الرئيس المصري، في دلالة على أن ملف السد أصبح أمرًا واقعًا ولم يعد من المُجْدِي الحديثُ عن آثاره السلبية على مصر، وقد سعت الصورة إلى تأكيد هذا الادعاء بمجموعة من العناصر:

  • اختارت القناة صورة للرئيس المصري وهو يضع يَدَيْه أمام وجهه، كإشارة رمزية على الصدمة والعجز.
  • نسبة ضئيلة من المياه خلف سد النهضة، وهي إشارة دالة على شُحّ نصيب مصر من المياه بعد البدء في ملء السد، وأن إثيوبيا ستكون المتحكِّمة في حياة المصريين.
  • تربة جافَّة مُتشقِّقة، ممَّا يدل على الأثر البيئي الذي سينتج عن استكمال عمل السد، والذي سيكون له تأثير مباشر على تراجع حجم الأراضي الزراعية في مصر، كما لجأت القناة القطرية إلى استخدام نوع خط “فونط” به تشققات مثل التربة لكتابة جملة “ساعة العطش”.
  • كأس مياه فارغة تم وضعها بجوار صورة الرئيس السيسي، في رسالة ضمنية خبيثة تدَّعي أنه تسبَّب في عطش المصريين.

2- تم وضع صورة الرئيس المصري خلف سد النهضة ناحية الجانب الإثيوبي، وقد سعت القناة من وراء ذلك إلى تصوير زائف بتفريطه في الحقوق المصرية لصالح أديس أبابا، وأن سياساته ساعدتهم في استكمال بناء السد.

3- تم وضع عَلَمَيْن لإثيوبيا، يمينَ ويسارَ صورة الرئيس المصري، في إشارة إلى محاصَرة إثيوبيا لمصر.

4- وضع رافعة في خلفية الصورة في الجانب الإثيوبي تعلو الرئيس السيسي، وذلك للإيحاء بأن أديس أبابا واصلت بناء السد بشكل منفرد رَغْم الرفض المصري، وأن استكمال المشروع لديها أهم من حياة المصريين.

5- تم كتابة محتوى نصي على الصورة يُوضح بدء ملء سد النهضة، والتاريخ 15 يوليو 2020 والساعة الثالثة. مع وضع خلفية باللون الأحمر للتاريخ كدلالة على الخطر.

6- صاحب الصورة كتابة نصية للتغريدة بدأت بهاشتاق (#خنق_النيل)، وقد استخدمت القناة هذا الهاشتاق للإشارة إلى أن النتيجة المباشرة لسد النهضة هو موت المصريين، مؤكدة أن هذا التوقيت سيتذكره الشعب المصري جيدًا.

وتكتمل دلالة هذا النص بربطه بالصورة المرْفَقَة التي يأتي الرئيس السيسي في مركزها، وذلك للإيحاء المغرض بأنه المتسبب في هذه النتيجة.

ثانيًا- القراءة التأويلية للصورة:

سعت قناة الجزيرة -وما زالت- إلى تأطير أزمة ملف سد النهضة في زاوية ادِّعاءت تروِّج لها بأنه نتيجة لسياسات خاطئة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مُتجاهلةً التعنُّت والمماطَلَة الإثيوبية خلال فترات المفاوضات السياسية بين البدان الثلاث (مصر – السودان – إثيوبيا).

ظهر تشفِّي القناة القطرية في هذا الملف، بسبب عدائها الواضح للنظام المصري الحاكم.

لم تُفرِّق الجزيرة بين موقفها من النظام السياسي وحياة الشعب المصري، فلجأت إلى المتاجَرَة واستغلال هذا الملف “المياه” الذي يُعدُّ شريان الحياة للمصريين من أجل تصفية حساباتها مع الرئيس السيسي.

فرغم توحُّد جميع فئات الشعب المصري، بما فيها المعارضة -باستثناء قلة ذات توجُّه إخواني في الأساس- خلفَ القيادة في مواجهة هذا التحدي الوجودي من منطلق تغليب مصلحة الوطن على الخلافات والاختلافات السياسية، فإن القناة القطرية تنتهج خطابًا تحريضيًّا تسعى من خلاله إلى تقليب الرأي العام على النظام الحاكم برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتصويره المتسبِّبَ في ضياع الحقوق المائية لمصر.

لقد جاء استخدام قناة الجزيرة القطرية للصورة بشكل ممنهَج ومتعمَّد، والدليل على ذلك وجود صورة أخرى قامت القناة بنشرها في نفس التوقيت تقريبًا وبنفس الأسلوب، فغلب عليها اللونان الأسود، والرمادي بدَرَجَاته، كدلالة رمزية على المستقبل المظلم والمجهول الذي ينتظر مصر، وجاءت باهتة باستثناء وجه الرئيس السيسي الذي تم تقريبُه بشكلٍ كبيرٍ، وظهر مُتَعَرِّقًا ومتأثرًا، حيث تعمدت القناة اختيار هذه الصورة من أجل الإيحاء بحالة الحزن والأسى، في رسالة ضمنية بحالة مصر في عهده، وهي قطعًا رسالة مغرِضة ومضلِّلة.

ختامًا.. تُثبت قناة الجزيرة يومًا بعد يوم كذبَ وزيفَ ادِّعاءاتِها بالوقوف بجانب الشعوب، فهي مستمرة في نَهْجِها القائم على استغلال أي حدث، مهما كان، في سبيل تحقيق الأجندة الخاصة للقائمين عليها، حتى ولو كان الأمر متعلقًا بحياة المصريين.

زر الذهاب إلى الأعلى