في الوقت الذي تقوم فيه ما تسمَّى بحكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فايز السراج والميليشيات التابعة لتركيا بالتحرُّك تُجاه مدينة سرت الليبية استعدادًا للقيام بعملية عسكرية تتجاوز الخط الأحمر الذي أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مما قد يستدعي تدخُّل الجيش المصري على خط المواجهة، قام مولاتو تيشومي ويرتو الممثل الخاص لرئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، بزيارة مفاجئة إلى أنقرة في 16 يوليو الجاري التقى خلالها وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو.
وأكد أوغلو أن اللقاء أثمر عن الاتفاق على زيادة الزيارات المتبادلة والحوار والتعاون في جميع المجالات، خاصة التجارة والاستثمار.
مدلولات الزيارة:
تأتي أهمية هذه الزيارة في توقيتها، كونها تتزامن مع التصعيد العسكري التركي في ليبيا، وأيضًا نية أديس أبابا في بدء ملء سد النهضة بقرار منفرد، بعد إفشالها المُتعمَّد للمفاوضات مع كل من مصر والسودان، والتي جرت عبر عدة جولات على مدى 12 يومًا تحت رعاية الاتحاد الإفريقي.
وبذلك يُمكن قراءة الزيارة من خلال المصالح المتبادَلة بين الطرفين، وذلك على النحو التالي:
إثيوبيًّا:
– تسعى أديس أبابا إلى استغلال حالة العداء التركي لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونية أنقرة القيام بعملية عسكرية في مدينة سرت الليبية من أجل تنسيق المواقف معها، بحيث يتزامَنُ الإعلانُ عن بدء ملء سد النهضة مع التصعيد العسكري التركي.
– الحاجة الإثيوبية إلى الحصول على المزيد من المحفِّزات الاقتصادية والاستثمارات التركية.
– دعم أنقرة للموقف الإثيوبي في المحافل الدولية، لا سيما أن الخطوة الأحادية المرتَقَبَة بملء السد ستضع أديس أبابا في موقف حرج على الصعيد الدولي.
تركيًّا:
– تسعى أنقرة إلى محاصرة مصر وتكثيف الضغط عليها من الغرب والجنوب في آنٍ واحدٍ، وبالتالي تشتيت جهودها واستنزاف قواها.
– التأكيد على الجانب الإثيوبي بضرورة عدم التراجع أو التهاون في موقفهم المتشدد مع القاهرة بشأن ملف مفاوضات السد، خاصة وأن تركيا لها تجربة سابقة في بناء السدود مثل سد إليسو على نهر دجلة الذي يهدد بحرمان العراق من كميات كبيرة من المياه.
وتعتبر أنقرة نهر دجلة والفرات من الأنهار الوطنية الداخلية ولا ينطبق عليه ضوابط الأنهار الدولية، وهي نفس الحجة الواهية التي تعتمد عليها أديس أبابا مع القاهرة.
– توجيه رسالة تهديد لمصر بالقدرة على استهداف أمنها المائي، ظنًّا أن ذلك سيدفعها نحو التوقُّف عن دعم الجيش الوطني الليبي، والسماح بدخول قوات حكومة الوفاق مدينة سرت والسيطرة على الهلال النفطي.
إن المنطَلَق الذي تتحرك وَفْقَه الدولتان يتمثل في القناعة بأن تنسيق تحرُّكاتهما يحقق منافع مشتركة، فالتصعيد الإثيوبي في ملف سد النهضة سيُخفف الضغوط المصرية عن تركيا في الملف الليبي، كما أن التحرك العسكري التركي تُجاه سرت سيُتيح لأديس أبابا فرصة أفضل لاستكمال سياسة فرض الأمر الواقع والبدء في ملء السد.
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سعى إلى التوغُّل في إثيوبيا عبر العديد من الوسائل، منها الإنسانية والاقتصادية والعسكرية، وقد زاد هذا التوجُّه التركي بشكل خاص خلال الفترة الأخيرة للانتقام من القاهرة التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين، حيث ترى أنقرة الأردوغانية أن الشراكة مع إثيوبيا تُؤمِّن سطوة ونفوذًا قويًّا ضد مصر عبر تهديدها الدائم بملف المياه، وبذلك تُشكل أداة ضغط مستمرة.
وتُعطي هذه الزيارة إشارة إيجابية للقاهرة، مفادها أن الجانبين التركي والإثيوبي لديهما قلق وتخوُّف من رِدَّة الفعل المصرية، إزاء أي تهديد لأمنها القومي، خاصة أن الاقتصاد التركي المتراجع لا يستطيع تحمُّل الكُلفة العالية لحرب قد تطول إذا تدخَّل الجيش المصري، ومن هذا المنطَلَق، جاءت زيارة وزير الدفاع التركي خلوص أكار إلى قطر، ولقاؤه أميرَها الشيخ تميم بن حمد، يوم الأحد 19 يوليو الجاري، حسب ما أفادت به وكالة الأنباء القطرية على حسابها في تويتر، دون أن تكشف عن مزيد من التفاصيل.
فتركيا تعتمد بشكل أساسي على عناصر مرتزقة في دعمها لميليشيات حكومة الوفاق، ولذلك فإن هؤلاء المرتزقة يُحاربون مقابل المال، ومن الصعب على أنقرة تحمُّل نفقاتهم، ولذلك لجأت إلى قطر لتمويل العمليات العسكرية التي تُعتبر ضرورية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أجل السيطرة على الهلال النفطي الليبي والاستفادة من عوائده النفطية والمالية الكبيرة.