الدراسات الإعلامية

التحكم في الردود على التغريدات.. المجال العام وغرف الصدى والخوارزميات!

مقدمة:

أعلنت شبكة تويتر أنها تختبر إضافة خاصية جديدة تتيح للمغرد اختيار من يمكنه الرد على التغريدة والاشتراك في المحادثة بشأن موضوع التغريدة، وقبل ذلك أضافت الشبكة أكثر من خاصية للتحكم في الردود على التغريدات مثل إخفاء الرد أو حجب الشخص صاحب أحد الردود. وما هذه المحاولات إلا لإضافة المزيد من وسائل التحكم في المحادثات الشخصية بين الأفراد على شبكة تويتر.

ورغم أن شبكات التواصل الاجتماعي، ومن بينها شبكة تويتر بالطبع، تقوم في فلسفة عملها على كونها ساحة عامة للنقاش، والتي تفرض إتاحة الشبكة لحرية التعبير عن الرأي في الموضوعات المختلفة والاشتراك في المحادثات والنقاشات الجماعية بشأن أي موضوع أو قضية دون فرض قيود على حرية التعبير وإتاحته لكافة الأشخاص دون تمييز؛ إلا أن بعض الأشخاص استغل طبيعة شبكات التواصل الاجتماعي وحرية التعبير التي تتيحها لمستخدميها في إساءة التعبير بالهجوم غير المبرر أو الإساءة لصاحب التغريدة أو السب والقذف أو التنمر على الأشخاص وغيرها من صور إساءة استخدام الشبكة.

ولهذا عملت شبكات التواصل الاجتماعي على إضافة المزيد من الخواص التي تمكن الأفراد من التحكم في التعليقات أو الردود لكي تظل النقاشات الجماعية تتم في جو من التسامح وتقبل الرأي الآخر وإشاعة حرية التعبير دون إساءة لأحد من الأشخاص أو المعتقدات أو الأفكار.

في هذا التقرير يستعرض مركز القرار للدراسات الإعلامية المغزى من دراسة إضافة خواص جديدة للتحكم في الردود على التغريدات وجوانب الإفادة للمغرد نفسه، ولبيئة شبكة تويتر ومجالها العام والالتزامات التي يجب أن يتحلى بها المغرد عند استخدام هذه الخواص.

أنواع وسائل التحكم في الردود:

توجد وسيلتان للتحكم في الردود، هما:

الأولى: هي بعد عملية التغريد، بحيث تتم عملية التغريد وتكون الردود متاحة للجميع، وعند تقديم رد مسئ أو الحث على الكراهية يقوم المغرد بإخفاء الرد أو حجب صاحبه، وهما خاصتان متاحتان بالفعل في شبكة تويتر منذ فترة، وتتيحان للمغرد عدم إظهار ردود مسيئة تؤذي بقية الأفراد المشتركين في المحادثة، وخاصة إذا كانت هذه الردود تحمل سباً أو قذفاً أو كراهية.

الثانية: التحكم في الردود قبل عملية التغريد من الأساس، فيقوم المغرد عند كتابة تغريدته بالتحكم في تحديد من يمكنه الرد على هذه التغريدة، وهي الخاصية التي تختبرها شبكة تويتر في الفترة الحالية، وتدرس إضافتها كي يتحكم كل مغرد في الأشخاص الذين يمكنهم الرد على التغريدة، وستكون أمامه ثلاثة خيارات، هي:

الخيار الأول: إتاحة الرد لكل الأشخاص حتى لمن لا يتابعه المغرد وإنما كل المستخدمين على شبكة تويتر.

الخيار الثاني: إتاحة الرد للأشخاص الذين يتابعهم المغرد بنفسه.

الخيار الثالث: إتاحة الرد للأشخاص الذين يشير إليهم المغرد فقط داخل التغريدة.

وبمراجعة وتحليل الخيارات الثلاثة السابقة، يتضح أن دائرة حرية التعبير تبدأ متسعة ثم تضيق تدريجياً بتقليص عدد الأشخاص الذين يمكنهم الرد على التغريدة، فيكون الرد متاحاً لكل مستخدم لشبكة تويتر، ثم من يتابعهم المغرد ويتابعونه، ثم من يشير إليهم المغرد فقط في التغريدة بحيث تكون محادثة خاصة وليست عامة.

ويتفاوت الأشخاص في تفضيل أي الوسيلتين أجدى عند تغريده، بناءً على ثقافة الشخص وطريقة تفكيره ونظرته لطبيعة شبكات التواصل الاجتماعي، ويمكن أن نجد عدة أنواع من الأشخاص، يتمثلون في:

النوع الأول: أشخاص يرون أن شبكات التواصل الاجتماعي الهدف منها هو إتاحة الرأي والتعبير لكافة المستخدمين، ومن ثم يتيح التغريد لكافة المستخدمين، وإذا بدر من أحد المستخدمين رد مسيء أو سلبي للغاية يقوم بإخفائه أو حجب الشخص نفسه.

النوع الثاني: أشخاص يتجهون إلى التحكم في من يمكنه الرد منذ البداية نظراً لتخوفهم من الردود المسيئة، ولهذا يضيقون دائرة من لهم حق الرد خشية ردود تؤذي المشتركين في المحادثة الجماعية.

النوع الثالث: أشخاص يفضلون المحادثات الخاصة، لذلك يتيحون لأشخاص قليلين محددين الرد على التغريدة بحيث تكون الدائرة ضيقة للغاية وقاصرة على أشخاص قليلين، قد يكونوا اثنين أو ثلاثة فقط، وبهذا تكون المحادثة أقرب للخاصة من العامة رغم وجودها على صفحات شبكة تواصل اجتماعي عامة.

فلسفة التحكم في الردود:

ونحن بصدد الحديث عن آليات التحكم في الردود؛ تبرز لنا العديد من القضايا والإشكاليات التي تتعدى النظر لخواص التحكم في الردود في طبيعتها وإنما تنفذ إلى أعماق الفلسفة المفسرة لما وراء التحكم في الردود.

فإذا كانت شبكات التواصل الاجتماعي هي امتداد لنظرية المجال العام Public Sphere للباحث يورجن هابرماس، كونها مجالاً عاماً للنقاش يتيح التعبير الحر عن الرأي لكافة الأفراد المشتركين في هذا النقاش دون تمييز لأحد ودون فرض قيود على أحد؛ فإن هذا الطرح لابد له من تنظيم، فليس كل الأفراد المشتركين في النقاش العام لديهم نفس الضوابط الأخلاقية والنظامية للحديث، وقد يضيف أحدهم رأياً مسيئاً لأشخاص آخرين يحمل إهانة شخصية، وقد يعبر عن أفكار تتضارب مع القيم الدينية أو عادات المجتمع، أو يسيئ لجنس معين أو لصفة بشرية بعينها، وبهذا يكون من المنطقي والنافع للمجتمع أن يتم تنظيم عملية التعبير عن الرأي وإتاحة مساحة التعبير عن الرأي للشخص المنضبط الذي يستحقها.

وبالفعل تفعل شبكات التواصل الاجتماعي على اختلافها هذه الفلسفة فتتيح آليات لحجب المحتوى الذي يحمل إساءة، ولكن خوارزميات Algorithms شبكات التواصل الاجتماعي لا تسعفها في كثير من الأحيان، بل وتمارس أخطاء في تطبيق هذه السياسة، فتحجب محتوى لا يثير أية مشكلة وتتيح محتوى يعد إساءة لبعض الأفراد، ولهذا كان لابد من تنظيم أقل نطاقاً من جانب الشخص نفسه بأن يتيح التعليق أو الرد والتعبير عن الرأي لأفراد معينين يعتقد أنهم لن يسيئوا استخدام هذا الحق.

ولكن عند إتاحة هذه القدرة لشخص المغرد نفسه؛ تبرز إشكالية أخرى وهي طبيعة تحكم المغرد في هذه الخاصية وطريقة تطبيقه لها، فهناك أشخاص سيستخدمونها بغرض حجب الرد عن الأشخاص الذين يعتقد أنهم سيقدمون ردوداً مسيئة يخجل أن يشاهدها المشتركين في المحادثات على حسابه الشخصي أو يرى أنهم سيتيحون مداخلات متضاربة مع قيم دينية أو اجتماعية أو إنسانية، ولكن هناك أشخاصاً سيستخدمون هذه الخواص لحجب أي رأي يخالف رأيهم.

وهذا النوع الأخير من الأفراد يحب، ربما دون أن يدري، أن يعيش في غرفة الصدى Echo Chamber التي يتردد فيها صدى وجهة نظره هو فقط ومن يؤيده الرأي دون أي رأي مخالف، حتى ولو كان موضوع الحديث بسيطاً ولا يحمل قضية جدلية، فعندما يقوم أحد المغردين بكتابة تغريدة عن النادي الرياضي الذي يشجعه؛ فإنه قد لا يريد أن يقوم مشجعي النادي المنافس بالرد على تغريدته لأنهم بالطبع سيعارضون تشجيعه لناديه المفضل وسيطرحون رأياً مضاداً مفاده أن ناديهم هو الأفضل وليس ناديه. ولهذا فإنه يفضل الحياة في غرفة الصدى التي لا يسمع فيها إلا صدى أصوات من يؤيدونه الرأي فقط.

النموذج الأمثل:

إزاء الوسائل التي تتيحها شبكة تويتر للتحكم في الردود؛ نطرح النموذج الأمثل لهذا التحكم بما يحافظ على طبيعة شبكات التواصل الاجتماعي التشاركية ويحد من الطروحات المسيئة:

أولاً: إتاحة الرد لكافة الأشخاص طالما كان الموضوع بعيدا عن الجدلية، ولا يثير مشاكل ولا يتضمن أطروحات حادة وتصادمية، مع اللجوء إلى حجب الأشخاص وإخفاء الردود لمن يسيء في رده بالسب أو القذف أو ازدراء القيم والأشخاص.

ثانياً: الابتعاد قدر الإمكان عن المحادثات الخاصة المحصور فيها التعليق على أشخاص معينين تمت الإشارة لهم في التغريدة إلا في أضيق الحدود عندما يكون موضوعاً خاصاً وليس عاماً أو لا يهم كافة المستخدمين، وذلك لإدراك أن شبكات التواصل الاجتماعي عامة وليست خاصة وأنه يمكن استخدام الرسائل الخاصة في المحادثات الخاصة.

ثالثاً: الحرص على إتاحة التعبير عن الرأي مع تقبل الرأي المخالف لرأي صاحب التغريدة كي يستفيد من الرأي المخالف في موضوعه طالما كان هذا الرد لا يطرح أفكاراً لا تتفق مع قيم المجتمع وعاداته ولا تنتهك حقوق الأشخاص الآخرين.

زر الذهاب إلى الأعلى