تقارير

دور العرض السينمائي بين تحدّي كورونا وصعود نجم المنصات الرقمية

مع استمرار إجراءات التباعد الجسدي للحدّ من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، يطارد شبحُ الإفلاس العديدَ من دُور العرض السينمائي والمسرحي حول العالم.

ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، ووفقاً للسيناريو الأكثر تفاؤلاً، لن يتمّ إعادة فتح صالات السينما والمسارح حتى نهاية يونيو، مما سيؤدّي إلى خسارة بنسبة 30٪ في إيرادات شبابيك التذاكر، وإذا قرّر بعض رُوّاد السينما والمسرح الحذرين تَجَنُّبَ القاعات المزدحمة طوال فصل الصيف، فقد يؤدّي ذلك إلى خسارةٍ إجمالية قدرها 40٪.

وإذا شَهِد فصل الخريف موجة ثانية من الفيروس بحسب توقّعات بعض خبراء الرعاية الصحية، فقد يتم إغلاق صالات السينما ودور العرض المسرحى مجدداً، وفقدان 60٪ من إيرادات التذاكر، ومع تصاعد أعباء الإيجارات وفوائد الديون، قد تكون السينمات والمسارح مهدّدةً بالإفلاس.

كما يثور تساؤل حول الشكل الذي ستبدو عليه دور السينما والمسارح في عالم ما بَعد كورونا، وقطعاً كما هو الحال مع جميع أوجه الحياة تقريباً، سيؤثّر الوباء بشكل كبير – على الأقلّ في المستقبل القريب – على شكل صالات العرض، مع وجود مقاعدَ متباعدةٍ إعمالاً لقواعد التباعد الجسدي، وتغييرات في طرق حجز التذاكر، مثل التوسّع في استخدام ماسحات التذاكر الآلية والعديد من الإجراءات الأخرى.

دور العرض السينمائي والمسرحي .. ونزيف جماهيري متواصل

كانت صالات السينما والمسارح تصارع الخسائر حتى قبل كورونا، بعد أن فقدت جمهورها لعقود، ففي ثلاثينيات القرن الماضي، كان 65٪ من الأمريكيين يزورون دور السينما كلَّ أسبوع، أما حالياً فقد انخفضت النسبة إلى 10٪، وهذا التراجع نتاج ظهور منصاتِ ترفيهٍ أخرى، بدأت مع ظهور التلفزيون، ثم أشرطة أفلام الفيديو وأسطوانات “دي في دي – DVD”، ثم ألعاب الفيديو.

إن السرّ الخفيّ لارتفاع إيرادات المسارح ودور العرض السينمائي خلال العقد الماضي، ليس لكونها اجتذبت جمهوراً أكبر، ولكن لأنها رفعت أسعار التذاكر والموادّ الغذائية في الدور، مع إضافة تجارب مشاهدة ذات أسعار أعلى، مثل تقنية IMAX وهي نوع من أنواع الأفلام السينمائية يتمّ عرضها بآلات عرض مخصّصة صنعتها الشركة الكندية “IMAX”، وتتيح هذه التقنية تسجيل وعرض الأفلام بشكلٍ أكبر بكثير في الحجم والدقة من أنظمة السينما التقليدية.

تعرّضت دور السينما لتحدٍّ ناجم عن رغبة المنتجين والمشاهدين في إتاحة الأفلام الجديدة للعرض على جميع المنصات في وقتٍ واحد، فيما طالبت دور العرض السينمائي بعرضها حصرياً لمدة 90 يوماً، لتصبح بعدها متاحةً للمشاهدين عبر تلك المنصات الرقمية في المنازل. وأدّى رفض المنتجين لذلك الشرط، إلى منع عرض بعض الأفلام عبر دور العرض الرئيسية.

شبح الإفلاس يطارد أكبر سلاسل دور العرض السينمائي في العالم

أفادت تقارير إعلامية بأن شبكة “أي إم سي – AMC”، صاحبة أكبر سلسلة دور عرض سينمائي في العالم تصارع الإفلاس، حيث استأجرت شركة المحاماة “جيبسون دون أند كراتش – “Gibson Dunn & Crutcher لتقديم المشورة بشأن إعادة هيكلتها، وفقاً لصحيفة نيويورك بوست الأمريكية.

ويرى إريك هاندلر، المحلل في شركة MKM Partners لأبحاث السوق، أنه بالنظر إلى أن صالات العرض ستظلّ مغلقةً على الأرجح حتى أغسطس المقبل على الأقلّ، فإن الشبكة تفتقد للسيولة التي تجعلها قادرةً على التماسك كلَّ ذلك الوقت، مما يهدّدها بإعلان الإفلاس.

وحالياً في متناول يد شبكة “أي إم سي” 265 مليون دولار نقداً، بالإضافة إلى 332 مليون دولار متاحة عبر خطوط الائتمان، بينما يبلغ مُعدّل إنفاقها الشهري 155 مليون دولار، ما يعني أنها لن تستطيع الصمود لما بَعد شهر يونيو أو يوليو القادم.

وبفعل جائحة كورونا تمّ تأجيل العديد من إصدارات الأفلام، بينما انتقل البعضُ الآخر مباشرةً إلى الإصدار الرقمي، إذ أجّلت دور العرض الأمريكية البالغة 40 ألف شاشة طرح الأفلام.

وفي المقابل، أطلقت بعضُ الشركات إنتاجها رقمياً، مثل شركة “يونيفيرسال بيكتشرز – Universal Pictures”، التي طرحت فيلم الرسوم المتحركة “ترولز وورلد تور – Trolls World Tour” عبر الإنترنت أوائل الشهر الماضي، وحَقّق إيرادات بلغت 95 مليون دولار، بعد مرور 19 يوماً فقط على طرحه.

طفرة مذهلة لمنصّات العرض الرقمية.. ودخول حلبة المنافسة على الأوسكار

لقد تكهّن خبراء في صناعة السينما على مدى السنوات الأخيرة، بأن الطفرة التي لا يمكن وقفها لخدمات البثّ مثل “نيتفليكس – Netflix” و”أمازون برايم فيديو – Amazon Prime Video” يمكن أن تكون بمثابة شهادة وفاة لدور العرض.

وبينما تتوالى خسائر دور العرض السينمائي وتوقّف إيراداتها، سجّلت منصة Netflix ارتفاعاً مذهلاً في الاشتراكات خلال الرُّبع الأول من العام الحالي، حيث اشترك حوالي 15.8 مليون شخص حول العالم في الخدمة حتى مارس الماضي، وهو أكثر من ضعف ما تَوقّعه محللو وول ستريت.

ويُعدّ ذلك تسارعاً غير متوقع في هيمنة Netflix المتنامية في مجال صناعة الترفيه، في وقتٍ تواجه فيه دور العرض التقليدية واقعاً قاتماً نظراً لحظر التجمّعات، ومع إغلاق سلاسل دور السينما مؤقتاً بسبب الوباء، تم تأجيل عرض أفلام الصيف لشهور أو أكثر، لكن Netflix لم تواجه هذه المشكلة، واستمرّت في بثّ محتوى جديد.

ويؤكد رئيس المحتوى في Netflix تيد ساراندوس، أن قائمة نتفليكس لعام 2020 تمّ تصويرها إلى حدٍّ كبير، وفي مرحلةِ ما بعد الإنتاج، لذلك لا ينبغي أن يكون هناك تأخير في العرض.

ومواكبةً للتطوّرات التي أحدثها الوباء في صناعة السينما، قامت الهيئة المسؤولة عن توزيع جوائز الأوسكار بتغيير قواعدها، حتى تصبح الأفلام التي تُعرَض للمرة الأولى عبر خدمات البثّ عبر الإنترنت، أو تلك التي تُبثّ على خدمة الفيديو عند الطلب، مؤهلةً للمنافسة على الجوائز العام المقبل.

وكانت القواعد السارية تقضي بأن الأفلام لا يُمكِنها الدخول إلى دائرة المنافسة على الجوائز، إلا إذا تمّ عرضُها في دور العرض في لوس أنجلوس لمدة أسبوع على الأقل.

ولكن مع إغلاق دور العرض خلال أزمة فيروس كورونا، قال المنظمون إنّ الاستثناء “المؤقت” ضروري.

وبدأت جوائز الأوسكار في السنوات الأخيرة بالاعتراف بالأفلام التي تنتجها خدمات البثّ مثل نيتفليكس وأمازون، ولكن فقط إذا كان لهذه الأفلام أيضاً إصدار سينمائي.

عودة تدريجية مرتقبة لدور السينما .. وسط تدابيرَ وقائيةٍ مُشدّدة

تُشير دراسة لشركة EDO لاستطلاعات الرأي، بعنوان “دور السينما والتباعد الاجتماعي”، أن 75٪ من أصل 3269 شخصاً هم إجماليّ المشاركين في الاستطلاع، مستعدّون للعودة إلى دور السينما عند إعادة فتحها، إذا ما نَفّذت إجراءاتٍ معينةً للسلامة.

وحول طبيعة إجراءات الوقاية من الفيروس، رأى 91٪ من عيّنة الاستطلاع وجوب توفير أجهزةٍ لتعقيم اليدين في جميع أنحاء المبنى، في حين أيّد 86٪ أوقات عرض محدودة للسماح بفترات تنظيف بين العروض.

وتَشمل العواملُ الأخرى التي تُشَجّع الجمهور على عودة ارتياد دور السينما، ارتداء الموظفين كمامات وفقاً لـ 77٪ من المشاركين في الاستطلاع، كما رأى 70% وجوب ارتداء الجماهير كمامات، واعتبر ما يقرب من 60٪ من رُوّاد السينما، أنه من الضروري قياس درجات الحرارة قبل دخول السينما.

ويرى باتريك كوركوران، نائب رئيس الرابطة الوطنية لأصحاب المسرح في الولايات المتحدة، أن دور السينما سوف تَتكيّف مع الموقف بشكل رئيسي، عبر تطبيق ما يُوصي به مسؤولو الصحة العامة، لذلك سيكون هناك تباعد جسدي، وسيرتدي الموظفون الكمامات والقفازات، وسيكون هناك تعقيم لقاعة السينما بين كلّ عرض، حيث سيتم تعقيم المقاعد، والتنظيف المتكرر للمناطق المعرّضة للتلامس مثل مقابض الأبواب، وتوفير كمامات لرواد السينما من قبل صالات العرض.

وستَحتاج دور العرض السينمائي والمسرحي، إلى إعادة تقييم أنماط الحركة داخلها، سواء ما يتعلق بالقاعات أو الرّدهات أو حتى دورات المياه، وتدريب العاملين على التفاعل بأمان ومسؤولية مع العملاء، وتنفيذ بروتوكولات تعقيم وتنظيف متطوّرة.

كما أن دور العرض لن تَعمل بكامل طاقتها الاستيعابية للجماهير، فمثلاً تمّ إعادة فتح مجموعة من المسارح في وقتٍ سابق من الشهر الجاري في ولاية تكساس الأمريكية، على أن تستوعب جماهير بنسبة 25% فقط من طاقتها الاستيعابية، مع ضوابط متعلقة بفحص درجات حرارة الزوّار.

خاتمة..

أدى وباء كورونا المستجد إلى تسريع وتيرة التحوّل نحو متابعة الأفلام عبر المنصات الرقمية، وفرض المزيد من الضغوط على دور العرض السينمائي، ووضعها في دائرة بحث مستمر حول آليات جديدة، تكون قادرة على جذب الجماهير إلى صالات العرض، وربما يكون ذلك حافزاً نحو الاستثمار في مجالات التطوير التكنولوجي لتقنيات عرض مبهرة لا تتوفّر منزلياً.

زر الذهاب إلى الأعلى