قراءات

مسابقة لأحسن صورة على تويتر..دوافع التغريد والتفاعل الجماهيري

مقدّمة..

قام أحد المغرّدين على شبكة تويتر في المملكة، بالإعلان عن مسابقة لاختيار صاحب أفضل صورة من تصويره الخاصّ، مقابل مبلغ مالي بسيط، معتمداً على حجم الإعجاب كمعيار للفوز بالمسابقة في المركزين الأول والثاني، في حين خَصّص التقييم كمعيار لتحديد الفائز بالمركز الثالث في المسابقة، وقد اشترط متابعةَ أحدِ حسابات تويتر لدخول المسابقة.

ورغم أن المُغرّد الذي قدّم المسابقة لا يُتابعه سوى 64470 متابعاً فقط، إلا أن التغريدة لاقت تفاعلاً من مُرتادي تويتر، حيث أعاد تغريدها 2400 حساب، وأُعجب بها 13200 شخص، وبرزت من بين تغريدات المتفاعلين تغريدتا (مرزوقة) و(أبو قحط)، اللذين نالت تغريدتاهما تفاعلاً كبيراً داخل المملكة من المشاهير والمغرّدين، مثل الفنان فايز المالكي، ونجم كرة القدم ياسر القحطاني، والمطرب محمد عبده، وحساب موجز الأخبار، وهاشتاق السعودية، ومن خارج المملكة الفنان المصري محمد هنيدي، ولاعب كرة القدم فابريغاس، وكذلك أندية عالمية وعربية مثل نادي أي سي ميلان، ودورتموند الألماني، والنادي الأهلي المصري، والفيصلي الأردني، وحساب الفيفا باللغة العربية.

ورغم ما يبدو من بساطة موضوع التغريدة الأساسية والتغريدات المشاركة في المسابقة، إلا أن التفاعل الكبير معها من داخل وخارج المملكة، وطبيعة المشاركين من المشاهير السعوديين والعرب والأجانب، والمؤسسات المشاركة الشهيرة على مستوى العالم، يلفت الانتباه البحثي لمجتمع تويتر المتشابك والمُعقّد، ودوافع سلوك التغريد والتفاعل مع التغريدات، وهو ما دفع مركز القرار للدراسات الإعلامية، إلى تحليل هذه الدوافع من واقع مشاركات المغرّدين وآرائهم المتباينة.

 فكرة المسابقة ودوافع التغريد:

كما اعتادت الشركات التجارية استخدام أسلوب المسابقات في ترويج منتجاتها، عمدت كذلك إلى استخدام نفس الأسلوب في ترويج حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي، من خلال نشر تغريدة وإقامة مسابقة تشترط متابعة الحساب وإعادة تغريد التغريدة، بهدف زيادة متابعة الحسابات وتوسيع نطاق جماهيريتها، كي تزيد فرصها الإعلانية وجَنْي المكاسب المالية.

وعندما يقوم حساب مُعيّن على أيّ منصة تواصل اجتماعي بالإعلان عن مسابقة، فإنه عادةً ما يُقدّم مبالغ مالية بسيطة، كنوع من تشجيع المشاركين وزيادة أعداد جمهور التغريدة ومتابعة الحساب والتفاعل معه، وقد تزداد المبالغُ المالية أو الهدايا والجوائز المقدّمة في حالة أصحاب الحسابات من المشاهير وكبار الشخصيات، والذين لا يَكتفون بتقديم مبالغَ ماليةٍ للفائزين، وإنما يدفعون لمشاهير وحسابات شهيرة لجهات معروفة، لتشارك في المسابقة بالتفاعل، كنوعٍ من توسيع نطاق وصول التغريدة وجماهيرية الحساب، ولكن ذلك ما تقوم به شركاتٌ كبرى لتسويق منتجاتها، أو منظمات كبرى تَسعى لترويج بعض الفعاليات الكبيرة، التي تُنظّم على مستوى دولي أو إقليمي أو وطني.

لكن هذه الاحتمالات تتراجع في حالة حِسابٍ لا يُتابعه سوى 64470 متابعاً فقط، أما الحساب الذي اشترطت المسابقة متابعته فلا يُتابِعُه سوى 16269 متابعاً فقط، فهذه الحسابات التي تمتلك أعداد متابعة قليلة، لا تستطيع أن تدفع مبالغَ ماليةً لمشاهير أو لحسابات شهيرة كي تشارك في التغريدة، إلا إذا كان الحساب المعلِنُ عن بالمسابقة سيقوم بالترويج لجهاتٍ أو منتجاتٍ معينة أو فعاليات كبرى في المستقبل، بينما تتولّى الجهات المسئولة عن ذلك تمويل نشاط الترويج، وفي حالة تحقّق ذلك السيناريو، فإنه يُعدّ أسلوباً تسويقياً ذكياً، يَجمع بين العديد من الحسابات الشهيرة مختلفة الاهتمامات والتخصصات.

أما السيناريو الثاني لهذا السلوك والذي يفرض نفسه بقوة، هو حالة الحزن والاكتئاب التي خَيّمت على منصات التواصل الاجتماعي في ظلّ جائحة كورونا، والتي جعلت المغرّدين يركزون على أخبار الإصابات المتزايدة وحالات الوفيات، وتأثّر الأنشطة الاقتصادية، وهو ما قد يدفع الجمهور للتفاعل مع هذه النوعية من التغريدات بدافع التسلية والترفيه، والخروج من حالة الحزن إلى أجواء السعادة والفرح، وخاصة مع قرب موعد عيد الفطر المبارك، الذي يحلّ في ظلّ أجواء منع التجول.

وإذا كان سلوك التغريد في هذه المسابقة يَتأرجح بين السيناريو التسويقي وسيناريو التسلية والترفيه، فثمّة ثالث يَجمع بين السيناريوهين السابقين، وهو أن بداية فكرةِ التغريدة والمسابقة جاءت عفوية، وربما بهدف التسلية، إلى جانب زيادة متابعة الحساب المُغرِّد والحسابِ الآخر الذي اشترطت المسابقة متابعته، ثم قام المشاركون في المسابقة، خاصة من المؤثرين والمشاهير، بـ “منشن” المشاهير وعدد من الحسابات لزيادة ترويج التغريدة، والحصول على أصوات من هذه الحسابات ومتابعيها للفوز بالمسابقة، ومن هؤلاء المشاهير الفنان المصري محمد هنيدي، الذي أقام تصويتاً على حسابه الشخصي، كي يُقرّر لمن يذهب صوته في هذه المسابقة، وشارك في التصويت لديه حتى وقت إجراء الدراسة أكثر من نصف مليون متابع، وهو سلوك متفرّد لشخص يُشارك في مسابقة، وطبيعة فريدة لهذه المسابقة، ثم دخلت على الخطّ الشركات التجارية التي استغلّت الفرصة لترويج منتجاتها، من خلال تقديم تخفيضات على منتجاتها لمن يُصوّت لأحد أصحاب الصور في المسابقة.

وتُرجّح الدراسة السيناريو الثالث، الذي يؤكد الخيوطَ المتشابكة لمنصة تويتر وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي، كونها مجتمعاً متداخلاً ومترابطاً إلى حدّ كبير، ويصعب فهمه جيداً ودراسته على نحو دقيق، بمعزل عن سياقه المجتمعي والنوازع الشخصية والتجارية والمزاج العام للمجتمع.

 دوافع التفاعل الجماهيري:

حتى إذا كانت هناك تفاعلات لها مصالح معينة في هذه الحالة، كالشركات التجارية التي تودّ الترويج لمنتجاتها، أو الحسابات التي تودّ زيادة متابعيها، إلا أن هدف القاعدة العريضة من المشاركين من أفراد الجمهور العادي، تتركز في البُعد النفسي للجماهير، ففي ظلّ جائحة كورونا وحالة الكآبة والحزن التي تُخيّم على دول العالم أجمع، وسيطرة أخبار الوفيات والإصابات بفيروس كورونا، وتوقّف النشاط الاقتصادي والرحلات الجوية الدولية التي كانت تفسح المجال للسياحة والترفيه بالسفر إلى البلدان المختلفة، يُصبِح البحث عن المتعة الروحية وتغيير الحالة المزاجية إلى الأفضل، دافعاً مهماً لأفراد الجمهور.

فالجمهور يودّ الخروج من حالة التركيز على الأخبار الجادّة والحزينة، إلى الموضوعات الخفيفة والمسلية، التي تتركز وظيفتها في التسلية والترفيه وتمضية الوقت في نشاطٍ ذهني خفيف، ينقل الفرد من حالة المزاج الحزين إلى المزاج السعيد.

وهذا ما يُفسّر أرقام التفاعل الكبيرة مع المشاركين الأوائل من المتسابقين، فحتى كتابة هذه الدراسة، تفاعل مع تغريدة (مرزوقة) 1,885,063 شخصاً، وهو رقم كبير يقترب من مليوني شخص، أما (أبو قحط) فتفاعل مع تغريدته 1,112,207 أشخاص، ما يعني أن أعداد المصوّتين للمتسابقين فقط يَقترب من 3 ملايين شخص، وهو عدد لا يستطيع تفسيره عاملُ التسويق والترويج وحده، وإنما يفسّره عامل تغيير الحالة المزاجية لأفراد الجمهور، في الظروف التي يعيشها العالم، والبحث عن المتعة والترفيه.

زر الذهاب إلى الأعلى