الدراسات الإعلامية

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. أجندة قطرية ضد السعودية

كشف التناقض والازدواجية، في خطاب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تلك المنظمة المقربة من جماعة الإخوان المسلمين، عن زيف ادعاءات ومزاعم الاتحاد بشأن استقلاله واعتباره هيئةً علمية عالمية، تضم نخبة من علماء المسلمين تدعو للسِّلم والتعايش.

وبيّنت مواقف الاتحاد المتباينة من المملكة العربية السعودية، عقب قرار الرباعي العربي بمقاطعة قطر بسبب دعمها للإرهاب، وتحوّل خطابه من النقيض إلى النقيض، ومن الوُدّ الى العداء، أن الاتحاد بمثابة أداةٍ من أدوات السياسة الخارجية القطرية، وأنه يعمل على تنفيذ أجندتها والدفاع عن مصالحها.

فقد تأسّس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في مدينة “دبلن” بإيرلندا عام 2004، ومع بداية عام 2011 – وهو العام الذي شهد ذروة أحداث ما أُطلق عليه الربيع العربي – تم نقل المقرّ الرئيسي للاتحاد إلى العاصمة القطرية الدوحة، بناءً على قرار من المجلس التنفيذي للاتحاد.

وفي أبريل 2011 انضم الاتحاد إلى موقع “تويتر” ويتابعه الآن (٢٠٤٫٣) ألف شخص.

يدّعي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الاستقلالية عن حكومات الدول، ويزعم أنه يهدف إلى التعايش السلمي مع سائر البشرية

يُعرّف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين نفسه، بأنه مؤسسة إسلامية شعبية ذات نفع عام، يضم أعضاء من بلدان العالم الإسلامي ومن الأقليات والمجموعات الإسلامية خارجه، واصفاً نفسه بأنه مؤسسة مستقلة عن الدول، وله شخصية قانونية وذمة مالية خاصة.

ويقول الاتحاد إن رؤيته هي “أن يكون مرجعيةً شرعية أساسية في تنظير وترشيد المشروع الحضاري للأمة المسلمة، في إطار تعايشها السلمي مع سائر البشرية”.

من العَرْض التعريفي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فإنه يدّعي الاستقلالية عن حكومات الدول، ويهدف إلى التعايش السلمي مع سائر البشرية.

ومن أجل استكشاف مدى صحة هذا الادعاء، قام مركز القرار للدراسات الإعلامية، بإجراء دراسة تحليلية لموقع الاتحاد على “تويتر”، منذ بداية انضمامه إليه، وحتى نهاية يوليو 2019 – وقت إجراء الدراسة – وذلك باستخدام أسلوب المسح الشامل لجميع التغريدات التي نشرها الاتحاد خلال هذه الفترة وتناولت المملكة العربية السعودية.

أظهرت نتيجة التحليل أن مجموع التغريدات محلّ الدراسة بلغت (124) تغريدة.

تحوّل خطاب تغريدات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تجاه السعودية من النقيض للنقيض، وبعدما كان يتسم بالإيجابية نحو المملكة، تحوّل إلى خطاب هجومي بشكل لافت.

وكان من الواضح أن تاريخ 5 يونيو 2017 كان مفصلياً وبمثابة نقطةٍ فارقة في خطاب التغريدات التي تتناول المملكة العربية السعودية، وهو اليوم الذي صادف قرار الدول العربية الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر بسبب دعمها للإرهاب واتباعها سياسات عدائية ضد الدول الأربع.

فتحوّل خطاب تغريدات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تجاه السعودية من النقيض للنقيض، وبعدما كان يتّسم بالإيجابية نحو المملكة، تحوّل إلى خطاب هجومي بشكل لافت. ما يُشير إلى أن الاتحاد، وبعكس ما يزعمه، مُرتهن لسياسة الدوحة ويقف معها في خندق واحد ضد خصومها أو ضد من يُعارض توجهاتها، وأنه مؤسسة مُسيّسة يتم توجيهها خدمة لمصالح حكومة قطر.

وتمثّل التحوّل في خطاب التغريدات محلّ الدراسة، في عدد من القضايا، منها:

أولاً: الموقف من الأحداث الإرهابية التي تتعرّض لها المملكة

حرص حساب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على إدانة الهجمات الإرهابية التي وقعت في السعودية، غير أنه تجاهل إدانة تلك الهجمات عقب قرار مقاطعة قطر

  • قبل قرار المقاطعة:

اتخذ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قبل مقاطعة السعودية لقطر موقفاً مؤيداً وداعماً للمملكة ضد الأحداث الإرهابية التي تعرّضت لها، ومن أمثلة ذلك:

  • القره داغي: ندين الحادث الإرهابي على الحدود الشمالية للمملكة العربية السعودية، فأمن المملكة من أمن المسلمين، اللهم احمِ بلاد الحرمين من كل عابث. 6 يناير 2015.
  • الاتحاد يدين ويستنكر بشدة حادث التفجير الآثم بمسجد الإمام علي بن أبي طالب بمحافظة القطيف بالمملكة العربية السعودية. 23 مايو 2015.
  • تقدم الاتحاد بخالص التعازي، في ضحايا الحادث، للمملكة العربية السعودية ملكاً وشعباً وحكومة، وإلى أهالي الضحايا، ودعا للمصابين بالشفاء العاجل. 23 مايو 2015.
  • راشد الغنوشي: نندّد بالهجوم الإرهابي الغاشم الذي ضرب السعودية، ونتضامن مع أشقائنا في مصابهم ونعزيهم في الشهداء الذين سقطوا بيد الغدر. 7 أغسطس 2015.
  • تصريح: القره داغي يستنكر الهجوم على مسجد “الرضا” بالإحساء شرق السعودية. 30 يناير 2016.
  • بيان من اتحاد علماء المسلمين بشأن التفجيرات الإرهابية التي وقعت بالمملكة العربية السعودية. 5 يوليو 2016، وجاءت التغريدة مصحوبة برابط البيان الذي جاء فيه أن الاتحاد يدين بشدة التفجيرات الإرهابية بالمملكة العربية السعودية، ويصف تلك التفجيرات بالمنحرفة والمجرمة، ويؤكد وقوفه مع المملكة ضد الإرهاب والتطرّف والتشدد.
  • بيان الاتحاد أعلن عن تضامنه مع المملكة العربية السعودية في دفاعها عن المشاعر المقدسة، ويثمن انتباه قواتها لاعتراض هذا الصاروخ. 30 أكتوبر 2016. وجاءت هذه التغريدة بمناسبة إطلاق ميليشيا الحوثي لصاروخ باليستي من طراز “سكود” باتجاه منطقة مكة المكرمة من الأراضي اليمنية في 28 أكتوبر 2016، إلا أن قوات الدفاع الجوي السعودية اعترضته.

هذه مجرد أمثلة للتغريدات التي نشرها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، على موقعه في “تويتر” بخصوص السعودية قبل مقاطعتها لدولة قطر، وتُظهر دعم الاتحاد ووقوفه إلى جانب المملكة ضد الحوادث الإرهابية التي تعرّضت لها.

  • بعد قرار المقاطعة:

تجاهلت تغريدات الاتحاد المنشورة على موقعه في “تويتر” بعد قرار المقاطعة، إدانة الحوادث الإرهابية التي تعرّضت لها المملكة، مثل حادث الزلفي الإرهابي، وتَعَرُّض ناقلات النفط السعودية لهجمات إرهابية من قِبل ميليشيا الحوثي والأذرع الإيرانية، واعتداءات الحوثي المتكرّرة على مطاري أبها والملك خالد، وغيرها من حوادث تمّت إدانتها على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

هذه النتيجة تُؤشر إلى أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مسيّس وموجه، وتابع لأجندة سياسية وليست دينية أو حتى إنسانية كما يدّعي.

ثانياً: صورة المملكة العربية السعودية

  • قبل قرار المقاطعة:

اتسمت الصورة الذهنية للمملكة العربية السعودية بالإيجابية والتقدير في خطاب تغريدات الاتحاد قبل قرار مقاطعتها لدولة قطر، ومن التغريدات الدالة على ذلك:

  • الغنوشي: السعودية هي عاصمة دول الخليج، فمن يتطلع لعلاقات مع الخليج فالمملكة هي البوابة، ونحن لا نتمنى للمملكة إلا كل الخير فهي قبلة المسلمين. 23 ديسمبر 2011.
  • بيان الاتحاد طالب الحلف العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية باستعادة الحقوق من الانقلابيين وتسليمها إلى أصحابها والانتصار لشرعية اليمن. 27 مارس 2015.
  • خبر: الشيخ “القرضاوي” يثني على السعودية. 16 أكتوبر 2015.
  • إضافة إلى ذلك نشر الاتحاد على حسابه في تويتر عدداً من المقالات التي تُشيد بالمملكة العربية السعودية.

 

  • بعد قرار المقاطعة:

ظهر جليّاً تحوّل خطاب تغريدات الاتحاد تجاه المملكة بشكل سلبي، فبدأ بدعوة السعودية إلى ضرورة المصالحة مع قطر

بعد اتخاذ المملكة العربية السعودية قرار مقاطعة قطر بسبب دعمها للإرهاب وسياساتها العدائية الموجهة ضد السعودية، ظهر جليّاً تحوُّل خطاب تغريدات الاتحاد تجاه المملكة بشكل سلبي، فبدأ بدعوة السعودية إلى ضرورة المصالحة مع قطر، وعندما لم يجد تجاوباً من المملكة، كنتيجة طبيعية لعدم استجابة قطر للمطالب المقدّمة لها بهدف تغيير نهجها وسياساتها المعادية، اتخذ خطابُ الاتحاد الطابعَ الهجومي ضد السعودية، وكال الاتهامات والادعاءات ضد القيادة السعودية.

وتأكيداً على هذه النتائج، تم إجراء مستوى ثانٍ من التحليل، اعتمد على أسلوب المسح الشامل أيضاً لجميع التغريدات التي نشرها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على تويتر، بعد قرار المقاطعة في 5 يونيو 2017 ولمدة عشرة أيام، وذلك لتحليل خطاب التغريدات التي نشرها الاتحاد بخصوص قرار المقاطعة خلال هذه الفترة، بهدف التعرّف على موقفه من المقاطعة.

وجاءت النتائج مطابقة لنتائج المستوى الأول من التحليل، حيث أظهرت ما يلي:

اهتمام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بقرار الدول العربية الأربع بمقاطعة قطر، واتخاذه موقفاً منحازاً للدوحة ضد الدول العربية، وكان الطرح الأساسي لتغريدات الاتحاد هو ضرورة إجراء المصالحة وبشكل خاصّ بين المملكة وقطر، معتمداً على مجموعة من الحجج والبراهين لإثبات أهمية المصالحة، تم تأطيرها كما يلي:

  • الإطار الديني:

استغل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدِّين في تبرير وجهة نظره بضرورة إجراء المصالحة، متغاضياً عن الأسباب التي اضطرت الدول العربية لاتخاذ إجراء المقاطعة، وتمثلت الحجج الدينية التي اعتمد عليها خطاب التغريدات في “تحريم المقاطعة شرعاً”، ومن الأمثلة الدالة على ذلك:

  • تصريح: القره داغي يدعو للحوار بين الأشقاء ويأمل في صلح قريب ويراه واجباً، فالقطيعة محرّمة في الشريعة الإسلامية. 7 يونيو 2017.
  • القره داغي: القطيعة لا تجوز شرعاً، خاصة إذا كانت بين دول شقيقة أصولها ممتدّة على طول الخليج، وتربط بينها صلة النسب والدم #قطر #السعودية #البحرين. 7 يونيو 2017.
  • د. أحمد الريسوني يؤيد ويتبنى فتوى الشيخ حامد بن عبد الله العلي في شأن الحصار على #قطـر. 7 يونيو 2017. وجاء في رابط الفتوى المصحوب للتغريدة أن “الدكتور أحمد الريسوني نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يؤيّد ويتبنّى فتوى العالم الكويتي الشيخ حامد بن عبد الله العلي، في شأن الحصار الجائر الباغي على قطـر وسكانها”. وتضمنت الفتوى تحريمَ كلِّ صور البغي والعدوان ومنها حصار المسلم لأخيه، متهماً المملكة بحصار شعب بأكمله.
  • الريسوني: يجب على أهل العلم البيان الواضح في تحريم هذا الحصار البشع الشنيع على أهل #قطر، وأنّ الساكت شيطان أخرس. 7 يونيو 2017.
  • القره داغي: نؤكد على حرمة حصار أي دولة مسلمة، فضلاً عن حصار دولة مسلمة جارة، اجتمع فيها حق الإسلام وحق الجوار، لما يترتب على ذلك من إيقاع الضرر. 12 يونيو 2017.
  • القره داغي: ندعوا علماء الأمة عامة والعلماء الأعضاء في الاتحاد خاصة للقيام بدورهم الشرعي في السعي إلى إصلاح ذات البين. 12 يونيو 2017.
  • الإطار السياسي:

خطاب تغريدات الاتحاد استخدم نفس الخطاب الرسمي القطري في توصيف إجراء المقاطعة، والتي وصفها بالحصار

  • كتب الدكتور علي القره داغي: “رغم أن إخوة يوسف كانت تجمعهم قرابة الدم، إلا أن الشيطان استطاع أن ينزغ بينهم فتآمروا عليه وأرادوا قتله! شياطين الإنس أحياناً أشدّ من الجن!”. 6 يونيو 2017.
  • الريسوني: ندعوا العلماء وقادة الرأي وأهل الغيرة على أمتهم، إلى تمزيق وثيقة الحصار على قطر، كما سعـى الشرفاء من قريش وهم على جاهليتهم!. 7 يونيو 2017.
  • الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يدعو إلى تغليب لغة العقل والحكمة، والمسارعة بالجلوس إلى حوار من أجل الخروج من الأزمة. 12 يونيو 2017.
  • القره داغي: تم إضعاف الأمة بإزالة الأخوة الإسلامية والعربية والفلسطينية جمعاء، حتى أصبح كل إنسان معزولاً عن أخيه، وهذه هي سياسة فرّق تسد. 15 يونيو 2017.

كان من اللافت أن خطاب تغريدات الاتحاد، استخدم نفس الخطاب الرسمي القطري في توصيف إجراء المقاطعة، والتي وصفها بالحصار.

ولوحظ أن كثيراً من التغريدات مزجت الإطارَ الديني بالسياسي وأيضاً الإنساني، الأمر الذي يُدلّل على أن تغريدات الاتحاد سعت إلى تحقيق أهدافها السياسية، عبر استغلال العاطفة الدينية والإنسانية.

ختاماً.. فقد أكدت نتيجة الدراسة أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ليس مؤسسةً مستقلة كما يدّعي في تعريفه بنفسه، ولا يتقيّد بالمبادئ التي يزعم أنه يسير وفقها، وإنما تم تأسيسُه خدمةً للمصالح القطرية، وتنفيذاً لسياسات الدوحة التي تحتضن مقرّه الرئيسي.

زر الذهاب إلى الأعلى