شكلت مباحثات سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مدينة نيوم، دفعة جديدة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، بما يحقق المصالح المشتركة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والتنموية، وكذلك التنسيق إزاء القضايا الإقليمية.
وقد أظهرت مخرجات تلك المباحثات رؤية سعودية مصرية واضحة لمخاطر الوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتحديد مسارات تحرك عاجلة وآليات لمعالجة الوضع في القطاع، مما يعيد الاستقرار إلى الإقليم عبر حلول عادلة تستند إلى أحكام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي تحفظ حقوق الشعب الفلسطيني.
- توقيت مباحثات نيوم
جاءت مباحثات سمو ولي العهد والرئيس السيسي في توقيت بالغ الأهمية بالنظر إلى الوضع الإقليمي الراهن، فعلى امتداد الخريطة ثمة بؤر ساخنة لصراعات وأزمات في مقدمتها الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة مع بدء إسرائيل المرحلة التمهيدية لإعادة احتلال مدينة غزة ضمن عملية “عربات جدعون2 ” الرامية إلى تهجير الفلسطينيين نحو جنوب القطاع في تجاهل لمسار المفاوضات بعد تقديم الوسطاء المصريين والقطريين مقترحًا جديدًا لوقف إطلاق النار في القطاع قبلته حركة حماس الفلسطينية، فضلًا عن مصادقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مشروع استيطاني في المنطقة (E1) شرق القدس المحتلة الذي يهدف إلى فصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية في تحرك إسرائيلي يهدف إلى القضاء على حل الدولتين، وكذلك التصريحات الصادرة عن رئيس وزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حيال ما يسمى “رؤية إسرائيل الكبرى” التي قوبلت بتنديد عربي وإسلامي واسع، وتحذير من أن استناد إسرائيل لأوهام عقائدية وعنصرية ينذر بتأجيج الصراع، ويهدد الأمن الإقليمي والدولي.
وكذلك التوترات في سوريا عبر محاولات لإثارة فتن طائفية برزت في أحداث السويداء والتصعيد العسكري الإسرائيلي الذي ظهر جليًا في تلك الأحداث، فضلا عن التطورات في لبنان بعد قرار الحكومة اللبنانية حصر السلاح بما في ذلك سلاح “حزب الله” بيد الدولة، ورفض الحزب للخطوة وتلويحه بحرب أهلية.
وإلى الجنوب، تبرز هجمات الحوثيين في البحر الأحمر التي أدت لاضطراب في حركة الملاحة، وتداعيات جسيمة على حركة التجارة العالمية.
ومن بين الملفات الإقليمية الساخنة أيضًا الجمود الراهن فيما يتعلق بالمفاوضات النووية الإيرانية في ظل اقتراب انقضاء مهلة أوروبية لطهران للعودة إلى المفاوضات وإلا سيتم إعادة تفعيل العقوبات الأممية على إيران، وتؤجج من خطورة ذلك الوضع مؤشرات- ظهرت في تصريحات إيرانية وإسرائيلية- على احتمال اندلاع مواجهة عسكرية جديدة بين طهران وتل أبيب بعد الحرب التي استمرت اثني عشر يومًا في يونيو الماضي.
- مضامين ورسائل المباحثات السعودية المصرية
تضمنت مخرجات المباحثات بين سمو ولي العهد والرئيس السيسي – التي يمكن استخلاصها من البيان الصادر عن الرئاسة المصرية -، مجموعة من الرسائل ذات الصلة بالعلاقات بين البلدين، والرؤية المشتركة للملفات الإقليمية، تمثلت فيما يلي:
أولًا: العلاقات الثنائية
- مواصلة البناء على ما تحقق من نقلة نوعية في العلاقات الثنائية بما يُسهم في تعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية، ويواكب تطلعات الشعبين الشقيقين.
- التأكيد على أهمية تعزيز الاستثمارات المشتركة.
- الإسراع في تدشين مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي باعتباره إطارًا شاملًا لتطوير العلاقات على كافة المستويات.
- إطلاق مزيد من الشراكات في مجالات التكامل الصناعي، وتوطين الصناعات التكنولوجية والنقل والطاقة الجديدة والمتجددة والتطوير العمراني.
مما لا شك فيه أن تلك المخرجات تأتي على قدر خصوصية العلاقات بين البلدين الشقيقين والقيادتين السياسيتين، كما أنها تعزز من مسيرة النهضة والازدهار في البلدين، وتفتح آفاقًا واسعةً للتعاون التنموي في ظل فرص كبرى تتيحها الخطط التنموية ممثلة في رؤية السعودية 2030 ورؤية مصر 2030، ما يجعل من العلاقات السعودية المصرية نموذجًا يحتذى به في التعاون العربي المشترك.
ثانيًا: التطورات الإقليمية
- دعم مصر للمبادرات السعودية بشأن القضية الفلسطينية وآخرها مخرجات مؤتمر “حل الدولتين”.
- تشديد السعودية ومصر على ضرورة الإسراع في إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة دون عوائق والإفراج عن الرهائن والأسرى.
- رفض أية محاولات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم أو إعادة فرض الاحتلال العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة.
- ضرورة وقف الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
- مواصلة التنسيق والتشاور المشترك في ظل التطورات المتسارعة بمنطقة الشرق الأوسط.
- أهمية دعم استقرار دول المنطقة والحفاظ على وحدة أراضيها وسلامة مؤسساتها الوطنية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التوافق السعودي المصري في الرؤى إزاء أزمات المنطقة يعد نتاجًا لنهج السياسة الخارجية العقلانية المتزنة التي تتبعها الدولتان، حيث ترتكز على تعزيز الأمن والسلم الإقليمي، والتمسك بمبادئ القانون الدولي وتجنب اللجوء إلى القوة في حل النزاعات، بجانب الحرص على الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها ووحدتها، وتبني مبدأ حُسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن القمة السعودية المصرية في نيوم تُظهر متانة الشراكة الاستراتيجية بين الرياض والقاهرة، التي تعزز من القدرة على مجابهة التحديات التي تواجه المنطقة العربية وعلى رأسها المحاولات الخبيثة لتصفية القضية الفلسطينية.