تقدير موقف

الشرق الأوسط في مائة يوم من ولاية ترامب الثانية

تميزت أول 100 يوم من الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بما يمكن القول بأنه أكبر تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية منذ عام 1945، فقد دخل في عداوة مع حلف شمال الأطلسي “الناتو” وانقلب على أوكرانيا، وفرض رسوما جمركية على حلفاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، وتجاهل المؤسسات الدولية.

وبالنظر إلى منطقة الشرق الأوسط تلك البقعة الساخنة ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية الحيوية بالنسبة للعالم، نجد أن ترامب وإدارته لم يحققا حتى الآن أي اختراق في سبيل حلحلة أزمات المنطقة المتشابكة.

  • مبدأ ترامب في السياسة الخارجية

يرى ماثيو كرونيج نائب رئيس مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن، أنه خلافًا للتقييمات السائدة بأن الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة لا يمكن التنبؤ بتصرفاته إطلاقًا، فإن سياسته الخارجية تقوم على رؤية للعالم تتكون من ثلاث ركائز رئيسية، وهي:

أولًا يؤمن ترامب بمبدأ “أمريكا أولاً”، وهو أكثر من مجرد شعار. فبينما قسّم الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن العالم بين الديمقراطية والاستبداد، ويتحدث بعض خبراء السياسة الأمريكية عن الحلفاء مقابل الخصوم أو الدول المتقدمة مقابل الدول النامية، ترسم خريطة ترامب الذهنية خط الصدع العالمي الرئيسي بين الولايات المتحدة وجميع الدول الأخرى. فمن وجهة نظره، تقف الولايات المتحدة بمعزل عن غيرها.

أما الركيزة الثانية لعقيدة ترامب- في ولايته الثانية- فهي أن الولايات المتحدة تتعرض للخداع، وتتحمل عبء القيادة العالمية بشكل مفرط. وكان الرؤساء السابقون إما أغبياء أو ضعفاء- على حد تعبير ترامب-، مما سمح للخصوم والحلفاء على حد سواء باستغلال ثروة الولايات المتحدة وقوتها وحسن نواياها. والنتيجة، في رأيه، هي صفقات تجارية غير عادلة، وحلفاء مستغلون، وحدود مفتوحة تُسهّل تدفق المخدرات والمجرمين من دول أخرى. ويرى ترامب أن وظيفته كرئيس هي تصحيح هذه الأخطاء والحصول على صفقة أفضل للشعب الأمريكي.

وبالنسبة للركيزة الثالثة فتتمثل في أسلوب معالجة هذه الاختلالات العالمية، وهو التصعيد لتهدئة الوضع. فكما كتب ترامب في كتابه “فن الصفقة”، فإن استراتيجيته التفاوضية المفضلة تتمحور حول التهديد والمطالبة المبالغ فيها لإرباك الطرف الآخر في التفاوض، ودفعه في النهاية إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق.

ويفسر هذا الإطار جزءًا كبيرًا من السياسة الخارجية التي ينتهجها ترامب منذ توليه منصبه في 20 يناير الماضي، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط لا سيما نهجه في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني.

  • التعامل مع الشرق الأوسط

احتل الشرق الأوسط مكانة بارزة في دوائر حركة السياسة الخارجية الأمريكية حيث يعمل ترامب على تعزيز علاقات التعاون مع دول المنطقة لا سيما دول الخليج العربي من خلال الاستثمارات والصفقات التجارية الضخمة، والاعتماد على المملكة العربية السعودية في جهود الوساطة بين أطراف أعقد النزاعات الدولية – الحرب الروسية الأوكرانية- حيث استضافت مفاوضات أمريكية أوكرانية وكذلك أمريكية روسية، كما يسعى ترامب إلى احتواء مخاطر أمنية من خلال التهديد باستخدام القوة العسكرية.

وترى ستيفاني هاوشير علي  الزميلة غير المقيمة في مركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلنطي، أن ترامب لا يريد أن تتورط الولايات المتحدة في حروب طويلة وبعيدة. ومع ذلك، فقد اضطر العديد من الرؤساء الأمريكيين السابقين إلى التركيز على الشرق الأوسط، سواء أرادوا ذلك أم لا. وحتى الآن، يستخدم ترامب وفريقه القوة ويهددون بها في آنٍ واحد لمحاولة كبح جماح الصراع.

  • المفاوضات النووية الإيرانية

عقدت إدارة ترامب جولتين من المفاوضات مع الإيرانيين، مع خطط لمزيد من الجولات. ومع ذلك، يوجد داخل فريق ترامب وجهات نظر متضاربة حول ما إذا كان ينبغي تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل- كما دعا مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو- أو إخضاعه لـ “برنامج تحقق” -كما قال كبير مفاوضي ترامب، ستيف ويتكوف-، ورقابة دولية صارمة.

علاوة على ذلك، يلوح في الأفق تهديد الرئيس الأمريكي بأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي، فسيكون هناك “قصف لم ير الإيرانيون مثله من قبل”. وهنا يثار تساؤل مفاده أي نهج سينتصر: المفاوضات أم العمل العسكري (بدعم إسرائيلي أو بدونه)؟.

وقد أبدت إيران انفتاحها على المحادثات غير المباشرة التي تستضيفها عُمان، لكنها هددت أيضًا بالسعي إلى امتلاك أسلحة نووية إذا تعرضت لهجوم من الولايات المتحدة. وحتى الآن، لا يوجد حديث عن إدراج قضية دعم إيران لجماعات مثل الحوثيين و”حزب الله” اللبناني في المفاوضات.

ويعتبر ستيفن كوك، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أن خطاب ترامب العدواني يعد الدليل الأكيد على عدم رغبته في استخدام القوة العسكرية ضد النظام الإيراني، إذ يبدو حاليًا أن ترامب مستعد للموافقة على اتفاق يشبه إلى حد كبير “خطة العمل الشاملة المشتركة” (الاتفاق الذي انسحب منه في مايو 2018)، ربما يُعاد تسميته بخطة عمل ترامب الشاملة، ويُعلن أنها أعظم اتفاقية للحد من الأسلحة على الإطلاق. قد يكون هذا أمرًا جيدًا للسلام العالمي، ولكنه قد يُؤجل المشكلة ويمنح شريان حياة للنظام الإيراني.

  • الضربات على الحوثيين في اليمن

هل ستنجح الحملة العسكرية الجديدة لإدارة ترامب في القضاء على قدرات الحوثيين ورغبتهم في مهاجمة أهداف في البحر الأحمر؟ أم ستستمر هذه العملية العسكرية بتكلفة باهظة على الولايات المتحدة، دون أن تُحدث أي تغيير في سلوك الحوثيين؟ لقد استخدمت الولايات المتحدة ذخائر تزيد قيمتها على مائتي مليون دولار في ثلاثة أسابيع فقط، ويخشى بعض المخططين  الأمريكيين من أن كمية الأسلحة المستخدمة تُقلل من الإمدادات التي قد تكون ضرورية لحالات طوارئ عالمية أخرى.

  • الحرب في غزة

أجبر ترامب إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية على قبول وقف إطلاق النار الذي تفاوض عليه الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، لكن الرئيس الجمهوري ومبعوثه ستيف ويتكوف لم ينجحا في البناء علي هذا الاتفاق حتى الآن. وبدلًا من ذلك، يدعم البيت الأبيض حاليًا هجومًا إسرائيليًا متجددًا على قطاع غزة، يهدف إلى الضغط على حماس لتسليم المحتجزين الإسرائيليين المتبقين أو القضاء على الحركة.

وختامًا، من الإنصاف القول بأنه من الصعوبة بمكان تحقيق إنجازات أو اختراقات كبرى في ملفات شائكة ومعقدة كتلك المتعلقة بالشرق الأوسط في مائة يوم، لكن أثار ترامب وخطابه السياسي كثيرا من التوقعات بأن تغييرات كثيرة وسريعة ستتحقق في المنطقة، ويبقى الترقب لما ستشهده خلال أكثر من 1300 يوم مقبلة في ولاية ترامب الرئاسية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى