تقارير

تعريفات ترامب الجمركية وخطر الحرب التجارية العالمية

تعرضت الأسواق العالمية إلى زلزال قوي منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على أكثر من 180 دولة، والذي قابلته الصين بفرض رسوم انتقامية على السلع الأمريكية بنسبة 34%، وتلويح أوروبي أيضًا باتخاذ إجراءات تجارية ضد واشنطن رفضًا للتعريفات التي تعد الأكبر منذ عام 1910، فيما تكبد أثرياء العالم خسائر بقيمة 208 مليارات دولار في يوم واحد.

ويُعد إعلان ترامب من أكثر التحركات الاقتصادية الأمريكية أهمية خلال العقود الماضية، وربما التغير الأكثر دراماتيكية منذ اتفاقية بريتون وودز لعام 1944 الذي أنهى الحمائية، الأمر الذي دفع صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية لوصف ما حدث بـأنه “عصر ترامب الحمائي الجديد”.

واستهدف ترامب ببساطة من خلال تلك الخطوة إلى مواءمة الرسوم الجمركية التي تفرضها الدول الأخرى على الولايات المتحدة، لكن المنهجية وراء محاولة الرئيس الأمريكي لإعادة التوازن التجاري لا علاقة لها بمعدل الرسوم الجمركية التي تفرضها الدول الأجنبية على الواردات من الولايات المتحدة، فقد استخدمت إدارة ترامب حسابًا مُبسطًا للغاية، قالت إنه أخذ في الاعتبار مجموعة واسعة من القضايا مثل الاستثمار الصيني، والتلاعب المزعوم بالعملة، ولوائح الدول الأخرى.

صعوبة توقع نهج ترامب في ولايته الثانية
ووفقًا لتقرير نشره المجلس الأطلنطي (مركز بحثي مقره واشنطن)، فإن نهج ترامب في ولايته الثانية، المماثل لمنطق وزارة الكفاءة الحكومية التي استحدثها في إدارته للتعامل مع الإنفاق الفيدرالي، يقوم على أن النظام التجاري العالمي لم يكن يعمل لصالح الولايات المتحدة، ولا يمكن إصلاحه، وبالتالي يجب تحطيمه، وبالتالي فإن الألم قصير المدى في سوق الأسهم يُعتبر ثمنًا مقبولًا من أجل تغيير جذري.

وبينما كان المستثمرون يتوقعون استنادًا إلى تجربة ولاية ترامب الأولى أن الرسوم الجمركية مجرد وسيلة تفاوض للحصول على اتفاقيات تجارية أفضل، لكن الرسوم الجديدة تهدف على المدى القصير إلى زيادة الإيرادات الفيدرالية لتعويض تمديد التخفيضات الضريبية، وعلى المدى البعيد إلى تشجيع الشركات على إعادة التصنيع داخل الولايات المتحدة لخلق وظائف وزيادة الضرائب. كما أن بعض الرسوم تُستخدم كعقوبات على دول بسبب الهجرة غير الشرعية أو تهريب مخدر الفنتانيل.

حرب تجارية لا فائز فيها
وأثارت تلك التعريفات الجمركية قلق قادة العالم حيث يعتقد العديد منهم أن الرئيس الأمريكي- بقصد أو دون قصد-، قد يُلغي كل الإنجازات التي حققها اتفاق بريتون وودز لمواجهة الحمائية التي سبقت الحرب العالمية الثانية، فمع إعلان ترامب، يعود العالم إلى الحمائية ما قبل الحرب العالمية الثانية، ولكن في وقت أصبحت فيه الولايات المتحدة أكثر عرضة بكثير للتجارة العالمية مقارنةً بتلك الحقبة، حيث تمثل اليوم نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقارنة بـ 5% آنذاك.

بالإضافة إلى ذلك، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش من خطر الحرب التجارية، مؤكدا أنه لا أحد يفوز فيها، وتعزز تقديرات متخصصة ذلك التحذير، إذ يتوقع بنك جي بي مورغان (أكبر بنك استثماري أمريكي) أن رسوم ترامب الجمركية ستدفع أكبر اقتصاد في العالم نحو الركود، وقد خفّض البنك أيضًا توقعاته للنمو في الولايات المتحدة لهذا العام بنسبة 1.6%، بعد تراجع الأسهم العالمية وخسارة أكثر من 5 تريليونات دولار من قيمة أسهم الشركات الأمريكية الأكثر قيمة في يومين فقط، مرجحًا ارتفاعًا كبيرًا في معدل البطالة، مما قد يُفقد ما يقرب من مليوني أمريكي وظائفهم.

تداعيات جسيمة على الولايات المتحدة
ويرى مايكل إيفري، الخبير الاستراتيجي العالمي في رابوبنك (شركة هولندية متعددة الجنسيات للخدمات المصرفية والمالية) أن الولايات المتحدة ستواجه أكبر حواجز تجارية منذ أكثر من قرن، بمتوسط ​​تعريفة جمركية مرجح يبلغ 29%. وهذا أعلى من تعريفات “سموت-هاولي” عام 1930، في إشارة إلى تشريع أمريكي أدى إلى زيادة الرسوم الجمركية على الواردات لحماية الشركات والمزارعين الأمريكيين، يُلقي الاقتصاديون باللوم عليها على نطاق واسع في تفاقم الكساد الكبير وإطالة أمده.

ورغم تلك المخاطر التي تطال أيضًا الاقتصاد الأمريكي يثار تساؤل مفاده لماذا يُقوض ترامب العولمة؟ الإجابة على ذلك تكمن باختصار في الصين، فلفترة من الزمن، كان هناك تكافل متبادل المنفعة بين الصين النامية التي أرادت تصنيع سلع استهلاكية رخيصة وبيعها للعالم المتقدم، وخاصة الولايات المتحدة، مقابل شراء سندات الخزانة الصادرة لتمويل العجز حتى يتمكن الأمريكيون من شراء تلك السلع الاستهلاكية الرخيصة، لكن الآن بعد أن أصبحت الصين تهيمن على العالم في تصنيع السيارات الكهربائية والألواح الشمسية والسفن وغيرها وتزداد قدرتها التنافسية في الذكاء الاصطناعي والروبوتات والفضاء وغيره من قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، قررت الولايات المتحدة وتحديدا ترامب أن هذا النظام لم يعد يعمل لصالح واشنطن.

وختامًا، يمكن القول بأن إدارة ترامب تحاول عمدًا تفجير بقايا النظام المالي والتجاري النيوليبرالي العالمي الذي ساد منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، ليشهد العالم “صدمة ترامب” على غرار “صدمة نيكسون” عام 1971 حين أعلن الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون عن سياسته الاقتصادية الجديدة، التي مثّلت بداية النهاية لنظام بريتون وودز لأسعار الصرف الثابتة الذي أُنشئ في نهاية الحرب العالمية الثانية وصممه الاقتصادي البريطاني البارز جون ماينارد كينز، والذي كان قائمًا على قابلية تحويل الدولار الأمريكي إلى ذهب، وقد أدت هذه الصدمة في حينها لوقف التضخم مؤقتًا في الولايات المتحدة، لكن نجاح تلك التجربة لا يضمن بأي حال من الأحوال نجاح خطوة ترامب، فنسف هذا النظام العالمي لا بد وأن يلحق أضرارًا بالغة بالولايات المتحدة بقدر مكانتها كصاحبة أكبر اقتصاد في العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى