وضعت رؤية السعودية 2030 الإعلام في المملكة على مسار تطوير غير مسبوق من حيث الأهداف الاستراتيجية والإمكانات اللوجستية وتأهيل القدرات البشرية للعاملين في هذا القطاع الحيوي الذي تتصاعد أهميته وتأثيره في ظل مجتمع شاب، إذ يشكل الذين تقل أعمارهم عن 40 عاما 77% من إجمالي السعوديين، وفقًا لنشرة التقديرات السكانية للعام الماضي الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء.
وفي الوقت ذاته، يمثل الاستثمار في قطاع الإعلام أحد المسارات الرئيسية لتنفيذ الرؤية التي تهدف لتنويع الاقتصاد ودعم وتشجيع الابتكارات، إذ تشير تقديرات الهيئة العامة لتنظيم الإعلام إلى أن قطاع الإعلام سيسهم بنحو 12 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، مع زيادة كبيرة في فرص العمل المحلية.
ومن هنا جاء اهتمام المملكة بتجهيز البنية الأساسية الإعلامية على أحدث مستوى، فضلًا عن الاهتمام بتدريب وتأهيل الكوادر الإعلامية من أجل ريادة إعلامية إقليمية والمنافسة بقوة على الساحة الدولية، في ظل إدراك أهمية الإعلام كأحد عناصر القوة الناعمة التي تملكها السعودية.
- مسار قادة الإعلام
وفي هذا الإطار، أطلقت أكاديمية الإعلام السعودية التابعة لوزارة الإعلام مسارًا تدريبيًا يُقدم بالتعاون مع نخبة من كبرى الجامعات العالمية، يركز على تأهيل قادة إعلاميين قادرين على مواكبة الأحداث الإعلامية، وتطوير المهارات المعرفية للتعامل مع تحديات الإعلام، بجانب تمكين المشاركين من تجارب ميدانية ونوعية داخل السعودية وخارجها، وإعدادهم للفعاليات الكبرى التي تستضيفها المملكة.
وأتاح هذا المسار الفرصة لمشاركة كل من الإعلاميين المحترفين الراغبين في صقل مهاراتهم القيادية وصناعة التأثير، والمهنيين الذين يشغلون مناصب قيادية، ويرغبون في بناء جاهزية تنافسية عالمية، والراغبين في تطوير إدارتهم للفعاليات بأسلوب احترافي وبمعايير عالمية، والساعين إلى التميز في مجال الإعلانات الرقمية وصناعة المحتوى.
وبهدف تقديم تجربة تعليمية عملية ومتقدمة، يتضمن المسار معسكرات تدريبية خارج المملكة بالتعاون مع جامعات عالمية مرموقة، حيث معسكر إدارة الفعاليات الكبرى في سويسرا، والمعسكر الإعلامي الدولي في سنغافورة، بالإضافة إلى دورات في الرياض حول الإعلانات الرقمية واستراتيجيات الاتصال القيادي.
- أهمية التدريب الإعلامي
يكتسب التدريب الإعلامي أهمية متزايدة في ظل التحولات الجذرية التي تشهدها البيئة الإعلامية العالمية نتيجة التطورات التكنولوجية والتقنية والتي تتطلب إعداد وتأهيل إعلاميين قادرين على مواكبة تلك التطورات واستخدام هذه التقنيات على النحو الأمثل في إنتاج محتوى يلبي حاجات الجمهور مع القدرة على تضمين الرسائل الاتصالية إلى الرأي العام والوصول إليه أينما كان.
ويعتبر التدريب في مجال الإعلام وظيفة إدارية رئيسية ومستمرة فهو من واجبات الإدارة الحديثة في المؤسسات المختلفة، لا سيما المؤسسات الإعلامية التي تسعى إلى مواكبة التطورات في تفكير الجمهور وإدراكه والتقنيات المستخدمة، فمن دون التدريب لن يتمكن المشهد الإعلامي من التطور فيما يتعلق بجودة المواضيع وأسلوب الطرح والتنفيذ، حسبما يرى الدكتور فلاح عامر الدهمشي أستاذ الإذاعة والتلفزيون المساعد بجامعة الملك فيصل في دراسة نشرتها المجلة المصرية لبحوث الرأي العام.
- إدارة المؤتمرات والفعاليات
من اللافت أن مسار قادة الإعلام، يشتمل على التدريب الذي يتعلق بإدارة المؤتمرات والفعاليات، مما يعطي الفرصة للمشاركين لفهم إدارة الفعاليات والمؤتمرات، وتطبيق دراسات الجدوى، وتحليل وتخطيط الفعاليات المختلفة، بالإضافة إلى الإعلان والتسويق لأنشطة الحدث، ولجان التخطيط، والميزانية، وإدارة الخدمات اللوجستية للمؤتمرات والفعاليات، بالإضافة إلى التقييم وإعداد التقارير بعد الحدث.
ويواكب الاهتمام بهذا الجانب، التزام المملكة بتطوير صناعة المعارض والمؤتمرات، نظرا لأهميته في تنويع الاقتصاد حيث قدرة هذه الصناعة على توليد عوائد ضخمة تسهم إلى حد كبير بالناتج الإجمالي المحلي، ويعزز من فرص هذه الصناعة المكانة الرائدة للسعودية في المنطقة، فهي صاحبة أضخم اقتصاد بالمنطقة، وعضو بمجموعة العشرين، مما يجعلها مركزًا للعديد من الفعاليات، فضلا عما تتمتع به من مرافق وبنية أساسية عصرية ومتطورة وسهولة الأنظمة والإجراءات، التي تجعلها جاذبة للمعارض ومؤتمرات والمنتديات والاجتماعات الدولية.
- الإعلانات الرقمية
كما اهتم المسار أيضًا باستقطاب المنخرطين في مشهد الإعلانات الرقمية وصناعة المحتوى، وهي مساحة تحتل أهمية كبرى حاليًا إذ يشهد سوق الإعلان في السعودية تحولًا نحو المنصات الرقمية، حيث تستثمر العلامات التجارية بشكل متزايد في الحملات عبر الإنترنت للوصول إلى المستهلكين المهتمين بالتكنولوجيا.
ووفقًا لموقع “statista” للإحصاءات العالمية، من المتوقع أن يصل الإنفاق الإعلاني في سوق الإعلان في المملكة إلى 2.54 مليار دولار أمريكي في العام الحالي، وهو أكبر سوق هو الإعلان عبر محركات البحث، بحجم سوق يبلغ1.03 مليار دولار أمريكي.
ومن المتوقع أن يأتي 90% من إجمالي الإنفاق الإعلاني في سوق الإعلان بالسعودية من مصادر رقمية في عام 2029. ومن المتوقع أن يبلغ متوسط الإنفاق الإعلاني للفرد في قطاع الإعلان عبر محركات البحث 27.17 دولار هذا العام. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يُولد الإعلان البرمجي 80% من إيرادات سوق الإعلان في السعودية في عام 2029.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن التطورات المتلاحقة التي تطرأ على المشهد الإعلامي في السعودية سواء من ناحية تطوير البنية التحتية الإعلامية بمعايير عالمية، والاهتمام بتوفير كل الممكنات لانطلاقة إعلامية أوسع نطاقًا بضخ استثمارات أضخم من أجل عوائد اقتصادية أكبر، بجانب الاهتمام بالعنصر البشري من خلال تأهيل كوادر إعلامية في القطاعين الحكومي والخاص، تعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى وإدراكا لأهمية الإعلام وتأثيره في حركة المجتمع ومسيرة التقدم والتنمية.