استعراض دراسات

اندماج وسائل الإعلام وتأثيراته في العصر الرقمي

 

أدى تطور التقنيات الرقمية إلى تمكين وسائل الإعلام التقليدية والجديدة من التقارب أو الاندماج مما أحدث تغييرات هيكلية في صناعة الإعلام، وكان من تأثيراته ذوبان الحدود بين تلك الوسائل بل والجمع بينها في علامة تجارية واحدة متعددة المنصات. وقد نتج عن هذا الاندماج الإعلامي تحولات جديدة في الممارسة الإعلامية وضرورة تمتع الإعلاميين بالمهارات الرقمية المتعددة، وتغيرات في أشكال المحتوى الإعلامي وإمكانية تبادله عبر المنصات المتنوعة والسماح بمشاركة الجمهور بتفاعلية في تلك المنصات.

وفي هذا الإطار، نشرت المجلة العلمية لبحوث الإذاعة والتلفزيون في عددها الصادر في سبتمبر 2024،  دراسة بعنوان “اندماج وسائل الإعلام وتأثيراته في العصر الرقمي: دراسة تحليلية نقدية للبحوث الإعلامية”، من إعداد الدكتورة أريج فخر الدين المدرس بقسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، حيث استندت الدراسة إلى عينة عمدية من البحوث خلال عقد كامل من بداية عام 2013 وحتى نهاية عام 2023، بلغت 130 بحثًا بواقع 67 بحثًا باللغة العربية و63 بحثًا باللغة الإنجليزية، والتي نستعرضها على النحو التالي:

  • الاهتمام البحثي لبحوث اندماج وسائل الإعلام

وبحسب الدراسة، تركز الاهتمام البحثي للأدبيات العربية والأجنبية التي تم تحليلها على استعراض إشكالية مفهوم اندماج وسائل الإعلام والعلاقة المتبادلة بين الإعلام الجديد والتقليدي، وعرض رؤية القائم بالاتصال في المؤسسات الإعلامية المختلفة للاندماج وتأثيراته على الأداء المهني والمحتوى المقدم. كما تطرق الاهتمام البحثي للأدبيات إلى تأثيرات الاندماج على أساليب إدارة المؤسسات الإعلامية المختلفة والتحديات التي تواجه تلك المؤسسات لتطبيقه.

وأولت الأدبيات اهتمامًا كبيرًا بعرض المهارات والتقنيات المستخدمة في الاندماج الإعلامي في المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية والصحف والمواقع الإخبارية، وتوظيف الوسائط المتعددة في هذا الاندماج، بالإضافة إلى بحث التأهيل الأكاديمي لطلاب كليات الإعلام بوصفهم القائمين بالاتصال مستقبلًا ومدى اكتسابهم للمهارات المتعددة لمواكبة الاندماج الإعلامي.

وكان اهتمام الأدبيات العربية والأجنبية محدودًا فيما يخص بحث القيم الأخلاقية عبر المنصات الجديدة لوسائل الإعلام في ضوء الاندماج والتي تأثرت بزيادة حصة المحتوى الذي ينشئه المستخدمون في تلك الوسائل ونشر المضامين الجاذبة لتفضيلات الجمهور.

وقد غفلت معظم الأدبيات عن دراسة آراء واتجاهات الجمهور المستخدم حول اندماج وسائل الإعلام رغم كونه العنصر الجوهري في استخدام تلك الوسائل في البيئة الإعلامية الجديدة التي سمحت بتشاركه في إنتاج المحتوى.

كما غابت البحوث الجماعية وطغت البحوث الفردية في المدرسة العربية مما يتطلب من البحوث العربية مستقبلًا الاهتمام بإجراء بحوث جماعية مشتركة بين الباحثين في الدول العربية المختلفة حول اندماج  وسائل الإعلام عبر دراسات مقارنة بينها لتأثيرات السياق الثقافي والاجتماعي والنظام الإعلامي مما يثري المكتبة الإعلامية العربية.

  • الرؤى التنظيرية لبحوث اندماج وسائل الإعلام

أوضح التحليل النقدي للأدبيات العربية والأجنبية اعتماد أغلبها على المداخل الفكرية والأطر المعرفية لتأصيل ظاهرة الاندماج الإعلامي، والتنوع في توظيف الأطر النظرية والنماذج العلمية خاصة المتعلقة بتأثير التكنولوجيا على الصناعة الإعلامية، وعدم استعانة البحوث العربية والأجنبية بنماذج نظرية قام بوضعها الباحث.

لذلك يجب على البحوث المستقبلية محاولة استحداث نماذج نظرية تتوافق مع تغيرات البيئة الإعلامية الرقمية المتلاحقة والمنصات المتعددة للمؤسسات الإعلامية التي أفرزها الاندماج الإعلامي مع مراعاة السياقات الثقافية والاجتماعية للدول.

كما يمكن تطوير نماذج ومداخل نظرية لتفسير الممارسات الإعلامية الجديدة الناتجة عن الاندماج بين وسائل الإعلام عبر إجراء بحوث بينية مشتركة مع التخصصات الأخرى مثل تكنولوجيا المعلومات والإدارة.

  • الرؤى المنهجية لبحوث اندماج وسائل الإعلام

كشف التحليل النقدي للأدبيات من المدارس العلمية المختلفة أن البحوث الوصفية كانت السائدة مما يتطلب من البحوث المستقبلية إجراء دراسات تجريبية خاصة على الجمهور للتعرف على استراتيجيات المشاهدة متعددة المنصات وبحث توظيف الواقع الافتراضي في المنصات الإعلامية التفاعلية.

كما يفضل القيام ببحوث استشرافية حول الرؤية المستقبلية لميثاق الشرف الإعلامي في ظل اندماج الوسائل الإعلامية في العصر الرقمي والمعايير والضوابط المهنية والأخلاقية للممارسة الإعلامية في ظل المنصات المتعددة.

كما تصدر منهج المسح بشقيه التحليلي المناهج البحثية المستخدمة في الأدبيات، لذلك يجب التنوع في استخدام المناهج في البحوث المستقبلية. ويجب زيادة الاهتمام بتوظيف المناهج المعاصرة كالمنهج الإثنوجرافي الذي يسمح للباحثين باستخدام الملاحظة بالمشاركة داخل بيئة العمل في المؤسسات الإعلامية المختلفة لقياس تأثيرات الاندماج على الممارسات الإعلامية.

كما يفضل استخدام المنهج المقارن لبحث تأثير الاندماج داخل مؤسسات إعلامية مختلفة والمقارنة بين تطبيقه في الدول المختلفة، بالإضافة إلى توظيفه في إطار التكامل المنهجي مع منهج المسح بشقه التحليلي لدراسة ومقارنة الأنماط الجديدة من المحتوى الإعلامي عبر المنصات المتعددة.

  • أجندة البحوث المستقبلية في مجال اندماج وسائل الإعلام

قدمت الدراسة مقترحات للأجندة التالية للقضايا والموضوعات البحثية التي يمكن معالجتها في البحوث المستقبلية وذلك على النحو التالي:

بالنسبة للبحوث المقترحة على مستوى المؤسسات والممارسات الإعلامية، فتصدرها تأثير التحولات التكنولوجية والتحديات المعاصرة على صناعة الإعلام في العصر الرقمي، وتأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي على الممارسة الإعلامية بوسائل الإعلام التقليدية، واستخدام وسائل الإعلام التقليدية لتطبيقات الإعلام الرقمي في زيادة جماهيرها، وتأثير البيئة الإعلامية الجديدة في ضوء اندماج وسائل الإعلام على الهياكل التنظيمية للمؤسسات الإعلامية، والتحديات الاقتصادية للمؤسسات الإعلامية في ضوء ظاهرة الاندماج الإعلامي.

أما عن البحوث المقترحة على مستوى القائم بالاتصال، فتتعلق بالمهارات المتعددة للقائم بالاتصال في ضوء اندماج وسائل الإعلام في العصر الرقمي، والعوامل المؤثرة على الهوية المهنية الجديدة للإعلاميين في إطار الاندماج بين وسائل الإعلام، والعلاقة بين الصحفي المهني والمواطن الصحفي في ضوء التقارب بين وسائل الإعلام.

وفيما يتعلق بالبحوث على مستوى الجمهور، فتركز على العلاقة بين توظيف الوسائط المتعددة في المواقع الإخبارية وتذكر الجمهور لمعلومات مضامينها، واتجاهات الجمهور نحو المنصات المتعددة للمؤسسة الإعلامية، واستراتيجيات المشاهدة متعددة المنصات كدراسة تجريبية على الجمهور.

زر الذهاب إلى الأعلى