على مدى الأسبوعين الماضيين، توالى إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عن اختياراته لشغل المناصب الرئيسية في إدارته التي ستتولى السلطة رسميًا بعد تنصيبه وحلفه اليمين الدستورية في 20 يناير المقبل، ليعود مجددًا إلى البيت الأبيض ويشرع في تنفيذ برنامجه ووعوده الانتخابية.
وقد أظهرت ترشيحات ترامب التي لا تزال بانتظار موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي – الذي يسيطر عليه الجمهوريون ويتمتع بصلاحية التصديق على التعيينات الرئاسية التي تشمل الوزراء وقادة الجيش والسفراء في الخارج- أن الإدارة الجديدة ستكون الأكثر تأييدًا لإسرائيل عن أي إدارة سابقة بما فيها تلك التي كانت في ولايته الأولى، فجميع الأسماء التي اختارها ترامب تشترك في موقف واحد وهو الدعم القوي وغير المتناهي لتل أبيب.
- توجهات أعضاء الإدارة الجديدة
إن اختيار ترامب للسيناتور ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية وعضو مجلس النواب مايك والتز لمنصب مستشار الأمن القومي يضمن تماهي شاغلي هذين المنصبين الحيويين مع ترامب، إذ اتخذ كل منهما مواقف متشددة بشأن دعم إسرائيل في مواجهة إيران والجماعات المنخرطة ضمن ما يسمى بـ”محور المقاومة” مثل حركة “حماس” الفلسطينية، و”حزب الله” اللبناني، والحوثيين في اليمن.
كما رشح ترامب النائبة إليز ستيفانيك لمنصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، والتي كانت قد انتقدت قرار بايدن مؤخرا بتعليق شحنة تضم آلاف القنابل إلى إسرائيل، وقادت جهودًا في مجلس النواب ضد احتجاجات مؤيدي فلسطين في الجامعات الأمريكية بدعوى مكافحة معاداة السامية، حيث استجوبت رؤساء 3 جامعات استقال اثنان منهم في النهاية.
وتجدر الإشارة إلى أن إدارة ترامب خلال ولايته الأولى لطالما اصطدمت بالأمم المتحدة واتهمتها بالتحيز ضد إسرائيل، واستخدمت تلك العبارة كذريعة للانسحاب من منظمة “اليونسكو” في أكتوبر 2017 والانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في يونيو 2018 ثم وقف التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في أغسطس من العام ذاته. ومن المتوقع أن تواصل ستيفانيك هذا النهج ولكن بمزيد من التشكك تجاه المؤسسة الأممية ككل.
ومن بين ترشيحات ترامب أيضًا مايك هاكابي حاكم أركنساس السابق ليكون سفيرًا لدى إسرائيل، وهو قس إنجيلي ومن أشد مؤيدي تل أبيب، ورافض لفكرة حل الدولتين لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بل إنه لا يرى أن هناك شيئا اسمه فلسطين. ومن المرجح أن يلعب هاكابي دورًا في دفع الولايات المتحدة للاعتراف بضم إسرائيل للضفة الغربية، إذ علق على تصريحات وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، بأن عام 2025 سيكون “عام السيادة في الضفة الغربية” بالقول إن موافقة واشنطن أمر وارد.
كما قرر الرئيس الأمريكي المنتخب تعيين ستيف ويتكوف رجل الأعمال ومطور العقارات الذي لا يتمتع بأي خبرة واضحة في السياسة الخارجية، مبعوثًا خاصًا للشرق الأوسط. وفي حين ليس من الواضح ما هي المسؤوليات التي سيضطلع بها ويتكوف، لكن صهر ترامب، جاريد كوشنر لم يكن لديه أيضًا أي خبرة في الشرق الأوسط أو السياسة الخارجية وساعد في رعاية اتفاقيات السلام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
وبالنسبة لوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”، رشح الرئيس الأمريكي المنتخب المذيع التلفزيوني والعسكري السابق بيت هيجسيث، لمنصب وزير الدفاع، وهو مؤيد قوي لإسرائيل، وسبق أن صرح بأن تل أبيب يجب أن تدمر غزة، ودعم اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في عام 2020، وحث الولايات المتحدة على قصف إيران بشكل مباشر.
- اختبار توازنات صعب
إن نظرة سريعة على اختيارات ترامب للمسؤولين الذين سيتولون الإشراف على السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط تشير إلى أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة سوف يكون لها حلفاء مؤيدون في البيت الأبيض، لكنهم سيواجهون اختبارًا صعبًا عندما يتعلق الأمر بصياغة وتقديم سياسة متماسكة للشرق الأوسط، وفقا لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني.
وتعود تلك الصعوبة إلى أن دعمهم الواضح لسياسة الحكومة الإسرائيلية يصطدم مع هدف إنهاء جميع الحروب في المنطقة كما أنه لن يكون من السهل التوفيق بين مصالح الدول العربية لا سيما دول الخليج العربي ومصالح تل أبيب بقيادة نتنياهو، فهناك معارضة وتنديد بـ “الإبادة الجماعية” التي ترتكبها إسرائيل في غزة، كما أن غياب استراتيجية أمريكية واضحة للحرب الإسرائيلية متعددة الجبهات، يهدد بقلب التقدم الضئيل الذي أحرزته الولايات المتحدة في مسار تطبيع علاقات دول خليجية مع إسرائيل.
ومن جهتها، أوضحت المملكة العربية السعودية خطوطها الحمراء بتأكيدها أنه لا تطبيع للعلاقات مع إسرائيل دون قيام الدولة الفلسطينية. وهو ما أكد عليه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، لدى افتتاحه أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى السعودي حين قال: “لن تتوقف المملكة عن عملها الدؤوب، في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ونؤكد أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من دون ذلك”.
بالإضافة إلى ذلك، فإن دول الخليج العربي وإيران في وضع مختلف عما كانت عليه في عام 2017، عندما وصل ترامب للبيت الأبيض لأول مرة، فمسار ما بعد المصالحة بين الرياض وطهران خلال العامين الماضيين، يظهر أنها مصالحة راسخة وثمة إرادة لتعزيزها. وبالتالي، لن تستطيع إدارة ترامب الاعتماد كثيرًا على دعم العواصم الخليجية لممارسة “أقصى قدر من الضغط” على إيران هذه المرة، وهناك تضامن مع طهران ظهر في بيانات خليجية رسمية نددت بالهجوم الإسرائيلي على إيران، كما دعا سمو ولي العهد في كلمته أمام القمة العربية – الإسلامية غير العادية التي استضافتها الرياض خلال الشهر الجاري، المجتمع الدولي إلى “إلزام إسرائيل باحترام سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة، وعدم الاعتداء على أراضيها”.
- ناقوس خطر لتركيا
يدق ترشيح ماركو روبيو وزيرًا للخارجية ناقوس خطر في أنقرة؛ فخلال سنوات عمله في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، روج لعدة مبادرات ضد تركيا ولصالح قبرص، فعلى سبيل المثال في عام 2019، طرح بالاشتراك مع الديمقراطي بوب مينينديز مشروع قانون يهدف إلى “إعادة تصميم الاستراتيجية الأمريكية في شرق البحر المتوسط”، مع الدعم الكامل للشراكة الثلاثية بين إسرائيل واليونان وقبرص من خلال مبادرات التعاون في مجال الطاقة والدفاع، بما في ذلك رفع حظر الأسلحة المفروض على قبرص، وتجميد صفقات عسكرية مع تركيا، بما في ذلك توريد طائرات مقاتلة من طراز “إف-35”.
كما أجرى روبيو اتصالات في السنوات الأخيرة مع حركة المعارضة التركية التي تزعمها الداعية الراحل فتح الله غولن. والتقى في عدة مناسبات مع لاعب كرة السلة إينيس كانتر (المعروف الآن باسم إينيس فريدوم)، أحد أتباع حركة غولن.
ويرى ريان بول، محلل شؤون الشرق الأوسط في شركة راين لتحليل المخاطر، أن بعض صقور إدارة ترامب سيرغبون في معاقبة تركيا بسبب علاقاتها مع كل من إيران وروسيا، مشيرا إلى أن روبيو قد يسبب صداعًا لتركيا أيضًا، خاصة بالنظر إلى موقفه من إيران وضغطه على أنقرة بشأن أي تهرب محتمل من العقوبات على طهران، وفقا لموقع “ذا ميديا لاين” الأمريكي.
وكانت تركيا قد حصلت خلال فترة ولاية ترامب الأولى، على إعفاء من العقوبات المفروضة على إيران لاستيراد النفط، وبالتالي فإن عودة سياسة ممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران ستمثل مشكلة للأتراك.
- أنباء غير سارة لإيران
أما عن إيران، فإن اختيارات ترامب لمسؤولي إدارته لا تحمل أي نبأ سار لإيران، ففي أكتوبر الماضي أصدر روبيو بيانا أيد فيه “حق إسرائيل في الرد بشكل غير مناسب على تهديد طهران”. ومن المتوقع أيضًا أن يطرح والتز المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي مواقف معادية لطهران بشكل علني في مجلس الأمن القومي المقبل، إذ اقترح والتز الشهر الماضي أن تضرب تل أبيب جزيرة خرج، وهي مركز رئيسي لتجارة النفط الإيرانية، والمنشآت النووية في نطنز، جنوب طهران، وذلك ردا على الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران على إسرائيل.
كما يعتقد والتز أن الولايات المتحدة يجب أن توضح أنها لن تمنع إسرائيل من توجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني وأن اغتيال سليماني كان مثالاً على الردع الفعال” ضد طهران. أما ستيفانيك فكتبت على منصة إكس قبل يومين من ترشيحها سفيرة أمريكية لدى الأمم المتحدة، أن واشنطن مستعدة للعودة إلى حملة الضغط القصوى ضد إيران.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن إدارة ترامب خلال ولايته الرئاسية الثانية بات عليها التعامل مع شرق أوسط مختلف تمامًا عما كان في إدارته الأولى (2017-2020)، فطبيعة التحالفات والصراعات بين اللاعبين الرئيسيين في الإقليم تغيرت، والعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة ولبنان يشكل تحديا صعبا في مستهل عمل الإدارة التي وعدت بإخماد نيران الحرب، ويجعل من الصعب على ترامب استئناف العمل على تنفيذ أفكاره لتسوية الصراع والتي شرع في تهيئة المجال لوضعها موضع التنفيذ خلال ولايته الأولى.