على الرغم من أن انهيار بنك “كريدي سويس” السويسري في مارس الماضي يرجع إلى عدة أسباب أساسية، فإن الشرارة التي أطلقت هذا الانهيار السريع كانت تغريدة على موقع التدوينات القصيرة تويتر.
لقد كان فشل البنك أوضح دليل حتى الآن على أن وسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب الخدمات المصرفية الرقمية، أصبحت تشكل خطرًا كبيرًا على القطاع المصرفي، بحسب ما أكده تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية نستعرضه على النحو التالي:
- تغريدة تشعل نيران الخوف
ففي الأول من أكتوبر 2022، غرد المراسل الصحفي المتخصص في مجال الاقتصاد على قناة “إيه. بي.سي” الأسترالية، ديفيد تيلور، أن المصادر أخبرته أن بنكًا استثماريًا كبيرًا “على حافة الهاوية”. ولم يذكر اسم البنك. لكن سرعان ما ظهرت هذه التغريدة على منتدى بموقع ريديت يسمى “Wallstreetbets 13.9” يضم مليون متابع، وبعد ذلك بدأت الشائعات تنتشر بأن البنك المعني يمكن أن يكون “كريدي سويس”، ثاني أكبر بنك في سويسرا.
وسرعان ما انتشرت أنباء في كل مكان تفيد بإفلاس البنك “نهاية الأسبوع المقبل”، ورغم أن تايلور حذف تغريدته، فإنه مع فتح الأسواق المالية تراجعت أسهم كريدي سويس بنحو 12%. ولم يتعاف البنك أبدًا على الرغم من التأكيدات على أن لديه سيولة ورأس مال، حيث استمر العملاء في إفراغ حساباتهم وبيع الأسهم إلى أن أجبرت السلطات السويسرية بنك “يو.بي.إس” على الاستحواذ على كريدي سويس.
جدير بالذكر أن بنك كريدي سويس واجه مشاكل لسنوات، تعتبر إلى حد كبير من صنعه، حيث فقد البنك المال والاحترام بسبب الاستثمارات المتهورة في صندوق التحوط وشركة التمويل، والمكافآت المفرطة، وتجسس الرئيس التنفيذي على إدارته. ومع ذلك يقول المحللون إنه خلال العام ونصف العام الماضيين، تحسنت الأمور بالفعل إذ كانت إدارة البنك مستقرة وتحسن الوضع المالي وتوقفت الفضائح.
وفي 19 مارس الماضي، وهو اليوم الذي استحوذ فيه بنك “يو.بي.إس”، على كريدي سويس، أكدت مارلين أمستاد، رئيسة هيئة الرقابة المالية السويسرية، أن ما أدى إلى سحب الأموال والاستثمارات من البنك كان “شائعات منذ الخريف” في إشارة إلى التغريدة الأسترالية. كما صرح أكسل ليمان، رئيس مجلس إدارة “كريدي سويس” بأن وسائل التواصل الاجتماعي والرقمنة “أشعلت نيران الخوف”.
- وسائل التواصل نموذج للمخاطر الناشئة على البنوك
لقد كانت الأزمة المصرفية السابقة في عامي 2007-2008، بمثابة أزمة ائتمانية، فحينها راهن المصرفيون، بمنتجات جديدة محفوفة بالمخاطر مثل التزامات الديون المضمونة (وهي سندات دين مضمونة بمجموعة من أدوات الدين مثل الرهون العقارية) سعيا وراء مكسب أكبر، وكان هناك القليل من التنظيم والإشراف.
وبعد 15 عامًا من تلك الأزمة المصرفية، يقول الخبراء في القطاع المالي، إن الرقابة المصرفية الأوروبية قد تحسنت، فالقواعد أصبحت أكثر صرامة مما كانت عليه في 2007 – 2008، وهي صارمة للغاية لدرجة أن البنوك الأوروبية تشكو من أن الأعمال تتسرب إلى قطاع الظل المصرفي، الذي بالكاد يخضع للتنظيم.
ومع ذلك، يمكن القول بأن ما جرى هو استعداد لمثل الأزمات السابقة، وعدم الالتفات إلى المخاطر الناشئة حديثًا، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب حقيقة أن العملاء في الوقت الحاضر يتعاملون مع الخدمات المصرفية رقميًا على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
لقد تم تحديد مصير كريدي سويس من خلال تغريدة واحدة في أكتوبر الماضي. كما أن بنك وادي السيليكون انهار في غضون يومين وهو وقت قياسي، حيث نصح مديرو الصناديق العملاء المذعورين بإفراغ حساباتهم. ثم تبادل هؤلاء العملاء تلك التوصية عبر تويتر وواتساب وفي غضون ساعات خسر البنك 42 مليار دولار، أي ما يقرب من ربع إجمالي الودائع.
- حاجة البنوك للتعاون مع شبكة من المؤثرين
في السنوات الأخيرة، حدث تغيير جذري في العلاقة بين البنوك والعملاء، إذ اعتاد العملاء على الاستماع إلى المصرفيين، لكنهم الآن يحصلون على معلومات من المدونات ووسائل التواصل الاجتماعي.
ووفقًا لعالم الاجتماع المالي البريطاني دونالد ماكنزي، فإن وسائل التواصل الاجتماعي ليست مجرد “كاميرا” للأحداث (أي طريقة للنظر إليها) بل هي “محرك” يحفزها. وقد خلص فريق من الاقتصاديين الأمريكيين الذين درسوا مؤخرًا تأثير 5.4 مليون تغريدة تم نشرها منذ عام 2020 إلى أن “العوائد السلبية لأسعار أسهم البنوك تظهر بعد فترات من المحادثات المكثفة على تويتر”.
وتعتبر كلاريسا هالر من وكالة العلاقات العامة Dynamics Group في زيورخ ، أن أخطاء كريدي سويس هي “دعوة للاستيقاظ”، مشيرة إلى أن البنوك بحاجة إلى قيادة تواصلية وبناء شبكة من “المؤثرين” عبر الإنترنت يمكن حشدهم عند حدوث عاصفة تغريدات.
وأوضحت أن البنوك تستخدم الآن بشكل أساسي وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان عن الخدمات والمنتجات. ولكن مع تشكيل سمعة الشركات وتدميرها عبر تلك المنصات أيضا، يجب أن تتعلم استخدام هذه الوسائط للمشاركة والاستماع.
وهناك دلائل على أن المصرفيين انتبهوا لتلك المسألة، فخلال جلسة استماع في البرلمان الأوروبي في مارس الماضي، حذرت رئيسة مجلس الإشراف في البنك المركزي الأوروبي أندريا إنريا، التي تشرف على أكبر 120 بنكًا في أوروبا، من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الأسبوع نفسه، اعتبرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، في اجتماع مع رؤساء دول وحكومات أوروبية، أن الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول ووسائل التواصل الاجتماعي تمثل عامل خطر.
ويقترح البعض أن تستجيب السلطات من خلال فتح نوافذ الطوارئ في البنوك المركزية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع (وليس فقط خلال ساعات العمل)، وتقييد سرعة تسييل الحسابات أثناء الأزمات.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الاستقرار الاقتصادي والمؤسسات المالية هو نتيجة طبيعية لتعاظم تأثير تلك المنصات على الرأي العام بدرجة وصلت إلى توجيهه ودفعه لاتخاذ قرارات بعينها قد تُبنى على مجرد أقاويل ومعلومات غير موثوقة أو متعمد نشرها من أجل تحقيق مآرب معينة، وهو ما يحتم انخراطًا أكثر فاعلية وتأثيرا للمؤسسات المصرفية في منصات التواصل الاجتماعي لكي تكون على تواصل مستمر مع عملائها مما يسمح لها بمواجهة أي تهديدات لاستقرارها عبر سيناريوهات لإدارة الأزمات الإعلامية كإحدى أهم أدوات الاتصال المؤسسي.