شهدت السنوات القليلة الماضية انتشارًا واسعًا لخطاب الكراهية في جميع أنحاء العالم تقريبًا، إذ واجهت معظم المجتمعات مستويات معقدة من التعصب والكراهية على أسس دينية وعرقية، وفي الغالب كان يستخدم خطاب الكراهية لتحقيق مكاسب سياسية من خلال نشر خطابات معادية وتحريضية وعدوانية تمييزية تؤدي إلى زرع بذور الخوف والكراهية وانعدام الثقة في نفوس الأفراد.
وقد انتشرت خطابات الكراهية دون سقف في الفضاء الرقمي، حيث أكدت العديد من الدراسات أن الواقع الافتراضي خاصة مواقع التواصل الاجتماعي وفرت بيئة خصبة لازدهار هذا الخطاب في غياب الرقابة والقدرة على حشد المؤيدين.
وفي هذا الإطار، نشرت مجلة “بحوث ودراسات في الميديا الجديدة” بعدد يناير 2023 ورقة بحثية بعنوان “دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر خطاب الكراهية وسبل مكافحتها” من إعداد الباحثة فاطمة الزهراء سعداوي من جامعة الجزائر3، نستعرضها على النحو التالي:
- دوافع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي:
توجد ثمة دوافع تجعل الفرد ينتقل من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي، من أبرزها:
- المشكلات الأسرية: تعد الأسرة الدرع الواقية للفرد، حيث توفر له الأمن والحماية والاستقرار والمرجعية، لكن في حال حدوث خلل ينتج نوع من الاضطراب الاجتماعي الذي يجعله يبحث عن البديل لتعويض الحرمان، الذي قد يظهر مثلا في غياب الوالدين أو تفكك الأسرة.
- الفراغ: إن الفراغ أو سوء إدارة الوقت وعدم استغلاله يجعل الفرد لا يشعر بقيمته، فيلجأ إلى هذه الشبكات لملء الفراغ، وبالتالي تصبح وسيلة للتسلية والترفيه وتضييع الوقت.
- البطالة: من أهم المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها الفرد والتي تدفعه لخلق حلول للخروج من هذه الوضعية.
- الفضول: مواقع التواصل الاجتماعي عالم افتراضي مليء بالأفكار والتقنيات الجديدة التي تستهوي الفرد لتجربتها، فهي تقوم على فكرة الجذب.
- التعارف وتكوين صداقات: ساهمت هذه المواقع في تكوين الصداقات، حيث تجمع بين الصداقة الواقعية والافتراضية، كما توفر فرص ربط علاقات الأفراد مع بعضها البعض.
- التسويق: أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي أداة تسويقية قوية وفعالة لأصحاب الأعمال، حيث تتيح سهولة الاتصال بجانب تكاليفها المنخفضة، وتتميز بسهولة الاشتراك والانضمام إليها.
ويظهر مما سبق أن هناك من يستخدم مواقع التواصل بدافع التعلم وتوسيع دائرة المعارف والمهارات الشخصية ومناقشة قضايا المجتمع السياسية والثقافية والاجتماعية والتعبير بكل حرية، والتواصل مع الآخر.
- دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر خطاب الكراهية
شهدت السنوات الأخيرة انتشارا كبيرا لأفكار وسلوكيات متطرفة وعدائية مست الوحدة الوطنية والسلم الوطني لكثير من الدول والمجتمعات.
وعلى الرغم من المميزات المتعددة لمواقع التواصل الاجتماعي، فإن لها دورا في نشر الكراهية والتحريض على العنف وإثارة النعرات الطائفية.
وتؤكد الدراسات المعنية بتأثير مواقع التواصل في نشر الكراهية، على دور مؤسسات المجتمع المدني في العمل على مواجهة خطاب الكراهية والحد من انتشاره، وطالبت من المؤسسات الإعلامية المختلفة ضرورة تبني مبادرات تهدف للحد من انتشار خطاب الكراهية والتوعية بخطورته على المجتمعات والدول. إضافة إلى دور الحكومات في توعية المواطنين بأن مواقع التواصل الاجتماعي مثلها مثل أي وسيلة أخرى قد يرتكب المواطن من خلالها جريمة معينة.
- مكافحة خطاب الكراهية على الإنترنت
استعرضت الورقة البحثية سلسلة توصيات للأمم المتحدة بشأن مكافحة خطاب الكراهية، جاءت على النحو التالي:
- التربية على أخلاقيات وسائل الإعلام: أدى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي إلى إنشاء منصات متعددة تم استخدامها أحيانا لإنتاج خطاب الكراهية وتعبئته ونشره. وتبدأ مكافحة خطاب الكراهية بإدراك أن حرية التعبير هي حق أساسي من حقوق الإنسان، إلا أنه يجب التركيز على تعليم أخلاقيات الإعلام ودورها في تعزيز سلمية المجتمعات.
- زيادة الوعي بالحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية وكذلك حرية التعبير والمسؤوليات والآثار الاجتماعية التي تأتي مع حرية الصحافة؛ وتأهيل الصحفيين وتزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة لتحديد خطاب الكراهية والتصدي لرسائله.
- تشجيع التقارير التي تُراعي حساسية النزاعات: والتي من شأنها العمل على تبديد “نحن” ضد مغالطة “هم”. وهنا يجب تعليم الصحافيين مهارات إعداد تلك التقارير، وتركيز حملات التوعية على المعرفة واحترام تنوع الثقافات والتقاليد.
- تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي والاهتمام بعمليات التثقيف بشأن القوانين وأخلاقيات وسائل الإعلام.
- الإبلاغ عن الجرائم المتعلقة بخطاب الكراهية، وهنا يتم حث الضحايا والشهود على تلك الجرائم بالتبليغ عنها.
- وضع حد للإفلات من العقاب على جرائم الكراهية: بمعنى معالجة الإفلات والهروب من العقاب على جرائم الكراهية من خلال إنشاء وحدات مراقبة وتقييم غرف ومنصات الأخبار؛ ومن ثمّ تكلف هذه الوحدات بإعداد التقارير وتحديد اتجاهات خطاب الكراهية، ولفت انتباه مؤسسات المجتمع المدني إليها.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في ظهور قيم سلبية تساعد في نشر خطاب الكراهية في المجتمع، وهذا لا ينفي ما لتلك المنصات من إيجابيات كتوفير مساحة للتعبير عن الآراء والأفكار، لكن هذه المساحة من الحرية قد يساء استخدامها، وهو ما يجعل الحدود الفاصلة بين خطاب الكراهية وحرية التعبير والنقد غير واضحة، بحيث يصعب تمييزها. ويبقى الحل الأكثر فاعلية لمواجهة انتشار خطاب الكراهية هو تحصين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عبر ثقيفهم بأساليب استخدام تلك المنصات.