أثار اللقاء الذي أجراه برنامج 60 دقيقة المذاع على قناة “سي بي إس” الأمريكية مع سعد الجبري الهارب من المملكة منذ عام 2017م، ردود فعل شعبية واسعة من جانب السعوديين الذين عبّروا عن غضبهم من هذا اللقاء والسماح لشخصية مطلوبة قضائيًا في المملكة بالظهور من أجل تشويه صورة المملكة وولاة الأمر.
وقبل استعراض ردود الفعل الشعبية على اللقاء، كان من الواضح بشكل جلي أن المقابلة موجهة بشكل خبيث وممنهج ضد المملكة، وتحديدًا صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد – حفظه الله -، سواء من حيث الشكل أو المضمون، فعلى مستوى الناحية الظاهرية استخدم البرنامج الأسلوب الدرامي في اللقاء، مع عرض بعض المقاطع بشكل عاطفي مثلما حدث مع اللقطات التي ظهر فيها أبناء الجبري مع محاولة الإيحاء والادعاء بأن وضع أسرته في المملكة مأساوي. كما تعمد البرنامج اختيار صور لسعد الجبري تحمل معاني الانكسار والضعف وقلة الحيلة.
أما على مستوى المضمون، فقد كان من اللافت أن البرنامج يتبنى بشكل تام رواية الهارب سعد الجبري الفاقد للمصداقية، وذلك على عكس الأعراف المهنية التي تؤكد على أنه من الحيادية والموضوعية الاستماع إلى وجهتي النظر، وإذا تم استضافة طرف واحد فقط فعلى المذيع أن يأخذ دور الطرف الغائب.
إلا أن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا، فأسئلة وتعقيبات المذيع وطبيعة الضيوف الذين استعان بهم خلال اللقاء جاءت مساندة لمزاعم الجبري، وفي بعض الأحيان تم صياغة الأسئلة الموجهة له بشكل يُوحي بأن الهدف منها إعطاؤه الفرصة لتبرئة نفسه من الاتهامات الرسمية والشعبية الموجهة إليه مثل تهمة الفساد والتربح غير المشروع.
بناءً على ما سبق، فليس من المستغرب أن يتجاوز مذيع البرنامج عن “اللامنطقية” وفقدان المصداقية الذي صبغ حديث الجبري خلال اللقاء، وتجلى في أكثر من صورة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
– توقيت الظهور: حيث تجاهل المذيع وغض الطرف عن سؤال منطقي وبديهي وهو لماذا الصمت طوال السنوات الماضية؟ وما مبررات الحديث الآن؟
– تهيئة المشاهد للاقتناع برواية الجابري: حيث قال المذيع: “أخبرنا أحد المصادر في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي.آي.إيه” أن سعد الجبري لا يمكن أن يأتي ليجري حوارًا معكم لأنه عاش طويلًا في مهنة تستلزم الصمت والسرية، ولذلك فإن حقيقة قدومه لإجراء المقابلة هي مقياس لمدى يأسه”. ويُوضح هذا التعقيب أن المذيع يتبنى مزاعم الجبري منذ البداية، وعمل على مساعدته في ترويجها.
أما بالنسبة لحديث الهارب سعد الجبري خلال اللقاء، فقد اعتمد على مجموعة من أساليب التضليل – ساعده فيها فريق عمل البرنامج بدءًا من المذيع مرورًا بطاقم الإعداد ووصولاً إلى المخرج – بهدف التأثير في المشاهد وإقناعه بادعاءاته ومزاعمه، ومنها:
الاستعطاف: حيث سعى سعد الجبري إلى استمالة المتابعين عاطفيًا، وذلك عبر محاولته تثبيت صورة مأساوية زائفة له ولعائلته.
اصطناع التأثر: حيث غلب على شكل الجبري الأسلوب الكاريكاتيري الذي يعتمد على التضخيم من أجل الإبراز، فحاول خلال اللقاء اصطناع التأثر من خلال استخدام مبالغ فيه لتعبيرات الوجه، فجاءت النتيجة عكسية أظهرت تكلّفه وعدم صدق مشاعره التي سعى لإيصالها إلى المشاهد.
الاعتماد على الثقافة الغربية: والذي ظهر في العبارات التي استخدمها الجبري أثناء اللقاء، والتي تنتمي بشكل أكبر لثقافة المجتمع الغربي والأمريكي على وجه الخصوص، مثل قوله: “أنا هنا لأدق ناقوس الخطر”، وتُعطي هذه اللغة المستخدمة في حديث الجبري دلالتين: الأولى أنه يستهدف الجمهور الغربي والأمريكي في المقام الأول، أما الدلالة الثانية فتتمثل في أن الجبري لا يتحدث من تلقاء نفسه.
وعلى خلفية هذا اللقاء، قالت سفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن في بيان أرسلته لبرنامج 60 دقيقة إن “الجبري مسؤول حكومي سابق فاقد للمصداقية، وله تاريخ طويل من التلفيق ومحاولات التشتيت لإخفاء الجرائم المالية التي ارتكبها والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، لتوفير أسلوب حياة مُسرف لنفسه ولأسرته”. وأضاف البيان “الجبري لم ينكر جرائمه، بل إنه في الحقيقة يشير إلى أن السرقة كانت مقبولة في ذلك الوقت. لكنها لم تكن مقبولة ولا قانونية في ذلك الوقت، ولا الآن”.
وتجدر الإشارة إلى أن الرفض التام لما جاء في حديث الجبري لم يقتصر على المستوى الرسمي فقط، بل صاحبه أيضًا رفض واستنكار شعبي واسع من جانب المواطنين السعوديين الذين تفاعلوا بكثافة على هاشتاق يحمل اسم #مقابله_سعد_الجبري، حيث بلغ حجم النشاط عليه خلال ساعة واحدة فقط ما يلي:
• قام المستخدمون بالتغريد على الهاشتاق بـ (2690) تغريدة.
• بلغ عدد مرات الوصول إلى الهاشتاق (7.287.618) مرة.
• بلغ عدد مرات الظهور (19.929.676) مرة.
ومن أجل التعرف على طبيعة تفاعلات الجمهور على هذا اللقاء “المريب” في توقيته وشكله ومضمونه، قام مركز القرار للدراسات الإعلامية برصد عينة عشوائية قوامها (100) تغريدة متفاعلة على هاشتاق #مقابله_سعد_الجبري، وبإخضاعها للتحليل بشقيه الكمي والكيفي، انتهت النتائج إلى ما يلي:
الاتجاه
عبرت جميع تفاعلات عينة الدراسة عن رفضها التام للادعاءات التي زعمها سعد الجبري خلال لقائه في برنامج 60 دقيقة على قناة سي بي إس الأمريكية، ليس هذا فحسب، بل عبرت عن غضبها الكبير لما تضمنه حديثه من أكاذيب وافتراءات خبيثة، مؤكدة أنه خائن لوطنه وسارق لأموال السعوديين، كما اتهمته بأنه مجرد أداة يتم استخدامها بشكل وظيفي من أجل تنفيذ أجندات خارجية معادية للمملكة.
تأطير التناول
ركزت تفاعلات المستخدمين السعوديين على مجموعة من الزوايا التي تناولت من خلالها لقاء سعد الجبري، وقد جاءت نسبة ظهور كل منها على النحو التالي:
1- توحد الشعب مع القيادة: وفيها عبّر السعوديون عن توحدهم ووقوفهم خلف ولاة أمرهم – حفظهم الله – ضد حملات الاستهداف التي تسعى جاهدة للنيل منهم، ولكنها لم ولن تنجح في غايتها الخبيثة، ومن الاستشهادات على ذلك:
الأكاذيب والادعاءات لا تزيد شعب المملكة إلا ثقة وولاء وحب للقيادة والوطن.
ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، قائد شاب ملهم وصاحب رؤية متجددة وكافة الحملات الإعلامية الخبيثة التى تسعى للنيل منه، لا تزيد شعبه إلا إيمانًا برؤيته وتوحدًا خلف قيادته حفظه الله ورعاه.
المقابلة ما هي إلا محاولة يائسة وبائسة لإيقاف تقدم بلدنا بقيادة ولي العهد.
الشعب السعودي كله محمد بن سلمان.
مطالبة ولي العهد بمواصلة مسيرة التقدم والشعب بالكامل يسير من خلفه.
ولاة الأمر في المملكة خط أحمر.
شعب السعودية يقف خلف قيادته وفي مواجهة أعداء بلاده بالمرصاد.
2- خيانة سعد الجبري: حيث أكد السعوديون أن الجبري خان قادته ووطنه والشعب وحنث بقسمه، كما خان الأمانة واستغل منصبه في سرقة المليارات من أموال الشعب السعودي وهرب خارج البلاد.
3- ارتهان الجبري للأجندات الخارجية الموجهة للإضرار بالمملكة: حيث ركزت هذه الفئة من التفاعلات على إبراز المخططات الخارجية التي تسعى إلى الإضرار بالمملكة والاستحواذ على خيراتها، ومن الاستشهادات التي قدمها المغردون السعوديون على ذلك ما يلي:
المقابلة هي ابتزاز للمملكة مقابل خفض سعر النفط، حيث ربط السعوديون بين توقيت حديث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن أسعار النفط وتزامنه مع بث لقاء سعد الجبري، معتبرين اللقاء يعكس محاولة يائسة للضغط على المملكة.
تقوم أمريكا بمحاولات يائسة وبائسة لإعادة بث الفتن في العالم العربي من خلال احتضان الخونة والفاسدين.
تستخدم أمريكا الجبري بشكل وظيفي لتحقيق مخططاتها ولكنها لن تثق فيه نهائيًا.
الإعلام المعادي يسعى بكل الوسائل لزعزعة العلاقة القوية بين المواطن وقيادته ووطنه.
4- كذب وتدليس الجبري: ركزت هذه الفئة من التفاعلات على إبراز الافتراءات والادعاءات التي ساقها الجبري في المقابلة، وأكدت على أن طريقة الحوار تشبه أسلوب اختلاق القصص الهوليودية، وفي بعض الأحيان كانت أكاذيب مضحكة لا يمكن لعاقل تصديقها.
5- حملات خارجية تستهدف منجزات المملكة: فقد أكدت تفاعلات هذه الفئة على أنه لا يمكن النظر إلى هذه الحملات الممنهجة دون ربطها بما تشهده المملكة من تغييرات جذرية ونجاحات في مختلف المجالات بقيادة ملهم رؤية السعودية 2030 سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، ولذلك فإن السعودية وقيادتها تتعرض لحملات إعلامية بهدف التشويه والتشويش على الإنجازات المتحققة على أرض الواقع.
ختامًا.. وعلى الرغم من أن لقاء سعد الجبري في برنامج 60 دقيقة كان في مجمله عبارة عن ادعاءات ومزاعم وكلام مرسل من شخص فاقد للمصداقية مطلوب للعدالة، لا يستحق الرد عليه، إلا أنه في الوقت ذاته يؤكد على أن المملكة وولاة أمرنا دائمًا موجودون في دائرة الاستهداف الخارجي.
ومن الملاحظ وجود علاقة طردية بين هذا الاستهداف ومدى النجاح في مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة في المملكة، فمع كل تقدم أو إنجاز يتم تحقيقه في وطننا سنجد هذا التربص والاستهداف تزداد وتيرته.
ويبقى التأكيد على مؤشر غاية في الأهمية يتمثل في وعي الشعب السعودي وإدراكه لما يُحاك ضد وطنه وقيادته الرشيدة – حفظها الله – من مخططات ومؤامرات، فالرهان على وعي السعوديين دائمًا رهان رابح، وفي كل مرة يُثبت المواطن صلابته في الدفاع عن وطنه وتوحده خلف ولاة أمره.