تشهد الرياض حاليًا فعاليات موسمها الثاني تحت شعار “تخيل أكثر”، والذي يقام على مساحة إجمالية تمتد على 5.4 مليون متر مربع، ويتكون من 14 منطقة، تتضمن أكثر من 7500 فعالية، و350 عرضًا موسمياً، و100 تجربة تفاعلية، و10 معارض عالمية، إلى جانب عدد من المسرحيات، والحفلات الغنائية، و200 مطعم و70 مقهى، ويجسد هذا الحدث الضخم إحدى الخطوات التنفيذية لما نصت عليه الرؤية الطموحة “السعودية 2030” التي تهدف إلى جعل المملكة وجهة ترفيهية يقصدها الزوار من مختلف أنحاء المنطقة والعالم من أجل الاستمتاع بمجموعة من الأنشطة الفنية والرياضية والترفيهية التي توظف أحدث ما توصلت إليه من تقنيات التكنولوجيا الحديثة.
وقد استطاع حفل الافتتاح المبهر أن يجتذب جمهورًا ضخمًا وصل إلى أكثر من 750 ألف شخص في منطقة بوليفارد رياض سيتي، بينما تابعه بشغف الملايين عبر شاشات البث المباشر على القنوات الفضائية ومنصات البث الرقمي والمواقع والحسابات الإلكترونية. ومن المقرر أن تستمر فعاليات النسخة الثانية من موسم الرياض على مدار 5 أشهر، حيث سيختتم بنهاية مارس القادم 2022، وسط توقعات أن تتجاوز إيراداته حاجز الـ6 مليارات ريال التي حققتها النسخة الماضية، وأن يستقطب ما يصل إلى 20 مليون زائر.
الالتزام بأحكام المحافظة على الذوق العام شرط للحضور
حرصت الهيئة العامة للترفيه منذ البداية على إيضاح جملة من الشروط والأحكام للراغبين بحضور فعاليات موسم الرياض، من ضمنها الاطلاع على لائحة المحافظة على الذوق العام، والإقرار والالتزام بالأحكام التي نصت عليها اللائحة، إذ تتضمن تلك اللائحة مجموعة السلوكيات والآداب التي تعبر عن قيم المجتمع ومبادئه وهويته، بحسب الأسس والمقومات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحكم.
وتسري اللائحة على كل من يرتاد الأماكن العامة، وتؤكد وجوب احترام القيم والعادات والتقاليد والثقافة السائدة في المملكة، فعلى سبيل المثال تحظر الظهور في مكان عام بزي أو لباس غير محتشم أو ارتداء زي أو لباس يحمل صورًا أو أشكالًا أو علامات أو عبارات تسيء إلى الذوق العام.
وتنص أيضًا على عدم السماح بأي قول أو فعل فيه إيذاء لمرتادي الأماكن العامة، أو الإضرار بهم، أو يؤدي إلى إخافتهم أو تعريضهم للخطر. وتفرض كذلك غرامة مالية على كل من يخالف أيًّا من الأحكام الواردة في اللائحة بما لا يتجاوز (خمسة آلاف) ريال، مع مضاعفة مقدار الغرامة في حال تكرار المخالفة نفسها خلال (سنة) من تاريخ ارتكابها للمرة الأولى.
كما تناولت الضوابط التي أعلنتها الهيئة العامة للترفيه جوانب تتعلق بالأمور اللوجستية والتنظيمية من أجل ضمان نجاح الفعاليات وخروجها بصورة تليق بمكانة المملكة وشعبها، وهو ما تحقق بحفل افتتاح مبهر مزج بين عدد من الفعاليات المحلية والعالمية، مثل عروض موروث السامري، وعروض العربات، وعرض الرجل الطائر.
الشفافية في التناول.. والتحذير والردع في مواجهة المخالفات
وفي ظل هذا الحدث الاستثنائي وضخامة العدد الموجود في موقع الاحتفال، حرص البعض على التقاط مقاطع فيديو للمشاركة في الحفل وبثها عبر منصات التواصل الاجتماعي، إلا أن قلة من تلك المقاطع تضمنت تصرفات تنطوي على مخالفات.
وعادة ما تختلف المعالجات الإعلامية لمثل هذه الأحداث ما بين اتباع استراتيجيات مثل التجاهل والإلهاء والتهوين، أو على النقيض بانتهاج استراتيجية المواجهة والمكاشفة، ويمكن استعراض هذه الاستراتيجيات على النحو التالي:
استراتيجية التجاهل:
يعكس اللجوء إلى هذا الأسلوب الرغبة في التعتيم على الحدث مما يجعله خارج وعي الجمهور.
استراتيجية الإلهاء:
يتم خلالها لفت الأنظار بعيدًا عن القضية المطروحة بتسليط الأضواء على قضية أخرى وحصر التفكير فيها، ليتم تشتيت الانتباه عن القضية الأصلية، وهي تمثل نمطًا من أنماط إدارة الأزمة بأزمة أخرى.
استراتيجية التهوين:
تقوم على التقليل من قيمة الموضوع رغم أهميته للجمهور وعلاقته بمصالحه واهتماماته.
وفي مقابل ذلك النمط من المعالجات الإعلامية تأتي المعالجة الشفافة، والتي تتمثل في:
استراتيجية المكاشفة:
تنطلق من أهمية المصارحة والإعلاء من قيم الشفافية كأداة رئيسة في التعامل مع أي إشكالية، والإقرار بحق المجتمع في المعرفة لينهض بدوره في التشارك لوضع حلول أو على أقل تقدير لتوعية أفراده بالمخاطر المحتملة جراء الإتيان بسلوك أو تصرف ما.
وقد انتهجت الجهات المعنية في المملكة تلك الاستراتيجية، وهو ما تجسد بإعلان الأمن العام في بيان له عن رصد الجهات الأمنية المختصة بالأمن العام عددًا من مخالفات لائحة المحافظة على الذوق العام خلال افتتاح الموسم، معلنة أنها تواصل التعامل مع مرتكبيها. كما حذرت من المساس بحياة الآخرين عن طريق إساءة استخدام الجوال في التصوير، مع الإشارة إلى أن ذلك موجب لعقوبات الغرامة أو السجن الذي يصل إلى سنة وفقًا للفقرة الرابعة من المادة الثالثة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية. وقد شدد الأمن العام على أن الجهات الأمنية لن تتهاون مع أي مخالفات وستطبق الإجراءات النظامية والعقوبات المقررة بحق كل من يخالفها.
وقد عكس هذا البيان عددًا من القيم التي تحكم تعامل الجهات الرسمية في المملكة مع أي قضية تشغل الجمهور ومن أبرزها:
الشفافية التامة والسرعة: وهو ما ظهر في تناول ما يحدث على أرض الواقع عبر عرض دقيق وواضح للحدث بشكل يقطع الطريق أمام أي محاولات مسمومة إلى استغلال أحداث فردية واردة الحدوث في أي مكان بالعالم لتعكير صفو هذا المحفل الترفيهي الضخم.
بث الطمأنينة والثقة بين الجمهور: عبر تأكيد قدرة جهات إنفاذ القانون على التعامل مع مرتكبي المخالفات، ومن ثمّ تهيئة المناخ الآمن والمناسب لمرتادي الفعاليات.
التحذير والردع للمخالفين: فقد حمل البيان لغة حادة تحذيرية تشهر سيف القانون من أجل ردع أي شخص تسوّل له نفسه ارتكاب مخالفات تعاقب عليها لائحة الذوق العام في المملكة.
ويظهر البيان الصادر عن الأمن العام والتناول الإعلامي من جانب الصحف والمحطات التلفزيونية بشأن رصد عدد من المخالفات، اتباع استراتيجية المكاشفة في المعالجة الإعلامية المتعلقة بتلك المسألة، وهي تنطلق من أهمية الإعلاء من قيم الشفافية كأداة رئيسة في التعامل مع أي إشكالية، والإقرار بحق المجتمع في المعرفة لينهض بدوره في التشارك لوضع حلول أو على أقل تقدير أن يقوم بتوعية أفراده بالمخاطر المحتملة جراء الإتيان بسلوك أو تصرف مخالف.
ويتضح مما سبق، أن التعامل الإعلامي مع مسألة وجود بعض المخالفات للذوق العام خلال حفل افتتاح موسم الرياض، اتسم بالمسؤولية والتحلي بالشفافية وسرعة التجاوب، التي كانت أبلغ رد على بعض الأصوات المتربصة بالموسم وتسعى لتشويه الفعاليات بخطاب خبيث مسموم يتضمن ادعاءات لا أساس لها من الصحة، فالترفيه خلال الموسم يجري وفق ضوابط ومتطلبات تراعي الذوق العام والقيم والعادات.
من جهة أخرى، انطوت المعالجة الإعلامية على رسالتين مهمتين؛ الأولى رسالة طمأنة للزوار لمواصلة الاستمتاع بالفعاليات، والثانية رسالة تحذير وردع لأي مخالف بمواجهة عواقب وخيمة يقرها القانون حال الخروج عن الذوق العام.