أضحت مواقع التواصل الاجتماعي باختلاف منصاتها من أهم المصادر التي يعتمد عليها الشباب في الحصول على المعلومات، وقد ازدادت أهميتها في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد الذي شغل العالم كله، وأدى إلى ارتفاع كبير في معدل استخدام وسائل الإعلام، خاصة المنصات الاجتماعية باعتبار الفيروس أزمة عالمية جعل العالم كله يجمعه مصير واحد، وبات الكل يبحث عن طوق نجاة من هذه الجائحة.
وفي أكبر بحث ميداني عالمي شمل أكثر من 80 ألف شخص في 40 دولة لاستقراء كيفية استخدام وسائل الإعلام في عصر “كوفيد-19″، أظهرت نتائج تقرير معهد رويترز للأخبار الرقمية لعام 2020، أن الإقبال على الأخبار حول العالم تزايد في ظل الوباء، حيث حققت وسائل الإعلام بأنواعها أرقامًا قياسية من القراء والمشاهدين، ولكن الثقة في هذه الأخبار تراجعت بسبب ارتفاع نسبة الأخبار الكاذبة.
وفي هذا الإطار، سعت دراسة بعنوان “اعتماد الشباب السعودي على مواقع التواصل الاجتماعي في الحصول على المعلومات حول أزمة كورونا” للدكتور فودة محمد علي الأستاذ المشارك بقسم الإعلام في كلية الآداب جامعة الملك فيصل، إلى التعرف على مستوى اعتماد الشباب السعودي على مواقع التواصل الاجتماعي في الحصول على المعلومات حول جائحة كورونا، حيث استهدفت التعرف على تأثير الإعلام الجديد في نشر الثقافة الصحية، واستكشاف مساوئ الإعلام الجديد وأضراره على المجتمع، وكيفية تلافي مثل تلك الإشكالات من وجهة نظر الشباب، وأهم الموضوعات التي تعرض لها الشباب نتيجة الاعتماد على المنصات الاجتماعية كمصدر للمعلومات عن الفيروس، وكذلك التعرف على أهم المصادر التي اعتمد عليها الشباب في متابعة الجائحة.
الدور المعلوماتي لمواقع التواصل الاجتماعي خلال الأزمات
انطلقت الدراسة من تبيان أهمية الدور الإعلامي، خاصة الدور المعلوماتي لمواقع التواصل الاجتماعي بوصفها أهم الوسائل التي يتعرض لها الجمهور في أوقات الأزمات، ولا سيما الأزمات الصحية التي تأخذ الصفة الدولية، وذلك من خلال تشكيل الجدل حولها، وتقديم انطباعات وتصورات مختلفة حول طبيعة المرض والإجراءات التي يجب أن تتبع لمواجهته والحد من خطورته، فتكون تلك المواقع المصدر الأول الذي يلجؤون إليه لاستقاء معلوماتهم بشأن تلك الأزمة.
وتأتي أهمية الدراسة كونها تتناول متغيرين مهمين الأول هو الشباب والثاني الجائحة التي كان لها تداعيات على العالم أجمع وعلى الشباب بشكل خاص، وأثر مواقع التواصل الاجتماعي عليهما.
وتمثل مجتمع الدراسة في الشباب السعودي الذي يتفاعل مع المؤسسات عبر شبكات التواصل الاجتماعي بجامعة الملك فيصل، وقد تم إعداد الاستبيان عبر الإنترنت باستخدام Google Drive وإرساله عبر البريد الإلكتروني لجميع المجموعات والأفراد عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومن خلال الإيميل، وطُلب من المبحوثين إقناع الآخرين وحثهم على الاستجابة، ووصل عدد المشاركين إلى 300 مشارك ومشاركة، بواقع 160 من الإناث و150 من الذكور، تم حذف 10 من مجموع الإناث حتى تتساوى نسبتا الذكور والإناث لعدم تمكن الباحث من الوقوف على إحصاءات دقيقة عن نسبة كل منهما في المجتمع السعودي.
مواقع الوزارات والهيئات الرسمية في مقدمة المصادر الدائمة للحصول على المعلومات
على صعيد معدلات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وجدت الدراسة أن 52,8% من أفراد العينة يقضون يوميًّا على مواقع التواصل الاجتماعي 5 ساعات فأكثر، ولا شك أن هذا يمثل حالة خاصة في استخدام هذه المواقع مما سيكون له أبلغ الأثر في طبيعة المعلومات التي يحصلون عليها، وهو معدل يتناسب مع طبيعة تلك الفترة حسب نظرية الاعتماد التي تشير إلى أن نسبة الاستخدام تزداد في وقت الأزمات، بينما يقضي 28% نحو 3 ساعات لأقل من 5 ساعات يوميًّا، ونسبة 14% منهم يقضون يوميًّا من ساعة لأقل من 3 ساعات، ونسبة 5,3% منهم يقضون يوميًّا أقل من ساعة.
كما خلصت الدراسة إلى أن أفراد العينة يعتمدون دائمًا على المصادر الآتية في الحصول على المعلومات عن وباء كورونا:
• مواقع الوزارات والهيئات الرسمية بمتوسط 2,62 ولا شك أن من خلال متابعة هذه المواقع خاصة التابعة لوزارة الصحة ووزارة الداخلية، فقد نشطت بالفعل وقدمت نشرات شبه يومية عن أعداد المصابين والإجراءات الاحترازية الواجب الالتزام بها.
• جاءت في المركز الثاني مواقع التواصل الاجتماعي بمتوسط 2,42 بمعدل زائد في الاستخدام عن كل الأوقات العادية.
بينما يعتمدون أحيانًا على المصادر الآتية في الحصول على المعلومات عن وباء كورونا:
• التلفزيون بمتوسط 2,25 وتؤكد جميع الشواهد والمقابلات الشخصية المباشرة التي قام بها الباحث مع عدد كبير من الطلاب تراجع التلفزيون كمصدر للمعلومات بين الشباب، وأن الشباب صاروا يفضلون مواقع التواصل ومواقع الإنترنت في الحصول على المعلومات.
• الأهل بمتوسط 1,99 ثم الرسائل الهاتفية بمتوسط 1,93 ثم الأصدقاء بمتوسط 1,91 ثم الصحف الإلكترونية بمتوسط 1.72.
ويؤكد ضعف الاعتماد على الوسائل السابقة ضعف الاتصال الشخصي خلال هذه الفترة، وأن الشباب الجامعي لم يعتمد في حصوله على المعلومات على التواصل المباشر مع الأهل والأصدقاء، ويرجع ذلك للحظر الذي كان مفروضًا على الخروج والالتقاء خلال فترة الجائحة.
وفيما يتعلق بأهم موقع تواصل اجتماعي يعتمد عليه المبحوثين في الحصول على معلومات عن كورونا، يرى 82.7% من أفراد العينة أنه موقع تويتر، فيما يرى 40,3% أنه موقع إنستجرام، بينما اعتبر 36% أنه موقع سناب شات، مقابل 34% رأوا أنه موقع فيسبوك
كما أظهرت الدراسة أن 79,3% من عينة الدراسة يرون أن أهم الصفحات التي يتابعونها من أجل الحصول على معلومات عن كورونا هي صفحات الوزارات والمؤسسات، حيث تبنت وزارات ودوائر محلية في الدولة وسائل التواصل الاجتماعي كطريقة سريعة لنشر الأخبار والتوعية والتحذير من بعض الشائعات التي يتم تناقلها من مصادر غير موثوقة.
ويتابع 80,9% من العينة الأخبار عن كورونا من خلال صفحات الهيئات العالمية، و38,7% يتابعون من خلال صفحات الأطباء، بينما قال 22,7 % إنهم يتابعون من خلال صفحات مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي.
أما عن طبيعة الموضوعات محل المتابعة، فقد حرص أفراد العينة على متابعة آخر الإحصاءات لانتشار كورونا في المملكة بمتوسط 2,87 والإجراءات التي اتخذتها في مواجهة كورونا بمتوسط 2,85 والأخبار الرسمية للدولة ومتابعة البيانات الرسمية السعودية بمتوسط 2,84 وأهم أعراض المرض وطرق الوقاية بمتوسط 2,76 وأهم البيانات الخاصة بالتعليم بمتوسط 2,44 والأخبار عن جهود العلماء في الوصول إلى لقاح بمتوسط 2,37.
وبالنسبة لطرق التفاعل التي يقوم بها المستخدمون، رأى 59% من أفراد العينة أن أهم طرق التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي هي التصفح فقط، فيما ذكر 38,7% أنهم يقومون بعمل إعجاب، و36,3% يقومون بالتأكد من صحة ما يطالعونه عبر مقارنته بوسائل أخرى، ويقوم 31,3% من عينة الدراسة بالتعليق على ما يقرؤونه.
دوافع الاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي ومدى الثقة في محتواها المعلوماتي
وتطرقت الدراسة أيضا إلى مستوى الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي في الحصول على المعلومات بعد انتشار وباء كورونا، حيث ذكر 52,3% من أفراد العينة أن اعتمادهم على مواقع التواصل الاجتماعي في الحصول على المعلومات زاد بعد انتشار الوباء، ورأى 33,7% منهم أن اعتمادهم زاد إلى حد ما، ونسبة 14% منهم لم يزد اعتمادهم على تلك المواقع.
ورصدت الدراسة أيضا الدوافع التي قادت الشباب السعودي لزيادة الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ قال 76% إن ذلك بسبب رغبتهم في تحقيق الوقاية لأنفسهم وأسرتهم، و62,4% ذكروا أن الأمر يعود للرغبة في الحصول على معلومات جديدة عن المرض، و27,9% لوجود فراغ في الوقت نتيجة تعليق الدراسة، و21,9% لشعورهم بصدق المعلومات في مواقع التواصل الاجتماعي.
كما أظهرت الدراسة أن 10,7% من أفراد العينة يثقون جدًا في المعلومات المقدمة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي و23,3% يثقون فيها و60,3% يثقون فيها إلى حد ما، و4% لا يثقون فيها و1,7% منهم لا يثقون فيها مطلقًا.
أما ما يتعلق بالدور التوعوي لمواقع التواصل الاجتماعي، فإن 70% من المبحوثين يرون أنها أسهمت إلى حد كبير في التوعية بمرض كورونا، فيما رأى 26% منهم أنها أسهمت إلى حد ما، و3,3% يرون أنها لم تسهم، و0,7% يرون أنها لم تسهم مطلقًا.
وأظهرت الدراسة أن المبحوثين المقيمين في المدينة يعتمدون دائمًا على مواقع الوزارات والهيئات الرسمية ثم مواقع التواصل الاجتماعي في الحصول على معلومات عن وباء كورونا، بينما يعتمدون أحيانًا على كل من التلفزيون والرسائل الهاتفية والأهل والأصدقاء والصحف الإلكترونية على الترتيب، في حين لا يعتمدون أبدًا على الراديو والصحف الورقية.
كما أكد أفراد العينة المقيمون بالقرى أنهم يعتمدون دائماً على موقع الوزارات والهيئات الرسمية في المقام الأول ثم مواقع التواصل الاجتماعي، بينما يعتمدون أحيانًا على التلفزيون والأهل والأصدقاء والرسائل الهاتفية على الترتيب، ولا يعتمدون أبدًا على الراديو والصحف الورقية.
وخلصت الدراسة إلى أنه كلما زادت دوافع الشباب الجامعي لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات زاد تفاعلهم مع هذه المواقع، بجانب أن زيادة الثقة في المعلومات المقدمة عن طريق المنصات الاجتماعية أدت لزيادة دوافع الشباب الجامعي لاستخدامها كمصدر للمعلومات.
بالإضافة إلى أن زيادة الثقة في المعلومات المقدمة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي يقابلها زيادة في الاعتماد على تلك المواقع في الحصول على المعلومات بشأن كورونا. كما وجدت الدراسة فروقًا ذات دلالة إحصائية بين متوسط درجات المقيمين بالمدينة والمقيمين بالقرية في دوافع التعرض لمواقع التواصل الاجتماعي لصالح المقيمين بالقرية، بينما لم تجد أي فروق ذات دلالة إحصائية بين متوسطي درجات الذكور والإناث في دوافع التعرض، ويرجع ذلك إلى الحشد الاجتماعي والأسري خلف قضية لاقت تغطية كبيرة وأثرت تأثيرات واسعة بشكل ملموس على حياة الأفراد جميعا.
وخلصت نتائج الدراسة إلى أن الإناث الأكثر حرصًا في التعرف على كيفية السلامة من هذا الفيروس، ولا شك أن هذا يتوافق مع طبيعة الأنثى العاطفية الحريصة على سلامة أسرتها.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن هذا النمط من الدراسات يمثل أهمية كبرى بالنسبة للوزارات والهيئات التي تحرص على مخاطبة الشباب السعودي وتقديم الوعي الصحي للوقاية من الأمراض المختلفة ولا سيما جائحة كورونا من خلال الاستفادة من المصادر التي يعتمد عليها الشباب السعودي في الحصول على المعلومات الصحية، وفهم طبيعة تفاعل الشباب مع تلك المصادر، كما أنها تظهر مدى الصعود الهام لتأثير مواقع التواصل الاجتماعي كنمط من أنماط الإعلام الجديد داخل المجتمع، والذي تجاوز بمراحل تأثير وسائل الإعلام التقليدية سواء في القرى أو المناطق الحضرية.