سواءً كان الأمر يتعلق بإعادة التواصل مع الأصدقاء القدامى، أو مشاركة محطات الحياة مع الأحباء، أو التواصل مع زملاء العمل، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي لا غنى عنها لكثير من البالغين، ويمكن أن تكون وسيلة مريحة وفعالة للحفاظ على العلاقات والنمو المهني.
أما المراهقون، فيستخدمونها بشكل أكثر تواترًا، ويتفاعلون معها بكثافة أكبر، ويحددون هويتهم الاجتماعية بشكل متزايد من خلال التفاعلات عبر الإنترنت، لذلك يأتي هذا الانغماس المفرط مصحوبًا بمخاطر متزايدة إلى جانب أي فوائد أخرى.
وفي هذا الإطار، استعرض تقرير نشرته صحيفة “يو إس إيه توداي” الأمريكية حول استخدام المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي، ولماذا قد تكون هذه المنصات ضارة بهم بشكل خاص؟
- نسبة المراهقين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي
وفقًا للمركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية بالولايات المتحدة، تُظهر الأبحاث أن 95% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17عامًا أفادوا باستخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي. ويشير الدكتور جيسون ناغاتا، طبيب الأطفال في مستشفى بينيوف للأطفال التابع لجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو والمؤلف المشارك في العديد من الدراسات حول وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن “هذه الوسائل منتشرة في كل مكان تقريبًا”.
وحتى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن الحد الأدنى الرسمي للسن (13 عامًا) مستخدمون نشطون. وفي الواقع، يتجاهل ما يقرب من 40% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عامًا قيود السن المفروضة على منصات التواصل الاجتماعي لاستخدام خدمات الشبكات، وفقًا لجامعة جونز هوبكنز الطبية.
وينجذب المراهقون في المقام الأول إلى منصات مثل تيك توك وإنستغرام وسناب شات وفيسبوك للتواصل مع الآخرين، ومشاركة التجارب الشخصية أو السلبية، وتكوين صداقات جديدة عبر الإنترنت، كما تقول إليزابيث هوج، طبيبة نفسية ومديرة برنامج أبحاث اضطرابات القلق في جامعة جورج تاون.
من جهته، يوضح الدكتور ناغاتا أن بعض الأطفال يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لأغراض ترفيهية وتعليمية، وأن الأقليات يستخدمونها للبحث عن الدعم وتلقيه من أشخاص غير متاحين في مجتمعاتهم المحلية.
وبغض النظر عن أسبابهم للقيام بذلك، فإن مستويات المشاركة مرتفعة بشكل ملحوظ بين المراهقين والكثير منهم لا يستطيعون الابتعاد عنها. ويشير ناغاتا إلى بحث شارك في تأليفه يُظهر أن 25% منهم أفادوا بقضاء وقت كبير في التفكير في وسائل التواصل الاجتماعي حتى عندما لا يكونون متصلين بالإنترنت، ويقول 25% من المراهقين إنهم يستخدمونها لنسيان مشاكلهم، ويعترف 17% أنهم حاولوا التقليل منها لكنهم لم يتمكنوا من ذلك.
- لماذا تُعتبر وسائل التواصل الاجتماعي سيئة للمراهقين؟
يُعرّض هذا الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي المراهقين لسلسلة من المخاطر، وتتصدر التأثيرات على الصحة النفسية القائمة. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة نشرتها المجلة الأمريكية للرعاية المُدارة، العام الحالي، أن زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين الأطفال قبل سن المراهقة تنذر بارتفاع أعراض الاكتئاب. كما تربط أبحاث أخرى الاستخدام المفرط بزيادة القلق وانخفاض احترام الذات وسلوكيات إيذاء النفس واضطرابات الأكل وحتى الانتحار.
ويشير ناغاتا إلى أن بحث أجراه وجد أيضًا أن المراهقين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكبر هم أكثر عرضة للإصابة باضطرابات الصحة النفسية مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
كما ينبع الكثير من الأضرار المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي من المقارنة الاجتماعية، حيث تقول جوان برودر، زميلة الجمعية الأمريكية لعلم النفس: “غالبًا ما تأتي الصورة الذاتية السلبية بين المراهقين من مقارنات غير صحية مع أشخاص عبر الإنترنت”.
وتضيف أن المشاكل تنشأ أيضًا من قضاء وقت أطول في التواصل الاجتماعي على المنصات مقارنة بالأشخاص في الحياة الواقعية ومن عدم وجود الكثير من الوقت للمشاركة في أنشطة بدنية صحية وذات مغزى.
بالإضافة إلى ذلك، يحمل الاستخدام المفرط لمنصات التواصل أيضًا عواقب جسدية، إذ يعاني العديد من المراهقين من قلة النوم واضطرابات النوم وسوء جودة النوم وهي مشاكل أبلغ عنها حوالي 45% من المراهقين، بحسب الطبيبة إليزابيث هوج.
ويمكن أن تؤدي قلة النوم إلى زيادة الوزن وارتفاع ضغط الدم وانخفاض الإنتاجية. ويُعد التعرض للمحتوى الضار خطرًا آخر حيث تُظهر الدراسات أن المراهقين أكثر عرضة من البالغين للعثور على صور إيذاء النفس أو الدعاية المتطرفة.
وتضيف برودر أن المراهقين أكثر ميلًا للانضمام إلى التحديات أو التحديات الإلكترونية الخطرة أو حتى المهددة للحياة، لأنهم أقل قدرة على تحديد الأضرار أو قد يجدون صعوبة في التمييز بين الخيال والواقع.
وتعد المخاوف جدية لدرجة أنه في عام 2024، أوصى الجراح العام للولايات المتحدة وهو الرئيس التنفيذي لهيئة الخدمات الصحية العامة الأمريكية، بوضع ملصقات تحذيرية شبيهة بعلامات التبغ على وسائل التواصل الاجتماعي.
- توصيات لمساعدة المراهقين على استخدام وسائل التواصل بشكل أكثر مسؤولية
يلعب الآباء دورًا محوريًا في تشكيل العادات الصحية. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت عام 2024 نشرتها مجلة أبحاث طب الأطفال أنه عندما يُظهر الآباء أنفسهم استخدامًا مفرطًا للشاشات – أثناء الوجبات أو في غرف النوم أو في التجمعات العائلية – فإن ذلك يرتبط بزيادة استخدام المراهقين للشاشات.
وتوصي هوج بوضع خطة عائلية لوسائل التواصل الاجتماعي لمساعدة المراهقين على مراقبة استخدامهم والتفكير فيما يشعرون بأنه “مفرط”، مؤكدة أن الحوار المفتوح يساعد المراهقين على الشعور بالدعم بدلًا من مجرد التقييد.
وبعيدًا عن المنزل، لا بد من تشجيع المدارس على تبني برامج وقائية مثل تجنب الهواتف المحمولة في المدرسة. كما يوصي الخبراء أيضًا بإبعاد الأجهزة عن غرف النوم ليلًا، وتحديد وجبات بعيدًا عن من الشاشات، وحتى التفكير في تأخير وصول الأبناء إلى هذه الأجهزة حتى منتصف مرحلة المراهقة. وتدعم مجموعة متزايدة من الأبحاث الانتظار حتى سن 16 عامًا، عندما يكون المراهقون أكثر استعدادًا للتعامل مع مقارنة الأقران والخلاصات التي تحركها الخوارزميات.
وختامًا، إن وسائل التواصل الاجتماعي ليست سيئة أو جيدة بطبيعتها، فهناك فرص مرتبطة بها تمثل مزايا واضحة كالتواصل والتعليم، لكن الوقت الذي يقضيه المراهقون على وسائل التواصل الاجتماعي قد يتسبب في إهدار الوقت المخصص لأنشطة صحية أخرى، كما أن بعض أنماط التعرض لتلك المنصات قد تُفاقم أزمات الصحة النفسية، لذا فإن التوازن والحذر هما الأساس في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.