تقارير

تحكم مُجمّعي الأخبار في النقرات على القصص الإخبارية

تعرضت الصحافة لعاصفة قوية في ظل تطور الإنترنت على مدى العقدين الماضيين، والذي أفقد المؤسسات الإخبارية على المستويين الوطني والإقليمي الاحتكارات الجغرافية التي كانت تتمتع بها، فضلًا عن ظهور منتجي المحتوى الهواة مثل المدونين.
ويعتبر العامل الأكثر خطورة وتأثيرًا على الصحافة والمواقع الإخبارية هو عمليات تجميع وعرض المحتوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما وأن معظم الأشخاص باتوا يعتمدون على متابعة الأخبار عبر تلك المنصات وليس من المواقع الإخبارية مباشرة، لذلك خاضت الشركات الإعلامية صراعات خلال السنوات العشر الماضية مع “مجمّعي الأخبار- News aggregators” مثل آبل نيوز (تطبيق الأخبار الخاص بآبل) وجوجل وفيسبوك، حيث يميل مجمعو الأخبار إلى نشر عناوين رئيسية ومقتطفات قصيرة من القصص الإخبارية، وربطها بالموقع الذي نُشرت فيه في الأصل، وتجلب كل نقرة حركة مرور إضافية إلى الموقع المنتج للأخبار وعائدات إعلانات مهمة للغاية لتمويل المنفذ الإعلامي.
العلاقة الجدلية بين مُجمّعي الأخبار والناشرين
برز “مجمّع الأخبار- News aggregator” كمكون مهم للنظم الإيكولوجية للمحتوى الرقمي، حيث يجتذب حركة المرور من خلال استضافة مجموعات من الروابط لمحتوى طرف ثالث (المنافذ الإخبارية)، ولكنه أيضًا يثير الصدام مع منتجي المحتوى، فبينما يوفر مُجمّعو الأخبار عناوين وملخصات قصيرة “مقتطفات-snippet” للقصص الإخبارية، يرى منتجو المحتوى أن هذا الدور يحرمهم من حركة المرور التي قد تتدفق إلى مواقعهم.
ويفضل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي متابعة الأخبار من خلال تلك المنصات؛ لأنها توفر عليهم عناء عملية البحث المملة، فلا يوجد شيء أفضل من العثور على مجموعة من القصص الإخبارية في مكان واحد من خلال تصفح الموجز الإخباري على تلك المنصات.
ويعتبر المحور الرئيسي للنقاش بشأن دور مُجمّعي الأخبار حول ما إذا كانوا يتسببون في الإضرار بمنتجي الأخبار من خلال جني عائدات الإعلانات أو يفيدهم عبر تقليل وقت البحث والتكاليف على المستهلكين.
وفي هذا الإطار، وصف قطب الإعلام روبرت مردوخ مُجمعّي الأخبار بأنهم “طفيليات”، واتهمت مجموعة نيوز كوربوريشن المملوكة لمردوخ ومؤسسات إعلامية أخرى مجمعي الأخبار بمنع القراء من الذهاب إلى مواقعهم، وسرقة عائدات الإعلانات من خلال “الوصول المجاني” إلى محتواها.
وأقرت الحكومة الأسترالية، الشهر الماضي، قانونًا هو الأول من نوعه في العالم يهدف إلى جعل شركات مثل آبل وجوجل وفيسبوك تدفع أموالًا مقابل استخدام المحتوى الإخباري، وبعد مواجهة قصيرة بين فيسبوك ومؤسسات إخبارية أسترالية، رفض فيسبوك نشر أي محتوى إخباري أسترالي على موجزات أخبار المشتركين.
النص المقتطف والصور المرتبطة كمحدد لمعدل النقرات
وفي ضوء هذا الجدل، أجرى باحثون من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ وجامعتي لانكستر البريطانية وبوسطن الأمريكية دراسة حول العلاقة بين منتجي ومجمعي الأخبار ومدى إمكانية أن تجمعهم علاقة تكافلية مفيدة، وذلك من خلال سلسلة من التجارب الميدانية التي تهدف إلى توفير نظرة ثاقبة فيما يتعلق بكيفية توجيه القراء إلى مواقع القصص الإخبارية الأصلية عبر مجمع الأخبار.
وتختبر الدراسة كيفية تأثير مظاهر التصميم الرئيسية مثل طول النص المقتطف المعروض ووجود الصور المرتبطة، وأيضًا عدد المقالات ذات الصلة بنفس القصة الإخبارية على ميل القارئ لزيارة الموقع المنتج للمحتوى وقراءة المقال كاملًا.
ولهذا الغرض، قام الباحثون القائمون على الدراسة بتطوير تطبيقات تجميع الأخبار لأجهزة “آيفون- iPhone” و”آيباد-iPad” حيث جمعت التطبيقات الأخبار من 13 ناشرًا إخباريًّا رئيسيًّا في سويسرا بعد الحصول على موافقتهم. وأجريت الدراسة على عينة تجاوزت 2000 مستخدم لهاتف آيفون على مدى أسبوعين، حيث شاهدوا مقتطفات مما يقرب من 5 آلاف مقال لأكثر من 32 ألف مرة، فيما أجريت على عينة من 1400 مستخدم لآيباد لمدة 16 أسبوعًا، إذ شاهدوا مقتطفات مما يقرب من 30 ألف مقال لأكثر من 65 ألف مرة.
وقام الباحثون بعمل تغييرات في طول النص الوارد في المقتطفات وإرفاق بعضها بصور، لمعرفة ما إذا كان هناك فرق في مدى احتمالية إقبال القراء على الدخول للموقع الأصلي الناشر للخبر من أجل قراءة المقال كاملا. وكان الطول الافتراضي لمقتطف النص في الدراسة هو 245 حرفًا وهو يساوي متوسط عدد أحرف المقتطفات في أخبار جوجل، وكان أطول مقتطف تم استخدامه يتكون من 343 حرفًا أي بزيادة 40% بسبب قيود اتفاقيات حقوق النشر مع منتجي الأخبار عينة الدراسة، أما أقصر مقتطف على تطبيق آيفون هو 98 حرفًا.
وبالنسبة لتطبيق جمع الأخبار لمستخدمي “آيباد”، لم تعرض الدراسة أحيانًا أي مقتطف على الإطلاق، مكتفية فقط بالعنوان والصورة المناسبة للخبر.
طول النص ودعمه بالصور وراء عزوف القراء عن مطالعة الخبر الأصلي
ووجدت الدراسة أنه مع طول المقتطفات تقل احتمالية نقر الأشخاص للوصول إلى المقالة الموجودة في موقعها الأصلي، حيث يبدو أن العنوان الرئيسي للمقال غالبًا ما يوفر جميع المعلومات التي يحتاجها الجمهور، ويعني ذلك أن أي معلومات إضافية يقدمها مجمّع الأخبار، في شكل مقتطفات من نص أو الصور، أدت في الواقع إلى خفض نسب النقر على الخبر، فعلى سبيل المثال أظهرت النتائج أن النص المقتطف المكون من 98 حرفًا يبلغ معدل النقر بالنسبة له 75,4%، وإذا كان مصحوبًا بصورة يقل المعدل إلى 70,8%، في المقابل فإن النص المكون من 343 حرفًا من دون صورة مصاحبة يحظى بمعدل نقر نسبته 56,9% وإذا أرفقت به صورة فيصبح المعدل 54,4%.
كما كشفت الدراسة عن وجود فرق كبير في معدل النقر من خلال آيفون وآيباد، حيث يتمتع جهاز آيباد بواجهة أكثر ثراءً وهو الأقرب إلى متصفح الإنترنت، مما يعني أن قيود واجهة الهاتف المحمول قد تزيد من نسبة النقر إلى الموقع الأصلي.
وتطرقت الدراسة إلى التنافس الذي قد يتم على جذب انتباه القراء في حالة نشر مقتطفات من العديد من المقالات ذات الصلة بنفس القصة الإخبارية، إذ يميل مُجمعّو الأخبار إلى تجميع المقتطفات معًا، مما يخلق منافسة مباشرة بين المنافذ الإخبارية.
ووجدت الدراسة أنه في مثل هذه الحالات، لا يقوم 30% من القراء بالنقر للوصول إلى أي مقال، بينما ينقر 66% من القراء للوصول إلى مقال واحد فقط، وللمفارقة كان المقتطف الذي يحتوي على نص أطول وصور مصاحبة هو الذي يحصل على النقرات.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إنه توجد ثمة علاقة عكسية بين كمية المعلومات التي يقدمها مُجمّعو الأخبار، واحتمال أن يختار الجمهور قراءة المقالات الكاملة في مواقع منتجي المحتوى، مع الأخذ في الاعتبار أنه في حال تنافس العديد من المقالات ذات الصلة على جذب انتباه المستخدم، فإن المقتطف الأطول وإدراج صورة يزيد من احتمالية اختيار مقالة على منافسيها.
ونخلص أيضًا إلى أن ناشري الأخبار يواجهون معضلة تتألف من شقين الأول أنهم يدركون أنه كلما زادت المعلومات التي يسمحون لمجمّع الأخبار بإعادة إنتاجها سواء على صعيد النص أو الصور، يقل احتمال زيارة القراء لمواقعهم. أما الشق الثاني فيتمثل في أن الحد من طول النصوص أو الصور التي يُسمح لمجمِّع الأخبار بنشرها، قد ينطوي على مخاطرة بالخسارة أمام المنافسين الذين لا يتبعون نفس الاستراتيجية.
وأخيرًا.. لا تزال المؤسسات الإخبارية بحاجة ماسة إلى الاستمرار في تجربة طرق جديدة لجذب الجمهور إلى مواقعها الإلكترونية، وأيضًا التفاوض مع مُجمعّي الأخبار لضمان معاملة عادلة مع المحتوى الإخباري بما لا يخل بالمنافسة بين جميع المنافذ الإخبارية.

زر الذهاب إلى الأعلى