تقارير

الضربة الإسرائيلية على الدوحة تتجاوز الخطوط الحمراء

شكلت الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت كبار القادة السياسيين لحركة حماس الفلسطينية في العاصمة القطرية الدوحة في 9 سبتمبر الجاري تجاوزًا لعدد من الخطوط الحمراء، منها أنها أول هجوم عسكري تشنه تل أبيب ضد دولة عضو في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فعندما نفذت عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في يوليو 2024، انتظرت حتى مغادرته الدوحة لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني ونفذت هجومها في طهران. وكان الافتراض السائد هو أن إسرائيل ستضرب أهدافًا في دول معادية للولايات المتحدة، وليست حليفة أو شريكة لواشنطن.

وقد قوبلت الغارة الإسرائيلية على الدوحة بتنديد عربي ودولي واسع النطاق بهذا العدوان الذي تحظره المادة 2 فقرة  4من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على: “يمتنع جميع الأعضاء عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي نحو آخر يتنافى مع أغراض الأمم المتحدة”.

  • آفاق دبلوماسية قاتمة

يرى كريستيان كوتس أولريشسن الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمعهد بيكر للسياسات العامة أن قصف الدوحة يمثل تصعيدًا كبيرًا في الضربات التي انخرطت فيها إسرائيل في جميع أنحاء الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر2023، لكنها ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل أفرادًا تستضيفهم إحدى دول الخليج العربي، ففي عام 2010، تمكن عملاء إسرائيليون من اغتيال أحد كبار قادة حماس في الإمارات، لكن التطور الأخير – قصف الدوحة- يُمثل أخطر أزمة تواجه العلاقات الناشئة لإسرائيل في الخليج.

وأوضح أولريشسن -في مقال نشره بموقع “ذا كونفرزيشن”- أن إصلاح العلاقات سيكون أصعب هذه المرة، لا سيما وأن الضربة على الدوحة تأتي بعد أشهر من تحذير دول الخليج العربي من النطاق الواسع والمفتوح للهجمات الإسرائيلية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والحرب الدائرة في غزة، والتي وصفها معظم قادة الخليج العربي بالإبادة الجماعية.

وسبق أن ضربت إسرائيل خلال العام الماضي أهدافًا في لبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن. وخلال هذه العمليات، دمرت إسرائيل مناطق واسعة من جنوب لبنان، وقصفت وزارة الدفاع السورية، واغتالت في طهران إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، كما قتلت رئيس وزراء حكومة الحوثيين في اليمن وعددًا من أعضاء حكومته؛ وشنت حربًا استمرت 12 يومًا ضد إيران، والتي كانت رمزًا واضحًا على المخاوف الإقليمية.

ويشير أولريشسن إلى أن تلك الحرب انتهت بهجوم صاروخي إيراني على قطر في 23 يونيو الماضي استهدف قاعدة العديد، أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط ومقر القيادة الأمامية للقيادة المركزية الأمريكية، لافتا إلى أنه فيما بدا هذا الهجوم الذي وقع بمثابة إجراء مُدبر لحفظ ماء الوجه، أي ردًا محدودًا، بعد أن شنت الولايات المتحدة غارات على ثلاث منشآت نووية في إيران، لكن مشهد سماء قطر وهي تُضاء ليلًا بنيران صواريخ الاعتراض وحطام الصواريخ المتساقطة في الدوحة، أحدث صدمة، فهذه المرة الأولى التي تتعرض فيها عاصمة خليجية لهجوم من قبل دولة وليس جماعة مسلحة، منذ أن أطلق العراق صواريخ سكود خلال حرب الخليج عام 1991 عقب غزوه للكويت.

وأثار هجوم إيران على القاعدة الجوية الأمريكية في قطر تصريحات من جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي الآخرين تعبر عن التضامن مع الدوحة، مما يعكس وحدة الصف الخليجي، ولطالما اتسم مجلس التعاون الخليجي بأقصى درجات التماسك في الأوقات التي شعرت فيها أعضاؤه بتهديد خارجي مشترك، كما حدث خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي.

  • الولايات المتحدة بحاجة إلى رؤية استراتيجية شاملة للمنطقة

يرى جايسون إتش كامبل وهو زميل أول في معهد الشرق الأوسط، أن الانطباع الأكثر سوءا من الضربة الإسرائيلية للدوحة أنها تُعزز الاتهامات الأخيرة بأن واشنطن قد أسندت استراتيجيتها في الشرق الأوسط إلى إسرائيل، فالولايات المتحدة لم تُعارض سلسلة من الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها تل أبيب في غزة وسوريا ولبنان وأماكن أخرى، ويُعدّ هذا النهج المُتساهل غير حكيم بشكل خاص في هذه الحالة.

ويشير كامبل -في تحليل نشره المعهد- إلى أنه بينما ظلت الولايات المتحدة مُلتزمة بسياستها في الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة، فقد عملت جاهدةً أيضًا على خلق توازن مع شركائها العرب، والعمل كمحاور موثوق ومؤثر في أوقات التوتر، لكن هذا الوضع مُعرّض للخطر بشكل كبير الآن.

كما لفت إلى أن إسرائيل لم تضع بعد أي استراتيجية شاملة لمنطقة مستقرة وآمنة، بل إنها اعتمدت سلسلة من السياسات الحازمة والتصعيدية ضد جميع الخصوم، على أمل واهم بأن تُفضي الانتصارات التكتيكية المستمرة إلى نهايات غامضة وغير محددة. وقد أدى ذلك حتى الآن إلى تدهور مكانة إسرائيل الدولية.

وبحسب الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، فإن أفعال إسرائيل الأكثر جرأة لم تُحقق النتائج المرجوة، فالنظام في إيران لا يزال قائمًا وبرنامجها النووي وإن كان قد تضاءل لم يُدمر. وبالمثل، نجا قادة حماس الذين استُهدفوا تحديدًا في غارة الدوحة.

إن السعي لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط يُعد هدفًا دائمًا للأمن القومي الأمريكي. وعلى الرغم من طموحه، فإن تحقيق هذا الهدف في منطقة يقل فيها مستوى الثقة بين الخصوم إلى حد كبير يتطلب إنشاء قنوات للحوار واحترامها من جميع الأطراف. لذا إن انتهاك حرمة المفاوضات التي تُجرى في مواقع محايدة يؤدي فقط إلى صراع أبدي.

وختامًا، للحفاظ على مكانتها كمحاور موثوق، يجب على واشنطن أن توضح أنها لن تتغاضى عن أي اعتداءات مستقبلية على المفاوضين، وأن تضع رؤيتها الاستراتيجية للمنطقة بوضوح، والتي تأخذ في الاعتبار المصالح الجماعية لشركائها الإقليميين، وكذلك إظهار واشنطن الاستعداد للعمل على تحقيق هذه الرؤية.

زر الذهاب إلى الأعلى