صفعة جديدة تلقاها مشاهير سناب شات بعدما كشف التحديث الذي قام به التطبيق في 2 نوفمبر الجاري عن حجم التضليل الذي مارسه الكثير منهم بإيهام المتابعين سواء كانوا أشخاصاً أم شركات ومؤسسات بامتلاكهم أعداداً ضخمة من المتابعين، وذلك من أجل تحقيق المزيد من المكاسب المالية، فضلاً عن المكاسب المعنوية المتمثلة في الشهرة الواسعة للدرجة التي جعلت بعضهم يُنصب نفسه من صفوة المجتمع ونخبته التي تتصدر الصفوف الأمامية في المناسبات المختلفة.
ويُعيد هذا الكشف إلى الأذهان ضرورة فتح النقاش حول إشكالية كبرى في المجتمع السعودي الذي يتسم بكثرة المتابعين لمشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، تتمثل في أهمية تحديد مفهوم النخب والسمات التي يجب أن تتوفر فيمن يستحق أن يكون ضمن هذه الفئة المميزة من المجتمع. والغاية هنا أن نُعيد تسمية الأشياء بمسمياتها، بهدف عدم تضليل المواطنين.
فمما لا شك فيه أن ظهور وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي قد ترتب عليه العديد من التغيرات في المفاهيم والبنى المجتمعية، منها تسلق بعض الفئات التي تمتلك مهارات التواصل الاجتماعي لتصبح من نجوم المجتمع، وإن كان هذا لا يُمثل مشكلة في حد ذاته، إلا أن الخطورة الحقيقية تكمُن في أن تتحول هذه الفئة إلى نخبة تمتلك التأثير في أعداد ضخمة من الجماهير واعتبار أنفسهم من الصفوة.
تعريف النخبة:
يُستخدم مفهوم النخبة “Elite” بشكل عام للدلالة على ما هو متميز بجودته ونوعيته، إلا أنه في العلوم الاجتماعية يُشير إلى العناصر المتميزة بسماتها ومواقعها ويمتلكون النفوذ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي… وغيرها.
ولم يتفق العلماء على تعريف مُوحد للنخبة التي تختلف باختلاف مجال التخصص، ويمكن استعراض مجموعة من هذه التعريفات على النحو لتالي:
- تطرق أفلاطون إلى النخب من منطلق قناعته بأهمية أن تقود المجتمع فئة من النابهين.
- ويرى عالم الاجتماع “موسكا Geatano Mosca ” أن النخبة هم مجموعة قليلة من الأفراد تتميز بالعديد من السمات والمزايا الفكرية والمادية والأخلاقية التي تمكنها من التحكم في مختلف القوي الاجتماعية.
- من جانبه وصف عالم الاقتصاد “باريتو Pareto Vilfredo” النخبة الاجتماعية بأنهم الأشخاص المتفوقين القادرين على ممارسة وظائف سياسية أو اجتماعية تخلق منهم طبقة مسيطرة ليست بحاجة إلى دعم وتأييد جماهيري لأنها تعتمد على مواصفات ذاتية تتمتع بها، وهذا ما يميزها ويؤهلها لاحتكار المناصب.
من خلال الاستعراض السابق يتضح اتفاق هذه التعريفات على عدد من السمات التي يجب أن تتوفر في النخب الاجتماعية، ومنها:
- قلة العدد نسبياً باعتبارهم من صفوة المجتمع.
- التمتع بمكانة اجتماعية مرموقة ناتجة عن تميزهم في مجال أو أكثر من المجالات.
- القدرة على التأثير وتوجيه المواطنين وتعديل سلوكياتهم وفق القيم الاجتماعية التي تُؤمن بها.
- لديهم رسالة مجتمعية هادفة.
- التعبير عن القضايا والموضوعات التي تشغل بال المواطنين.
وكما يوجد اتفاق بين الباحثين على حركية النخبة في المجتمعات، بمعنى إمكانية إفراز نخب جديدة واختفاء أخرى أو انصهارها مع الجديدة، فمن المتفق عليه أيضاً دور النخب في المجتمعات والتي تكتسبه من سماتها وخصائصها المميزة، فيرى الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني “يورغن هابرماس Jürgen Habermas” أن النخبة المثقفة هي محرك التغيير في المجتمعات الحديثة، مضيفاً أن أي مجتمع لا يمتلك نخبة فاعلة لا يمكن أن يتغير إلى الأحسن.
من جانبه يرى المفكر الإيطالي “أنطونيو غرامشي Antonio Gramsci” أن النخبة المثقفة لها دور أساسي في تكوين طبقة جديدة من المثقفين المرتبطين بهموم الناس وقضاياهم.
وتبرز مكانة النخبة المثقفة كأحد مقومات نجاح المجتمع وتطوره كونها منتجة للفكر والإبداع، ويستند إليها المجتمع في إيجاد الحلول إذا واجهته مشكلات وعقبات.
من هنا يتضح الدور الهام والحيوي للنخب المجتمعية في الارتقاء بالمواطنين خدمة للصالح العام للمجتمع، وذلك عبر تسخير إمكاناتها وقدراتها العلمية والعملية وخبراتها الحياتية لصناعة الوعي ونشر المعرفة، وهو ما يعكس الدور المجتمعي لهذه الفئة.
إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي قد خلقت واقعاً جديداً، كان له أثراً مباشراً على تراتبية المكانة الاجتماعية، من أمثلتها:
- تراجع دور النخب الكلاسيكية بسبب عدم قدرة الكثير منهم على مسايرة التطورات التكنولوجية والتمكن من استخدام المنصات الاجتماعية للتواصل مع الجماهير بالشكل المناسب.
- ظهور فئة تُجيد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي باحترافية، سعت إلى ملء الفراغ الذي نتج عن عزوف النخب الكلاسيكية المتخصصة، إلا أن هذه الفئة الجديدة لا تمتلك مقومات هذا الدور.
- مع ثورة المعلومات الضخمة التي أصبحت متاحة على المنصات الإلكترونية، لم يعد هناك اهتماماً بالتدقيق في مدى صدقية وموثوقية ما يستقبله المتابعون.
وقد أدى ذلك إلى حدوث خلل مفاهيمي ووظيفي للطبقات الاجتماعية، خاصة وأن غالبية الفئة الجديدة التي تُجيد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لا تحمل رسالة مجتمعية هادفة، ليس هذا فحسب – بل استغلت متابعيها بشكل ترويجي انتهازي لتحقيق الثراء والشهرة.
إن هذا الوضع قد يُشكل خطراً حقيقياً على المجتمع وبنيته، ويمكن تحديد بعض مظاهره فيما يلي:
تسطيح الفكر: فنظراً إلى أن هؤلاء الأشخاص يضعون أنفسهم في مصاف النخب، تارة تحت مسمى المشاهير وتارة أخرى تحت مسمى المؤثرون، غير متخصصين فيما يقدمونه من محتوى، ولا يمتلكون الخبرات العلمية والعملية التي تُمكنهم من توعية وتثقيف المجتمع، ولذلك يلجأ الكثير منهم إلى تقديم محتوى تافه.
تحويل المجتمع إلى الفكر الاستهلاكي: وذلك من خلال التركيز على الطابع الإعلاني والدعائي للمنتجات المختلفة، وما استتبعه من تأطير القدرة على التأثير وقيادة الرأي العام في الناحية الاستهلاكية فقط.
التقليل من قيمة المواطن: ظهر ذلك جلياً في نظرة هذه الفئة إلى المواطن واعتباره مجرد سلعة ترفع من أسهمه وقيمته التسويقية للمنتجات.
غياب النموذج القدوة: من مخاطر هذه الفئة أيضاً أن انتشارها وانبهار بعض المواطنين بها خاصة من فئة الشباب والمراهقين قد يُؤثر سلبياً على فكرة النموذج القدوة الذي يستحق الاقتداء به.
زعزعة النسق القيمي للمجتمع: خاصة وأن بعضهم يلجأ إلى تقديم محتوى غير لائق يتنافى بل ويتناقض مع قيم وعادات وتقاليد المجتمع السعودي، وغايتهم من وراء ذلك كسب المزيد من المتابعين، كون الغرابة والأفكار الدخيلة على قيم المجتمع من العوامل الجاذبة لصغار السن.
تحطيم قيمة العمل: إن المكسب المادي الكبير والسريع الذي تُحققه هذه الفئة قد يُؤثر سلباً على آمال وطموحات الشباب المقبل على المرحلة العملية من حياته، وتعزيز الرغبة لديهم في المكسب السريع والشهرة دون عناء أو تعب، فضلاً عن خلق حالة من عدم الرضا والتمرد على الواقع، خاصة عندما ينشر هؤلاء الأشخاص على حساباتهم لقطات من يومياتهم بشكل استعراضي لمظاهر البذخ والترف في المأكل والمشرب والملبس.
يتضح مما سبق أهمية ما كشف عنه تطبيق سناب شات، بعدما أظهر كذب وتدليس الكثير ممن يُطلق عليهم مشاهير أو مؤثرين، ويُصنفون أنفسهم ضمن نخب وصفوة المجتمع السعودي، خاصة وأن هذا الكشف سيكون له تداعيات سلبية حول مصداقية هؤلاء الأشخاص، ونظرتهم الانتهازية لمتابعيهم الذين يُمثلون الثروة الحقيقية والوحيدة لهم، وبفقدانها يُفلسون، لأنهم لا يملكون المقومات الثقافية والاجتماعية والعلمية والتعليمية.