على مدى السنوات الأربع الماضية، كان من المتوقع أن تكون الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 بمثابة الاختبار الأكثر وضوحًا لشبكات التواصل الاجتماعي وقدرتها على التصدِّي لمزاعم التلاعب الجماعي والتدخل الأجنبي والأخبار المزيَّفة، وقد اتخذ موقعا “فيسبوك” و”تويتر” على وجه الخصوص، مجموعة من التدابير والأدوات الجديدة لحماية نزاهة التصويت، بما في ذلك تدابير تتعلق بشفافية الإعلانات، وأنظمة الكشف المحسّنة للقضاء على “السلوك غير الأصيل المُمنهج”.
وسلّطت حالة الارتباك والجدل التي أحاطت بالانتخابات الأمريكية وعملية فرز الأصوات، الضوء بشكل مكثف على طبيعة أداء شبكات التواصل الاجتماعي الرئيسية فيما يتعلق بمكافحة الرسائل المضادة بين المعسكرين الجمهوري والديمقراطي في ظل الاستقطاب الحاد والانقسام اللذين يشهدهما المجتمع الأمريكي.
تحديث دقيق بنتائج فرز الأصوات من مصادر موثوقة
وبرزت في هذا السياق جهود شركة “فيسبوك” التي حرصت على إبقاء المستخدمين على اطِّلاع دائم بأحدث المعلومات الدقيقة حول الاقتراع من خلال إضافة لافتات بارزة إلى الخلاصات الإخبارية، في كل من موقعي فيسبوك وإنستغرام، والتي تُذكِّر المستخدمين بأنه لا يزال يتم عد الأصوات.
ويشير موقع “Social Media Today” المتخصص في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن هذه التحديثات الرسمية تعمل على الحد من التكهنات غير الموثوقة عبر الإنترنت، ويبدو أنْ كان لها بعض التأثير في تهدئة القلق بشأن النتيجة.
ووفقًا لموقع “بازفيد” الإخباري يمتلك “فيسبوك” أداة قياس داخلية يستخدمها للتنبُّوء باحتمال حدوث عنف في العالم الحقيقي، بناءً على اتجاهات المناقشة المتزايدة، لافتًا إلى أنه “في منشور تم إرساله إلى مجموعة على لوحة الرسائل الداخلية في فيسبوك، نبَّه أحد الموظفين زملاءه إلى زيادة بنسبة 45% تقريبًا في المقياس”.
ويشير الموظف إلى أن الاتجاهات كانت في السابق ترتفع ببطء، ولكن في الآونة الأخيرة اكتسبت المنشورات والهاشتاقات التي تروج لنظرية المؤامرة شعبية كبيرة.
ويعد ذلك أمرًا مثيرًا للاهتمام، لعدة أسباب، أولها أنها تظهر أن “فيسبوك” على دراية بالتأثير الذي يمكن أنْ يحدثه في العالم الحقيقي، وأنه يدرك أن السماح لاتجاهات معينة بالانتشار والنموِّ يمكن أن يكون خطيرًا، وهذا يعني أن “فيسبوك” يقيس باستمرار إلى أيِّ مدى يمكنه تحريك المستخدمين، ومتى يحتاج إلى إبطاء بعض الاتجاهات من أجل تجنُّب انتشارها.
ويعتبر وجود فيسبوك في وضعٍ يُمكِّنه من إدارة التوازن بين تعظيم المشاركة وتسهيل الاضطرابات المحتملة، أمرًا مقلقًا، كما يُظهر وجود هذا المقياس أنه لا يمكن لـ”فيسبوك” أن يدَّعي عدم قدرته على التدخل في قضايا أخرى، مثل حركة نظرية المؤامرة “كيو آنون- QAnon” أو “مناهضي التطعيم- anti-vaxxers“، لأنه بناءً على هذه البيانات، سيكون مدركًا جيدًا لاحتمال تحوُّل الوضع إلى مشكلة.
ويشير هذا المقياس أيضًا إلى أن “فيسبوك” يكون على عِلْمٍ بالمخاطر طوال الوقت، ولا يختار التصرف إلا عندما يشعر أنه ضروري للغاية.
وهنا يُثار تساؤل: من الذي يقرر متى تكون المخاطر عالية جدًّا؟ ولا شك في أن هذا الأمر يحتاج لمزيد من النقاش والتدقيق في أعقاب الانتخابات.
حظر الهاشتاقات المرتبطة بالتشكيك في نزاهة العملية الانتخابية
وفي إطار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، اتخذ فيسبوك خطوة إضافية بحظر بعض الهاشتاقات المرتبطة بالانتقاد المتزايد لعملية فرز الأصوات، بعدما صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن عملية الفرز كانت “غير قانونية” وشابها تزوير، وتجمهر البعض أمام مراكز لفرز الأصوات في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأطلقوا دعوة للموظفين في مراكز الاقتراع من أجل “إيقاف الفرز”.
ومع تزايد خطر العنف في العالم الحقيقي، اتخذ “فيسبوك” بعض الإجراءات، منها حظر هاشتاقات مثل #sharpiegate أي فضيحة شاربي (حيث قال بعض الناخبين إنه تم منحهم «أقلامَ شاربي الملوَّنة»، التي لا تستطيع آلات فرز وحساب الأصوات قراءة البطاقات المكتوبة بها)، وهاشتاق #stopthestealويعني: أَوْقِفُوا السرقة، وهاشتاق #riggedelection أي: انتخابات مزوَّرة.
كما حظر تطبيق “تيك توك-TikTok” أيضًا تلك الهشتاقات، فضلًا عن مقاطع فيديو، تزعم وجود تزوير في الانتخابات، وفقًا لموقع «تيك كرانش» المتخصص في أخبار التكنولوجيا.
أمَّا موقع التدوينات القصيرة “تويتر” فقام بإضافة تحذيرات إلى جميع المنشورات التي يكتشفها، والتي قد تضم محتوًى متنازَعًا عليه أو تحتوي على معلومات مضللة عن الانتخابات، وهي سياسة تم تطبيقها مرتين عقب الانتخابات على حساب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتم تطبيقها أيضًا على حساب السيناتور الجمهورية مارجوري تايلور جرين.
كما قام “تويتر” بتقييد مشاركة تغريدة من نجل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث دعا فيها والده إلى “خوض حرب شاملة بشأن الانتخابات، لفضح جميع عمليات التزوير والغش”، مضيفًا: “حان الوقت لتنظيف هذه الفوضى والتوقف عن الظهور وكأنها جمهورية موز!”.
حذف المجموعات المحرِّضة على العنف.. وإعاقة انتشار المحتوى المستند إلى نظرية المؤامرة
بالإضافة إلى الجهود السالف ذكرها من جانب شركة فيسبوك، أزال موقع التواصل الاجتماعي أيضًا العديد من المجموعات التي تم إنشاؤها على خلفية نتائج الانتخابات، بسبب مخاوف من إمكانية استخدامها لتنظيم احتجاجات عنيفة.
وأوضح فيسبوك في بيان أن الخطوة تأتي “تماشيًا مع الإجراءات الاستثنائية التي نتخذها خلال هذه الفترة من التوتر المتصاعد، لافتًا إلى أن مجموعة “أَوْقِفُوا السرقة“ تم تنظيمها لنزْع الشرعية عن العملية الانتخابية، مؤكدًا: “رأينا دعوات مقلقة للعنف من أعضاء المجموعة“.
وجمعت المجموعة أكثر من 300 ألف عضو في غضون أيام، حيث نشرت اتهامات بأن الديمقراطيين يسعون لتقويض أصوات الجمهوريين لضمان فوز مرشحهم جو بايدن في الانتخابات.
وانتشر التضليل الانتخابي بسرعة عبر الإنترنت في وقتٍ كانت تنتظر فيه البلاد النتائج في عدد قليل من الولايات المتأرجحة الرئيسية التي ستحسم النتيجة.
ورأى أليكس ستاموس، الباحث في جامعة ستانفورد الذي يتتبع المعلومات المضللة: “هذا هو الحدث الأكثر تضليلًا على الإنترنت في تاريخ الولايات المتحدة، وقد اكتشفنا أن وتيرته تسارعت منذ يوم الانتخابات“.
وأشارت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكيةإلى أن “فيسبوك” خطط أيضًا إلى إضافة المزيد من الاحتكاك (مثل نقرة إضافية أو نقرتين) قبل أن يتمكن الأشخاص من مشاركة المنشورات السياسية من أجل إبطاء زخم المحتوى الذي يُغذِّي المؤامرة.
كما قام الموقع أيضًا بالحد من ظهور ذلك المحتوى على “موجز الأخبار- News Feed” إذا كان يحتوي على معلومات خاطئة متعلقة بالانتخابات، والحد من البث المباشر المتعلق بالانتخابات.
وفي خطوة مهمة، قام “تويتر” بحظر حساب المستشار السابق للرئيس ترامب، ستيف بانون، بعد أنْ دعا إلى قَطْع رأس كبير خبراء الأمراض المعدية “أنطوني فاوتشي”، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالية “إف.بي.آي”، “كريستوفر راي”، وعَرْض رأسيهما خارج البيت الأبيض، من أجل إرسال تحذير للآخرين.
وقدَّم “بانون” هذا الاقتراح في مقطع فيديو، تمت إزالته أيضًا من فيسبوك ويوتيوب. ويواجه بانون حاليًّا حظرًا على العديد من المنصات، وقد يجد صعوبة أكبر في تضخيم رسائله المستقبلية نتيجة لذلك.
وختامًا.. يمكن القول بأنه في ظل الجدل حول عملية فرز الأصوات في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، فإن الجهود الإضافية والإجراءات التي نفذتها المنصات الاجتماعية الرئيسية كانت فعَّالة في الغالب في الحد من انتشار المعلومات المضللة، وتهدئة بعض القلق.
وبينما عمل “فيسبوك” و”تويتر” بسرعة لإضافة ملصقات تحذير وتقييد انتشار بعض المنشورات، فإنه بعد الإعلان عن نتيجة الانتخابات بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، سيكون أمام مواقع التواصل الاجتماعي اختبار آخر، إذ لا يزال هناك الكثير من التقييمات المقبلة، فالانقسام في المجتمع الأمريكي مستمر، ولكن هناك إشارات إيجابية تفيد أن منصات التواصل الاجتماعي فعلت كل ما في وسعها.
كما أن المقياس الخاص بتوقُّع العنف لدى “فيسبوك” أضاف تدابير للحد من انتشار المعلومات الخاطئة والمواد التي يمكن أن تثير المزيد من التوتر داخل المجتمع، وستلعب بلا شك دورًا مؤثرًا خلال الأيام المقبلة، في ظل المعركة القانونية التي يخوضها الحزب الجمهوري بالطعن في نتائج الانتخابات.