عادت الحرب الأهلية التي دامت 13 عامًا في سوريا إلى الواجهة مرة أخرى بهجوم مفاجئ شنته فصائل المعارضة المسلحة على مدينة حلب، ثاني أكبر مدن سوريا، حيث كان هذا الهجوم من بين أقوى الهجومات التي شنها المسلحون منذ سنوات في حرب امتدت آثارها المزعزعة للاستقرار إلى ما هو أبعد من حدود البلاد.
كان هذا أول هجوم للفصائل المسلحة على حلب منذ عام 2016، عندما ساعدت حملة جوية شنتها طائرات حربية روسية الحكومة السورية على استعادة المدينة الاستراتيجية الواقعة في شمال غرب البلاد، فقد سمح تدخل روسيا وإيران و”حزب الله” اللبناني بجانب جماعات أخرى، للحكومة السورية بالسيطرة على 70% من مساحة البلاد.
وقد أثار تصاعد القتال احتمال إعادة فتح جبهة عنيفة أخرى في الشرق الأوسط، في وقت تواصل فيه إسرائيل شن حرب وحشية مدمرة على قطاع غزة، بينما توصلت للتو إلى اتفاق لوقف إطلاق للنار في لبنان.
- من يقود الهجوم على حلب؟
شنت مجموعة من الفصائل المسلحة بقيادة ما تسمى بـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة الإرهابي) هجومًا مباغتًا على حلب، بدعوى إبعاد خطر القوات الحكومية السورية والجماعات المسلحة الإيرانية، وتأمين المناطق التي تسيطر عليها الفصائل.
وتتكون المجموعة المقاتلة الجديدة التي شكلت غرفة عمليات عسكرية من مجموعة واسعة من الفصائل فبجانب “هيئة تحرير الشام” تأتي فصائل مدعومة من تركيا، وأخرى كانت مدعومة سابقًا من الولايات المتحدة وجماعات أخرى تنشط عسكريًا في شمال غرب سوريا منذ سنوات.
وكان من الملفت التسليح والعتاد الكبير لدى تلك الفصائل والذي يشير إلى دعم خارجي، كما برز استخدامها للطائرات بدون طيار “الدرونز”، فيما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن هذه المعركة كان يتم التحضير لها من قبل هيئة تحرير الشام بدعم من جهة خارجية، مشيرا إلى أن ضباطا من أوروبا الشرقية قاموا بتدريب مسلحي الهيئة على استخدام الدرونز.
- حلب في الحرب السورية
تعد حلب من مراكز التجارة والثقافة في الشرق الأوسط، وقد كانت موطنًا لـ 2.3 مليون شخص قبل الحرب في عام 2011، وبعدما استولت الفصائل المسلحة على الجانب الشرقي من المدينة في عام 2012، أصبحت معقلًا رئيسيًا لتلك الفصائل.
وفي عام 2016، حاصر الجيش السوري بدعم من الغارات الجوية الروسية المدينة، ثم تم الاتفاق على وقف إطلاق النار وإخلاء الأحياء المحاصرة في شرق حلب من المدنيين والمسلحين.
وفي أواخر عام 2017 توصلت روسيا وإيران وتركيا عبر مفاوضات آستانة إلى اتفاق على إنشاء منطقة خفض تصعيد التوتر في إدلب، والتي شملت أجزاء من أرياف حماة وحلب واللاذقية.
وهذا العام، ضربت الغارات الجوية الإسرائيلية مستودعات أسلحة لحزب الله والقوات السورية، من بين أهداف أخرى في حلب، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
- لماذا يعد القتال في حلب مهما؟
خاضت الحكومة السورية حربًا ضد الفصائل المسلحة التي سعت للإطاحة بالنظام وأسفر ذلك الصراع الممتد على مدى 13 عامًا عن مقتل ما يقدر بنحو نصف مليون شخص، وفرار حوالي 6.8 مليون سوري من البلاد، حيث تدفق عدد كبير منهم كلاجئين في أوروبا مما ساعد في تغيير الخريطة السياسية من خلال تأجيج الحركات اليمينية المتطرفة المناهضة للهجرة.
وتسيطر مجموعة من الفصائل المسلحة والقوات الأجنبية على ما يقرب من 30% من الأراضي السورية. وللولايات المتحدة حوالي 900 جندي في شمال شرق سوريا، يعملون ضمن التحالف الدولي لمكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي. كما تقوم كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بضربات عرضية في سوريا ضد الجيش السوري والميليشيات المتحالفة مع إيران. وتوجد لتركيا قوات في سوريا أيضًا، ولها نفوذ على التحالف الواسع لدى الفصائل المسلحة التي اجتاحت حلب.
ويرى تشارلز ليستر، المحلل المتخصص في الشأن السوري بمعهد الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، أن القتال الذي يأتي بعد سنوات من التغييرات القليلة الكبيرة في الأراضي بين الأطراف المتحاربة في سوريا لديه القدرة على أن يكون ذا عواقب وخيمة للغاية وقد يغير قواعد اللعبة، إذا ثبت أن الجيش السوري غير قادر على الصمود، مشيرا إلى أن المخاطر تشمل ما إذا رأى مقاتلو تنظيم “داعش” ذلك باعتباره فرصة، وفقا لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية.
أما السفير الأمريكي السابق لدى دمشق روبرت فورد فقد أشار إلى أن أشهرا من الضربات الإسرائيلية على أهداف سورية وحزب الله في المنطقة، ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله هذا الأسبوع، من العوامل التي توفر للفصائل المسلحة بسوريا الفرصة للتقدم.
ويرى فورد أن القتال في حلب سيصبح أكثر زعزعة للاستقرار على نطاق أوسع إذا جر روسيا وتركيا – لديهما مصالحهما الخاصة في سوريا – إلى قتال عنيف مباشر ضد بعضهما بعضا.
وأخيرًا، يبقى الترقب سيد الموقف الراهن، في ظل حديث الحكومة السورية عن انسحاب تكتيكي من حلب للتجهيز لهجوم مضاد، وإعلان الفصائل المسلحة عن الوصول إلى مشارف محافظة حماة، وغموض موقف الأكراد في الشمال والدروز في المناطق الجنوبية من سوريا، كما أن حلفاء دمشق الداعمين لها في الميدان ليسوا كما كان الوضع في عام 2016، فروسيا منشغلة بالحرب في أوكرانيا، والوجود الإيراني ليس كسابق عهده إذ تسببت الهجمات الإسرائيلية المتكررة في دفع الحرس الثوري إلى تقليص عدد القواعد في وسط وغرب سوريا، أما حزب الله اللبناني فإنه فقد الكثير من قدراته نتيجة الحرب على مدى عام ضد إسرائيل، والتي تلقى خلالها ضربات قوية قضت على قياداته وأنهكت مقاتليه.