تقارير

قمة العشرين في البرازيل..تواجه الجوع وسط خلافات عالمية متصاعدة

انطلقت قمة مجموعة العشرين في البرازيل على وقع خلافات عدة بشأن قضايا وتهديدات تمس بالاستقرار والأمن العالمي، حيث الحرب الروسية الأوكرانية والعدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان وتداعياته الإقليمية والدولية، ودخول محادثات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ “كوب 29” في أذربيجان مرحلة الحسم، ما يعزز المخاوف من تفاقم التباين في المواقف بين أعضاء المجموعة.

وفي محاولة لمنح دفعة إيجابية للقمة بعيدًا عن نقاط الخلاف، استهل الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أعمالها بتدشين تحالف عالمي لمكافحة الجوع والفقر، داعيًا دول مجموعة العشرين إلى تقديم التزامات مالية حازمة لدعم مبادرات تهدف إلى زيادة إنتاج الغذاء والتصدي للجوع على مستوى العالم.

  • مكانة المجموعة في النظام الدولي

مجموعة العشرين عبارة عن منتدى لأكبر الاقتصادات في العالم يجتمع بانتظام لمناقشة القضايا الأكثر إلحاحًا التي تواجه الاقتصاد الدولي، ويمثل أعضاء المجموعة حوالي 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 75% من التجارة العالمية وتضم حوالي ثلثي سكان العالم.

وتتكون المجموعة من 19 دولة هي الأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا وتركيا وبريطانيا والولايات المتحدة، بجانب هيئتين إقليميتين (الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي).

وبالتالي فهي تمثل المجموعات الثلاث الرئيسية من الدول في النظام الدولي: الغرب العالمي (الولايات المتحدة وحلفاؤها الرئيسيون)، و”الشرق العالمي” (روسيا والصين)، والجنوب العالمي (المنطقة الشاسعة غير المنحازة التي تمتد من أمريكا اللاتينية إلى جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ). ومع وجود الغرب والشرق العالمي في حالة من التنافس، فإن الجنوب العالمي هو مركز الثقل حيث تكمن إمكانية الحلول، وبعض مظاهر الإجماع، بحسب مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.

  • وضع روسيا داخل المجموعة

لقد هددت التوترات الجيوسياسية، التي تفاقمت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والمنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة، التعاون بشكل متزايد داخل المجموعة وبل وأججت الخلافات، إذ أصبحت مشاركة روسيا في مجموعة العشرين مثيرة للجدل، حيث تسعى بعض الدول الغربية إلى استبعاد موسكو، على الرغم من معارضة الأعضاء بما في ذلك الصين والبرازيل لهذه الفكرة.

كما واجه أعضاء مجموعة العشرين أيضًا انقسامات حول كيفية معالجة الصدمات الاقتصادية التي تؤثر بشكل غير متناسب على الاقتصادات الناشئة، إذ أدت أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا إلى شح الغذاء وارتفاع أسعار الطاقة، فضلًا عن الضغوط التضخمية التي عززت من قوة الدولار الأمريكي على حساب انخفاض قيمة العملات في الاقتصادات الناشئة. ونتيجة لذلك، تتجه المزيد من البلدان إلى المقرضين الدوليين للحصول على حزم إنقاذ؛ فقد ارتفعت قروض صندوق النقد الدولي للاقتصادات المتعثرة إلى مستوى قياسي، حيث وصلت إلى 149 مليار دولار بحلول عام 2024.

من جهة أخرى، اصطدم التزام المجموعة طويل الأمد بنظام دولي قائم على مبادئ منظمة التجارة العالمية في خفض التعريفات الجمركية وغيرها من الحواجز التجارية في السنوات الأخيرة بالمنافسة الاقتصادية المتزايدة بين القوى العظمى، وفقا لتقرير لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.

  • نهج ترامب حاضر عبر ميلي

وحاليًا تعزز إعادة انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة قبل أسبوعين حالة عدم اليقين بشأن مستقبل السياسة الاقتصادية لواشنطن على الصعيد العالمي، لا سيما وأنه قد وعد بفرض “تعريفة عالمية” جديدة تزيد على 20% على جميع السلع القادمة إلى الولايات المتحدة، ورسوم جمركية إضافية على الصين، ومجموعة من التدابير الأخرى التي تتعارض مع الإجماع بشأن التجارة الحرة.

ويري مراقبون أن عودة ترامب تشكل تحديًا لمجموعة العشرين، فهو ليس من محبي الأطر متعددة الأطراف، بل يفضل المفاوضات الثنائية والصفقات. وقد بدأ حلفاؤه بالفعل في إرساء الأساس لهذه السياسة، حيث قال مسؤولون إن الرئيس الأرجنتيني الليبرالي المتطرف خافيير ميلي، الذي أصبح الأسبوع الماضي أول زعيم أجنبي يلتقي ترامب منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، هدد بعرقلة البيان المشترك المرتقب صدوره عن  قمة ريو دي جانيرو بسبب إشارات إلى فرض الضرائب على أصحاب الثراء الفاحش، وتغير المناخ وقضايا النوع الاجتماعي، وبذلك قدم ميلي نفسه باعتباره أقرب شريك لترامب في أمريكا اللاتينية وحليفه في حرب ثقافية عالمية ضد ما يسمى اليسار “المستيقظ”، في إشارة إلى اليسار المتشدد.

وفي حين أنه ليس من غير المعتاد أن تنطوي قمم الزعماء على بعض الجدل حول البيان الختامي، فقد اعتبرت مصادر دبلوماسية مطلعة تحدثت لشبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية أن موقف ميلي مثير للفضول لأن الأرجنتين كانت قد وافقت بالفعل في وقت سابق من هذا العام على إعلان بشأن فرض الضرائب على أصحاب الثراء الفاحش، وهي الآن تتراجع بعد انتخاب ترامب رئيسًا.

  • تغير المناخ ونداء من باكو

ولا يزال هناك أيضًا توترات داخل المجموعة فيما يتعلق بتغير المناخ. ففي أعقاب حرب أوكرانيا، تراجعت ألمانيا ودول أخرى في مجموعة العشرين عن وعود سابقة بوقف تمويل مشاريع الوقود الأحفوري في الخارج. كما فشلت قمة العشرين التي عقدت بنيودلهي العام الماضي في اتخاذ خطوة عملية على مسار العمل المناخي، ودعت فقط إلى “التخفيض التدريجي” بدلاً من “التخلص التدريجي” من الفحم.

ومن باكو عاصمة أذربيجان حيث تدور مفاوضات “كوب 29″، أطلقت صرخة تحذير من أن مؤتمر كوب لن ينجح دون دعم مجموعة العشرين، حيث تركز المحادثات على الحصول على المزيد من الأموال المخصصة للمناخ لتمكين البلدان النامية من التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري، والتكيف مع تغير المناخ ودفع ثمن الأضرار الناجمة عن الطقس المتطرف، لكن البلدان متباعدة بشأن مقدار الأموال التي ستتطلبها هذه العملية، وقد حددت مجموعة من الدول النامية الأسبوع الماضي المبلغ بنحو 1.3 تريليون دولار، في حين لم تحدد الدول الغنية رقمًا بعد.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن قمة العشرين في البرازيل تشكل فرصة لتنسيق الرؤى بين اقتصادات العالم الكبرى وسط ترقب للسياسات الأمريكية ما بعد تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في 20 يناير المقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى