تقارير

ملفات خارجية على طاولة الرئيس الأمريكي الـ47

في الوقت الذي يتوجه فيه الناخبون الأمريكيون إلى مراكز الاقتراع لاختيار الرئيس السابع والأربعين في تاريخ الولايات المتحدة بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس، يترقب العالم انعكاسات نتائج هذا الاقتراع على صعيد السياسة الخارجية الأمريكية في ظل التباين الشديد بوجهات نظر المرشحين بشأن القضايا الرئيسية.

وفي ضوء سباق انتخابي يجمع رئيس سابق ونائبة الرئيس الحالي، فإن توقع مفاجآت بخصوص توجهات السياسة الخارجية يبدو غير وارد، فالمجال هنا ليس مفتوحا لافتراض وتخمين تغيرات في السياسة الخارجية واستراتيجيات الإدارة الأمريكية المقبلة، لأن فوز هاريس يعني ببساطة استمرارية سياسة الإدارة الأمريكية الحالية، كما أن انتخاب ترامب سيؤدي إلى عودة لسياسات إدارته خلال ولايته الرئاسية السابقة.

  • الحرب في الشرق الأوسط

تأتي الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فيما تواصل إسرائيل حرب الإبادة على قطاع غزة ولبنان، وتخشى ردا انتقاميًا من إيران. ولطالما أكد كل من هاريس وترامب استمرار دعم واشنطن لما يقولان إنه “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وإن أطلقا تصريحات عن إنهاء الحرب لمغازلة الناخبين الأمريكيين المسلمين والمنحدرين من أصول عربية.

وبينما ينشغل الأمريكيون بانتخابات تتقارب فيها للغاية فرص المرشحين الجمهوري والديمقراطي بحسب استطلاعات الرأي على الصعيد الوطني، تخشى إسرائيل أن تستثمر إيران هذا الظرف وترد على ضربات جوية وجهتها لها تل أبيب في السادس والعشرين من الشهر الماضي.

وفي هذا الإطار، يرى الخبير البارز في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ستيفن كوك أن القضية الحقيقية ليست ما إذا كانت هناك حرب إقليمية، بل ما إذا كان هناك تكثيف لتلك الحرب، متسائلا هل ستنخرط دول في الإقليم عسكريًا بشكل مباشر في هذا الصراع؟ وكيف سيكون رد فعل القوى الخارجية الأخرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة؟

واللافت أنه رغم الجولات المكوكية لمبعوثين أمريكيين في المنطقة مؤخرًا والحديث المتزايد عن مفاوضات جارية بشأن وقف لإطلاق النار في غزة ولبنان، إلا أن المراقبين يستبعدون التوصل لأي صفقات خلال  الفترة المتبقية من ولاية إدارة بايدن والتي تكون فيها “بطة عرجاء”، فكل الأطراف سيراودها تساؤل مفاده: “هل يمكنني الحصول على صفقة أفضل في اليوم التالي لتنصيب الرئيس الجديد؟” أي في 21 يناير المقبل.

  • حرب أوكرانيا وحلف “الناتو”

من المتوقع أن يكون لنتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية تأثير كبير على مسار الحرب في أوكرانيا، انطلاقًا من كون الولايات المتحدة أكبر مانح للمساعدات العسكرية لكييف، فإذا فازت هاريس فسوف تواصل السير على نهج إدارة بايدن تجاه تلك الحرب، في المقابل أثار ترامب التوتر في أوكرانيا خصوصًا وأوروبا بوجه عام، ووعد بإنهاء تلك الحرب في يوم واحد.

وكان ترامب قد أوضح أن نهجه لإنهاء الحرب سيتضمن دفع الجانبين إلى طاولة المفاوضات من خلال إبلاغ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه لن يحصل على المزيد من المساعدات الأمريكية وأن الوقت قد حان للتوصل إلى اتفاق، بينما يبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن واشنطن سوف تقدم المزيد من الدعم لكييف إذا لم تتجاوب موسكو مع تلك الجهود التفاوضية، وفقا لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.

ويتصل بتلك الحرب، ملف آخر شائك يؤرق الغرب وهو العلاقة بين واشنطن وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ففي حالة فوز ترامب ستعود الخلافات والتوترات داخل الحلف، مع تهديده بالانسحاب لعدم وفاء الدول الأعضاء بالتزاماتها برفع إنفاقها الدفاعي، بينما على النقيض في حال انتخاب هاريس ستعزز من استقرار “الناتو” بالسير على نهج بايدن مع الحرص على استمرار التعاون الوثيق مع الشركاء الأوروبيين.

  • التحالفات الدولية للصين

في مقال نشره بمجلة “فورين آفيرز” الأمريكية، رأى مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق ستيفن هادلي أن الفائز بالانتخابات الرئاسية سوف يواجه سيلًا من القضايا والملفات ولكن أيًا من التحديات لن يكون أكثر أهمية من اتخاذ القرار بشأن ما ينبغي القيام به إزاء ما أطلق عليه “محور الخاسرين”، في إشارة منه إلى “التعاون المتنامي بين الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا”، وهو تحد خطير بما يكفي يثير مخاوف من دفع العالم نحو حرب عالمية ثالثة أو سلسلة من الصراعات المنفصلة المنتشرة في مختلف أنحاء العالم.

واعتبر هادلي أن الصين تشكل مصدر القلق الأكثر أهمية على المدى الطويل بالنسبة لواشنطن بين هذه الجهات الفاعلة الأربع، وفي الوقت نفسه، هي الوحيدة التي تتكامل إلى هذا الحد في الاقتصاد العالمي، مشيرًا إلى أنه ينبغي لواشنطن أن توضح للرئيس الصيني شي جين بينغ مدى الضرر الذي قد يلحقه هذا النوع الجديد من العلاقات بمصالح بكين ومدى تكلفته. وهذا يعني مواجهة إيران وكوريا الشمالية وروسيا بفاعلية، مما يثبت للصين أن ربط نفسها بمجموعة من الخاسرين ليس طريقًا إلى النفوذ العالمي، على حد تعبيره.

ورسم مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق مسارات لتحقيق هذا الهدف، موضحا أنه فيما يخص روسيا لا بد من منع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تحقيق النصر في أوكرانيا، الأمر الذي يتطلب دعمًا دبلوماسيًا واقتصاديًا وعسكريًا غربيًا مستدامًا ودمج أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو”.

ويرى هادلي أنه من المهم البدء بروسيا فإذا تخلى الرئيس الأمريكي المقبل عن أوكرانيا أو قدم لها دعمًا غير كافٍ، فإن بقية استراتيجية “محور الخاسرين” سوف تنهار.

أما عن إيران، فيشير هادلي إلى ضرورة سحق طموحات طهران لفرض الهيمنة في الشرق الأوسط، معتبرًا أن الولايات المتحدة وحلفاءها يتمتعون حاليًا بأعظم فرصة لتحقيق ذلك منذ عقود، وهذا يتطلب – وفق رؤيته- تحقيق قدر أكبر من الاستقرار الإقليمي من خلال تحقيق السلام بين إسرائيل ودول المنطقة، ومستقبل أكثر إشراقاً للفلسطينيين، وفرصة للبنان لتحرير نفسه من هيمنة “حزب الله”.

وبالنسبة لكوريا الشمالية، يتطلب الأمر ردع بيونغ يانغ من خلال تعزيز القدرات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين -أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية- بهدف تحقيق تقدم مستمر نحو جعل منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حرة ومفتوحة يعمها السلام.

زر الذهاب إلى الأعلى