تقارير

دلالات عودة ترامب إلى البيت الأبيض

 

أسدل إعلان فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، الستار على  سباق انتخابي استثنائي في تاريخ الولايات المتحدة، كان حافلًا بالتطورات الدرامية ما بين محاولتي اغتيال لترامب وانسحاب الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن من السباق لتحل محله نائبته كامالا هاريس، وتسجيل معدل إنفاق تاريخي على الحملات الانتخابية جعل دورة الانتخابات الأمريكية لعام 2024 (انتخابات الرئاسة والكونجرس) الأضخم تكلفة بقيمة 15.9 مليار دولار.

وقد تمكن ترامب من تكرار سيناريو كليفلاند قبل أكثر من 130 عامًا، وأصبح ثاني رئيس أمريكي  يعود للبيت الأبيض بعد قضائه ولاية رئاسية واحدة، إذ كان جروفر كليفلاند الرئيس الوحيد الذي وصل إلى سدة الحكم لفترتين غير متتاليتين، حيث خسر الانتخابات أمام بنيامين هاريسون عام 1888، ثم عاد إلى الرئاسة مجددًا بعد أربع سنوات إثر فوزه في انتخابات عام 1892.

  • انتصار بهامش مريح وسابقة تاريخية

جاء انتصار دونالد ترامب على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس بهامش مريح للغاية إذ حصل المرشح الجمهوري على 292 صوتا في المجمع الانتخابي (538 صوتا) مقابل 224 صوتا لهاريس، كما تفوق بفارق ملحوظ على مستوى التصويت الشعبي بالحصول على تأييد 71.9 مليون ناخب بنسبة (51%) من الأصوات بينما حصدت هاريس 66.9 مليون صوت بنسبة (47.5%).

وكان تفوق ترامب بفضل الولايات الحاسمة- 7 ولايات- حيث فاز في بنسلفانيا ونورث كارولاينا وجورجيا وويسكونسن وميشيغان، كما اقترب من الحسم في أريزونا ونيفادا.

وفي ميشيغان تحديدًا كان من اللافت أن مدينة ديربورن بالولاية والتي تعرف وجود أغلبية عربية كبيرة صوتت لصالح ترامب.

ومن الواضح أن تلك النتائج تشير إلى فاعلية استراتيجية ترامب الانتخابية والرسائل التي ركزت عليها حملته حيث قضايا الأمن والاقتصاد واستقلالية الطاقة، فقد نجحت في جذب شريحة كبيرة من الناخبين الأمريكيين وأدت لتوسيع الرقعة الحمراء (الجمهورية) على الخريطة الانتخابية وانهيار “الجدار الأزرق” الديمقراطي.

وفي ذات السياق، سطرت نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية عددا من السوابق التاريخية، فهذه المرة الأولى التي ينتخب فيها رئيس لأمريكا مدان جنائيًا، حيث أدين في مايو الماضي بــ 34 اتهاما في قضية تزوير سجلات محاسبية لإخفاء دفعه أموالًا لشراء صمت ممثلة أفلام إباحية عن علاقة غير شرعية جمعت بينهما، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول مصير تلك القضية التي من المقرر أن يمثل بخصوصها أمام محكمة في نيويورك في 26 نوفمبر الجاري، فضلًا عن قضايا أخرى ملاحق فيها تتراوح ما بين جنائية ومدنية.

وفي ضوء أن دستور الولايات المتحدة لا يوجد به نص يمنع أصحاب السوابق من تولي الرئاسة، فمن المتوقع أن تشهد الأسابيع المقبلة وصولًا إلى يوم التنصيب المقرر في 20 يناير، جدلا قانونيا ودعاوى قضائية أمام المحكمة العليا، مع العلم أن ترامب بعد تنصيبه لن يتمكن من العفو عن نفسه أو إصدار أمر ينهي الملاحقات ضده في قضية شراء الصمت، لأن القضاء المسؤول عنها تابع لولاية نيويورك وليس قضاء فيدراليًا.

  • السيطرة على الكونجرس الأمريكي

لم تكن نتيجة الانتخابات الرئاسية هي الصفعة الوحيدة التي تلقاها الحزب الديمقراطي، إذ تعرض لانتكاسة كبرى في انتخابات الكونجرس، ففي مجلس الشيوخ خسر الديمقراطيون سيطرتهم على المجلس، فبعد الاقتراع الذي شمل 34 مقعدا من أصل 100 هي إجمالي المقاعد، تغيرت تركيبة المجلس تمامًا، إذ بات لدى الجمهوريين 52 مقعد ما يعني استعادتهم السيطرة على المجلس لأول مرة منذ 4 سنوات.

وعلى صعيد انتخابات مجلس النواب، ووفقًا للنتائج الأولية، يتجه الجمهوريون نحو الاحتفاظ بأغلبية المجلس، فهم في الصدارة بحصولهم على 201 مقعد من إجمالي 435، مقابل 182 للديمقراطيين، علما بأن الأغلبية المطلوب هي 218 مقعدًا.

وعلى هذا النحو، سيتمكن الرئيس الأمريكي من تمرير أجندته التشريعية بكل أريحية  – على الأقل خلال أول عامين من ولايته الرئاسية (قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس)- حيث يملك مجلس الشيوخ صلاحيات التصديق على التعيينات الرئاسية التي تشمل الوزراء وقادة الجيش والسفراء في الخارج، وكذلك التصديق على المعاهدات الدولية، ومحاكمات عزل المسؤولين الفيدراليين. أما مجلس النواب فيتمتع بسلطات منها تقديم مشاريع قوانين الإيرادات، وتوجيه الاتهامات للمسؤولين الفيدراليين.

  • تحديات أمام ترامب

سيكون أمام ترامب الرئيس الأمريكي الـ47 العديد من التحديات بدءا من اللحظة الراهنة وحتى حفل تنصيبه، منها اختيار أعضاء فريقه الانتقالي وإدارته الجديدة، فقد اتسمت ولايته الرئاسية الأولى بالاعتماد على عائلته وإسناد أدوار رسمية لهم داخل البيت الأبيض، كما كان معدل دوران موظفي إدارته مرتفعا للغاية وفي مناصب رئيسية مثل وزير الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي.

وثمة تحد آخر يتصل بتعهده الانتخابي الخاص بما سماه “سحق العدو في الداخل “، حيث تحدث مرارًا عن عزمه اتخاذ إجراءات قانونية ضد مجموعة واسعة من الأفراد إذا أعيد انتخابه بما في ذلك الخصوم السياسيون وقادة التكنولوجيا وموظفو الانتخابات والمتظاهرون، فبعد حديثه خلال خطاب النصر عن أن الوقت قد حان للوحدة وإنهاء الانقسام، هل يقرر طي تلك الصفحة تماما؟

وعلى الصعيد الخارجي، يواجه ترامب تحديات صعبة تتمثل في الوعود التي قطعها، حينما أكد قدرته على إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة، وكذلك تعهده أمام الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين الأسبوع الماضي بإحلال السلام وإنهاء الحرب في قطاع غزة ولبنان.

ويضاف لتلك التحديات أيضًا طبيعة العلاقة التي ستجمع الإدارة الأمريكية المقبلة بالمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة في ظل التوترات السابقة خلال الولاية الأولى لترامب والتي ارتفعت حدتها لدرجة انسحاب واشنطن من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، كما يترقب كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو” خطوات ترامب الذي جمعته ببروكسل حروب تجارية، واستخدم مرارا لهجة التهديد ضد حلفائه في الناتو لعدم رضاه عن إنفاقهم العسكري.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن المرحلة المقبلة سيسودها الهدوء الحذر في مختلف الدوائر السياسية حول العالم انتظارًا لإعلان الفريق الانتقالي وتشكيل الإدارة الأمريكية الجديدة وبدء اتصالاتها الخارجية، ومن ثم معرفة إلى أي مدى قد تكون هناك اختلافات في السياسات الأمريكية خلال ولاية ترامب الثانية.

زر الذهاب إلى الأعلى