استعراض دراسات

صحافة البيانات في السعودية

تواجه صناعة الأخبار حالة من عدم اليقين والاضطراب غير مسبوقة، حيث جلبت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات طرقًا جديدة لإنتاج المحتوى الإخباري، من أبرزها صحافة البيانات، التي تُعد طريقة للتحقيقات الاستقصائية تتعامل مع مجموعة كبيرة من البيانات فتحللها بأساليب كمية وحسابية، لتقديم قصص إخبارية تفاعلية وديناميكية، وإخراجها باستخدام تصورات تفاعلية جذابة.

وترتبط صحافة البيانات بعملية الرقمنة والوصول للمعلومات العامة، وفلسفة البيانات المفتوحة والشفافية وأدوات الإحصاء والتصور والمهارات البحثية للصحفي التي تجعله قادرًا على تجميع قصص البيانات وتصفيتها وترتيبها ووضعها في سياق بطريقة جذابة.

وفي هذا الإطار، نشرت المجلة العربية للإعلام والاتصال في عددها الصادر في مارس 2024، دراسة بعنوان “واقع صحافة البيانات في المملكة العربية السعودية” من إعداد الدكتورة ميسون أسامة السباعي الأستاذ المشارك في الصحافة والإعلام الرقمي بكلية الاتصال والإعلام في جامعة الملك عبد العزيز، وأمل محمد أبو مديني معيد الصحافة والنشر الإلكتروني بقسم الإعلام والاتصال بجامعة الملك خالد، والتي نستعرضها على النحو التالي:

  • عينة الدراسة

استخدمت الدراسة أداة المقابلة شبه المقننة، حيث اشتملت العينة على 9 خبراء أكاديميين من مختلف جامعات السعودية (جامعة الملك سعود – جامعة الملك عبد العزيز – جامعة الملك خالد – جامعة الإمام محمد بن سعود – جامعة أم القرى – جامعة الملك فيصل)، ومن الخبراء الصحفيين شارك في الدراسة 7 صحفيين من (الوطن – مكة – عكاظ- اليوم- البلاد- الرياض- مؤسسة أبعاد لصناعة المحتوى).

أما أصحاب المصلحة، فقد شارك في الدراسة 5 من رؤساء أقسام الصحافة والإعلام في السعودية، ومن الطرف الآخر وبالرغم من محاولات التواصل مع رؤساء تحرير الصحف السعودية، فإنه لم يتم الرد، ما عدا رئيس تحرير صحيفة سعودية تتحفظ الدراسة على اسمه واسم المؤسسة الصحفية التابع لها حفاظاً على خصوصية المشارك، وعليه يكون مجموع أفراد العينة 22.

  • أبرز نتائج الدراسة

وجدت الدراسة أن صحافة البيانات لا تزال في مراحلها الأولى محليًّا مع توجه الكثير من الصحف للتوسع في استخدامها. كما بيّنت الدراسة مقدرة الأنواع الصحفية الجديدة، مثل صحافة البيانات على إنقاذ الصحف من الانحسار. مع ذلك لا تزال ممارسة صحافة البيانات في الصحف السعودية تعتمد بشكل كبير على الجهود والمبادرات الفردية أكثر من التوجهات المؤسسية نحو هذا النمط.

كما تؤكد الدراسة أن هناك وفرة في البيانات بشكل عام مما يعني أن التوجهات الحكومية نحو البيانات المفتوحة وسياسات حوكمة البيانات لها تأثير إيجابي على وفرة البيانات للصحفيين. لذلك غالبًا ما يلجأ الخبراء للمصادر الرسمية بشكل أساسي، ولا يعتمدون بشكل كبير على المصادر الأخرى لما قد يتخللها من بيانات غير دقيقة أو متحيزة.

أما بالنسبة للخلفية التقنية بالبرامج والأدوات التي تتعامل مع البيانات لدى معظم الممارسين الصحفيين والأكاديميين فتعد بسيطة، كما لا تفضل المؤسسات الصحفية التعامل مع أطراف خارجية للتعامل مع البيانات، ومع ذلك يوجد بعض التعاون بين المؤسسات الصحفية وبعض الجهات، مثل شركات الاتصالات التي يمكنها سحب بيانات معينة وتحليلها للصحف، إلا أن مثل هذه الشراكات نادرة، وأغلب التعاون يكون مع أقسام العلاقات العامة في الجهات العامة أو مراكز الدراسات والبحوث.

كما عرف الخبراء في الدراسة صحافة البيانات على أنها تقارير إخبارية وموضوعات صحفية معتمدة على البيانات الرقمية التي يتم التنقيب فيها للحصول على قصة صحفية أو استخدامها لدعم قصة صحفية موجودة بالفعل، ومن ثم استخدام السرد البصري في عرضها.

كما تلاحظ الدراسة أن الصحفيين غالبًا ما يستخدمون النوع البسيط من صحافة البيانات، باعتبارها مادة مساندة للقصة الصحفية، ويندر استخدامها في القصص الاستقصائية أو التنقيب في البيانات الضخمة.

كما وجدت الدراسة اهتمامًا واضحًا من قبل أقسام الصحافة والإعلام في الجامعات السعودية بصحافة البيانات وإضافتها كمقرر لطلبة البكالوريوس، كما أن خمسًا من أصل ثماني جامعات شاركت في البحث تعمل على دبلوم متخصص بالإعلام الرقمي والبيانات، باختلاف المسميات بين الجامعات.

  • عقبات تحول دون تبني صحافة البيانات

حددت الدراسة العقبات التي تحول دون تبني صحافة البيانات سواء في المؤسسات الصحفية أو أقسام الصحافة والإعلام في الجامعات السعودية، وذلك على النحو التالي:

  • عقبات الممارسة المهنية

كشفت الدراسة أن من أبرز العقبات التي تواجه الممارسين لصحافة البيانات، هي الوقت والجهد اللذان تحتاج إليهما، كما اتفق معظم الخبراء على نقص الكوادر المتخصصة والمؤهلة للتعامل مع صحافة البيانات، وتزداد حدة هذه العقبة نتيجة لتعددية التخصصات التي يتطلبها هذا المجال، فيجب أن يجمع الصحفي بين المهارات الإعلامية والإحصائية والتقنية، بالإضافة إلى مهارات التصميم.

كما وجدت الدراسة بعض العقبات التكنولوجية، فصحافة البيانات ترتبط بالأدوات البرمجية والإحصائية وأدوات التمثيل البصري التي قد لا يكون الصحفي قادرًا على التعامل معها، وخاصة أن بعض هذه الأدوات لا تدعم اللغة العربية.

  • عقبات التعليم

وجدت الدراسة أن نقص الكوادر المتخصصة من الأكاديميين والصحفيين كان العقبة الأبرز سواء في الممارسة أو التعليم، واتفق معظم الخبراء على أن هناك نقصاً في المتخصصين في صحافة البيانات داخل الأقسام العلمية في الجامعات السعودية، كما تفتقر الجامعات للبنية التحتية المناسبة لتعليم صحافة البيانات بطريقة عملية لضمان تدريس المادة بنجاح، واتفق معظم الخبراء على نقص التجهيزات التكنولوجية من أدوات وبرامج ورخص للبرامج المدفوعة.

بالإضافة إلى ذلك هناك أيضًا عقبات تحول دون التدريب والتطوير في مجال صحافة البيانات، وأهمها عدم وجود جهات تدريبية ومدربين أو مؤسسات صحفية قادرة على تدريب الطلاب أو الصحفيين على أساليب التعامل مع صحافة البيانات.

  • عقبات عقد الشراكات

أشارت نتائج الدراسة إلى عدد من العقبات التي تحول دون عقد شراكات مع جهات للتعليم والتدريب على صحافة البيانات، أو عقد شراكات مع جهات متخصصة في التعامل مع البيانات لتحليلها للصحفيين، حيث اتفق معظم الخبراء على ندرة الجهات التي يمكن أن تقدم مثل هذه الخدمات، بالإضافة إلى العقبات التنظيمية والتنسيقية مع هذه الجهات والبيروقراطية داخل المنظمات والبطء الإداري.

كما أن وسائل الإعلام لا تزال غير مستعدة لتحمل المخاطر الاقتصادية وإجراء استثمارات في صحافة البيانات، نظرًا لانخفاض عوائدها الاستثمارية على المدى القصير.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن الدراسة قدمت فهمًا دقيقًا لواقع ممارسة وتعليم صحافة البيانات في السعودية، ومن ثم تفسح المجال أمام وضع برامج تنفيذية تساعد في تجاوز العقبات التي تعتري طريق التوسع في هذا النمط من الصحافة.

زر الذهاب إلى الأعلى