دراسات

رؤية نقدية لدراسات الترفيه الإعلامي

يُعد الترفيه من أهم الوظائف التي تقدمها وسائل الإعلام للجمهور، وتختلف القوالب والأنماط التي يتم تقديم الترفيه من خلالها، إذ هدفت بعض المضامين إلى تقديم الترفيه المجرد للجماهير، والذي يستهدف تسلية وإمتاع الجمهور بالمقام الأول، فيما ظهر اتجاه آخر يجمع بين الوظيفة الترفيهية والإعلامية لوسائل الإعلام؛ ليستهدف إمتاع الجمهور وتثقيفه، وهو ما يطلق عليه الترفيه بالإعلام أو الترفيه المعلوماتي”Infotainment” إلى جانب اتجاه آخر يجمع بين الترفيه والتعلم ليقدم للجمهور المضمون التعليمي في قالب من الترفيه دون أن يشعر المتلقي بملل التعرض للمادة التعليمية.

وتتشابه برامج الترفيه المعلوماتي في نفس الخصائص مع الأخبار التلفزيونية، ولكنها عادة لا تصنف كأخبار وتكمن التشابهات في المضمون، حيث تعتمد على قصص متعددة خلال كل حلقة، كما أن كلا من الأخبار وبرامج الترفيه المعلوماتي توفر تغطية بسيطة عن الأحداث الجارية والقضايا الاجتماعية، وكلاهما يتم بثهما يوميًا ولديهما مذيعون يقدمون خلفية معلوماتية وصحفيون يقدمون تقارير من موقع الحدث، وغالبا ما يقومون بتحديث القصص على مدار الوقت كلما حدث تطور في الأخبار.

وقد بدأت استراتيجية “التعلم بالترفيه- Edutainment” عام 1951 عندما قدمت إذاعة “بي بي سي” مسلسلا إذاعيا بعنوان “The Archers” حمل في طياته رسائل تعليمية عن التنمية الزراعية، وفي الآونة الأخيرة أصبح مدخل التعلم بالترفيه يطبق في برامج الراديو والتلفزيون وخاصة في الدول النامية.

وفي هذا الإطار، نشرت المجلة العلمية لبحوث الإذاعة والتلفزيون في عددها الصادر في ديسمبر 2023، دراسة بعنوان “رؤية نقدية لدراسات الترفيه الإعلامي خلال الفترة من 2013-2023.. دراسة تحليلية من المستوى الثاني”، من إعداد الدكتورة أماني رضا عبد المقصود، الأستاذ المساعد بكلية الإعلام جامعة القاهرة، والتي نستعرضها على النحو التالي:

  • منهجية وعينة الدراسة

اعتمدت الدراسة على منهج التحليل من المستوى الثاني للبحوث العربية والأجنبية المنشورة في مجالي الإعلام والتعلم بالترفيه، وذلك من خلال رصد البحوث والدراسات المنشورة في الدوريات العربية والأجنبية إلى جانب رسائل الدكتوراه العربية والأجنبية بما يمكن من رصد الاتجاهات البحثية الحديثة في هذا المجال. وقد شمل مجتمع البحث الدراسات والبحوث المنشورة وغير المنشورة باللغة العربية والأجنبية في مجال بحوث ودراسات الإعلام والتعلم بالترفيه، عبر الاعتماد على عدد من قواعد بيانات المعلومات المتاحة عبر شبكة الإنترنت. وتمثلت عينة الدراسة في 113 دراسة بواقع 63 دراسة عربية و50 دراسة أجنبية.

  • الموضوعات والقضايا التي ركزت عليها الدراسات

أولًا: بحوث الإعلام بالترفيه

تناولت تأثير استخدام أساليب الترفيه المعلوماتي في الأخبار مثل (المعينات البصرية، استخدام تكنيكات المونتاج السمعية والبصرية في القصص السردية، الاعتماد على المشاهير، أخبار الفضائح والنميمة Gossips  والإثارة، أنماط تلفزيون الواقع والدراما الوثائقية، السخرية السياسية  Newstainment).

كما أوضحت الدراسات أن الجمهور أصبح أكثر تعاطفًا وإيجابية عند استخدام هذه القوالب الترفيهية في الحملات الانتخابية، وأن هذا التأثير يكون إيجابيا أو سلبيا على المشاهدين حسب المضمون.

وأشارت إلى سمات القوالب المختلفة للإعلام بالترفيه، وتشمل كلا من برامج المشاهير، برامج المطبخ، برامج الموضة، الديكور وLifestyle، البرامج ذات الأحداث الرياضية واستخدام الجرافيك فيها، برامج الغذاء والصحة، راديو الإنترنت ودوره في الترفيه، مضامين علمية.

وتناولت بعض الدراسات تعرض الجمهور لمضامين الترفيه المعلوماتي، حيث أظهرت أن الجمهور الأقل تعليمًا الأكثر تأثرًا بمضامين الترفيه المعلوماتي، وأن التعرض لبرامج المسابقات يزيد من المعلومات والترفيه لدى الجمهور، وكذلك أن الاعتماد على البرامج الساخرة يزيد من المتعة المتحققة لدى الجمهور.

ثانيًا: بحوث التعلم بالترفيه

أوضحت الدراسات تأثير التعرض للدراما على تعلم الجمهور، وتشمل الاستعانة بقوة الدراما في مجال الصحة مثل نشر الوعي الصحي عن بعض الأمراض. كما قدمت الدراسات سمات القوالب الدرامية المستخدمة في التعلم، وتشمل دور الدراما الاجتماعية في التعلم، واستخدام الدراما في التوعية ضد مرض السرطان، وخصائص المسلسلات التلفزيونية لتحفيز التعلم.

كما ركزت بعض الدراسات على دور المضامين الكارتونية والرسوم المتحركة في تعلم الأطفال، وشمل ذلك غرس الهوية الوطنية لدى الأطفال، وتعزيز صورة المتفوق لدى الطفل، وتنمية المهارات اللغوية لدى الطفل مثل الطلاقة اللغوية واللغة العربية، وتنمية الثقافة التكنولوجية لدى الطفل، وإثراء المعلومات العلمية والجغرافية عن طريق الترفيه.

فيما ركزت بحوث استخدام تقنيات التعلم الممتع في التدريس على استخدام هذه الأساليب في المراحل التعليمية المختلفة، مثل مرحلة رياض الأطفال (استخدام الاستراتيجيات السمعية، البصرية، الحركية والدراما التعليمية)، والمرحلة الابتدائية (تعلم قائم على الترفيه لإمداد السعادة والاندماج للمتلقي، استخدام الإنفوجرافيك التعليمي، استخدام استراتيجيات التعلم الممتع لمعالجة صعوبات التعلم).

  • الأطر النظرية في دراسات الإعلام والتعلم بالترفيه

يلاحظ تفوق الدراسات الأجنبية على العربية في توظيف أكثر من إطار نظري داخل الدراسة الواحدة، مع ملاحظة اعتماد المدرسة العربية على نظريات تقليدية في بحوث الإعلام والتعلم بالترفيه، مثل نظرية الاستخدامات والإشباعات، ونظرية الغرس الثقافي، ونظرية الاعتماد على وسائل الإعلام.

وتبنت بعض الدراسات العربية أطر نظرية جديدة نسبياً مثل نظرية انتشار المبتكرات وتبنيها، ونظرية قبول التكنولوجيا، والنظرية الموحدة لتقبل التكنولوجيا.

كما اعتمدت المدارس الأجنبية على عدد من الأطر النظرية الحديثة كوسيلة لرصد وفهم بحوث الإعلام والتعلم بالترفيه مثل اعتماد المدرسة الأمريكية على النظريات التالية: نظرية الارتباط، ونظرية تعلم البالغين، ونظرية التمثيل، والنظرية المعرفية للوسائط المتعددة.

  • الأطر المنهجية

ظهر اعتماد البحوث العربية والأجنبية على منهج المسح بصورة كبيرة في دراسات الإعلام والتعلم بالترفيه، مع الاعتماد الضئيل على المنهج التجريبي أو شبه التجريبي – بالنسبة للدراسات العربية تحديدًا- إذ ظهر الاعتماد على الأدوات الكمية لجمع البيانات (تحليل المضمون، واستمارة الاستبيان) سواء بالنسبة للدراسات العربية أو الأجنبية.

وختامًا، يمكن القول بأن الشكل والمضمون لا غنى عنهما في تقديم مضامين الإعلام والتعلم بالترفيه، إذ إنهما يكملان بعضهما بعضا، فلا يمكن تقديم محتوى جيد وهادف وممتع في ذات الوقت دون اختيار شكل وقالب جذاب لعرضه على الجمهور، وكذلك بالنسبة للمضمون لا بد أن يكون قويًا ومعدًا بالمستوى الذي يرضي اهتمام الجمهور المقدم له، وخاصة في ظل وسائل الإعلام  الرقمية التفاعلية التي تعتمد على الإبهار وجودة الشكل لتقديم محتوى هادف ومباشر للجمهور المستهدف حتى لا ينصرف المتابعون للبحث عن محتوى آخر.

 

زر الذهاب إلى الأعلى