دراسات

إسهامات القنوات الفضائية السعودية في تعزيز الهوية الوطنية

يمتلك كل مجتمع هويته التي تميزه عن غيره، وكلما كانت الهوية أكثر رسوخًا لدى أفراد المجتمع كان تميزهم بها أكبر، وعلى النقيض إذا كانت الهوية غير راسخة فسوف تكون هناك مخاطر بضياع السمات المميزة للمجتمع وذوبانه في ثقافات أخرى.

وتعد وسائل الإعلام من الأدوات الأساسية التي تشكل الهوية وتحافظ على بقائها، وتنقلها من جيل إلى جيل، إلا أن التطور التكنولوجي وتنامي دور منصات الإعلام الرقمي والتواصل الاجتماعي شكّلا تحديًا أمام الحفاظ على الهوية في ظل تنامي تأثيرات العولمة، وهو ما ولّد مزيدًا من الحاجة للعمل نحو تعزيز الهوية عبر المؤسسات المعنية بالتنشئة كالأسرة والمدرسة والمسجد وبكل تأكيد الإعلام.

وفي هذا الإطار، نشرت المجلة العلمية لبحوث الإذاعة والتلفزيون في عدد ديسمبر 2022، دراسة بعنوان “إسهامات القنوات الفضائية السعودية في تعزيز الهوية الوطنية لدى الجمهور السعودي: دراسة مسحية على عينة من سكان مدينة الرياض”، من إعداد الدكتور محمد بن فهد الجبير، الأستاذ المشارك بكلية الإعلام والاتصال في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وقد سعت الدراسة إلى التعرف على آراء مشاهدي القنوات الفضائية السعودية تجاه الإسهامات التي تقوم بها القنوات الفضائية السعودية الحكومية والخاصة في تعزيز الهوية الوطنية وتدعيمها لديهم عبر برامجها المختلفة.

  • عينة الدراسة

تمثّل مجتمع الدراسة في الرياض كونها المدينة الأكثر سكانًا حسب التعداد السكاني لعام 1431هـ، إضافة إلى أن سكان مدينة الرياض يمثلون مختلف مناطق المملكة، وتتنوع فيهم الطبقات الاجتماعية، مما يجعلها ممثلة إلى حد كبير للمجتمع السعودي.

وتكونت عينة الدراسة من 357 مفردة، جاء توزيعها كالتالي: 234 من الذكور مقابل 123 من الإناث، وكانت النسبة الأكبر للفئة العمرية من 20 – 29 سنة بنسبة (41.7%)، تليها الأقل من 20 سنة بنسبة (30.5%)، ثم جاءت الفئتان من 40 إلى 49 سنة ومن 50 إلى 59 سنة بنسبة (9%) لكل منهما، ثم الفئة من 30 إلى 39 سنة بنسبة (8.4%)، وأخيرًا من 60 سنة فأكثر بنسبة (1.4%).

كما أن نسبة (72%) من أفراد العينة دخلهم الشهري أقل من 5 آلاف ريال وهم الفئة الأكبر في عينة الدراسة، ثم الفئة التي دخلها بين 5 آلاف إلى 10 آلاف بنسبة (10.1%)، تليها الفئة التي دخلها أكثر من 10 آلاف إلى 15 ألف ريال بنسبة (6.4%)، ثم الفئة التي دخلها أكثر من 15 ألف ريال إلى 20 ألف ريال بنسبة (6.2%)، في حين أن (5.3 %) دخلهم الشهري أكثر من 20 ألف ريال وهم الفئة الأقل في عينة الدراسة.

وعلى الصعيد التعليمي، فإن (74.8%) من عينة الدراسة يحملون مؤهلاً جامعياً، و(16.2%) حاصلون على تعليم ثانوي فأقل، في حين أن (9%) يحملون مؤهلاً فوق جامعي.

  • نتائج الدراسة

أظهرت النتائج أن 36% من أفراد عينة الدراسة يتابعون القنوات الفضائية من ساعة وحتى 3 ساعات أسبوعيًا، وأن أكثر القنوات متابعة هي: “إم بي سي” ثم الرياضية السعودية ثم العربية.

وفي مجال الإمكانيات المطلوب توافرها في القنوات الفضائية لتعزيز الهوية الوطنية، أفادت النتائج بأن أكثر الإمكانات لتعزيز الهوية الوطنية هي استضافة أصحاب المعرفة والخبرة والرأي في الموضوعات ذات العلاقة بتخصصاتهم، يليها عرض الموضوعات والقضايا التي تعزز الهوية وتؤكد عليها، وفي المرتبة الثالثة أن البرامج الإعلامية تتكامل مع عمل المحاضن التربوية كالمسجد والأسرة والمدرسة في تعزيز الهوية الوطنية.

وأوضحت نتائج الدراسة أن أكثر إسهامات القنوات الفضائية السعودية في تعزيز الهوية الوطنية في جانبها الديني، تمثلت في نقل صلوات الحرمين وخطب الجمعة وترجمتها بلغات أخرى، ونقل شعائر الحج وبيان حجم العمل الذي تقدمه الدولة لضيوف الرحمن، وتخصيص قنوات للقرآن الكريم والسنة النبوية ووجود برامج دينية في القنوات الفضائية وتعزيز الانتماء للدولة والوقوف مع ولاة الأمر والسمع والطاعة لهم بالمعروف.

أما عن إسهامات القنوات الفضائية السعودية في تعزيز الهوية الوطنية في الجانبين التاريخي والاجتماعي، فبينت النتائج أن أكثر الإسهامات تمثلت في رفع مستوى الوعي بالهوية الوطنية والاعتزاز بها، وظهور المذيعين والضيوف باللباس الرسمي.

وفي مجال إسهامات القنوات الفضائية السعودية في تعزيز الهوية الوطنية في الجانب اللغوي، أوضحت النتائج أن بيان قوة اللغة العربية وكثرة مفرداتها وأنها لم تتغير كاللغات الأخرى جاء في المرتبة الأولى، ثم التأكيد على أهمية اللغة العربية وأنها اللغة الرسمية للدولة، والحديث بلغة فصيحة، وتجنب المصطلحات الإنجليزية.

كما أوضحت النتائج أن أكثر البرامج والقنوات التي تسهم في تعزيز الهوية الوطنية من وجهة نظر أفراد عينة الدراسة، تمثلت في البرامج الدينية، تليها البرامج الثقافية والعلمية، ثم القنوات الحكومية مثل الإخبارية والقناة السعودية الأولى. وتوضح هذه النتيجة أهمية البرامج الثقافية والعلمية في زيادة مستوى الوعي المجتمعي نحو كيفية ممارسة سلوكيات الانتماء الوطني وتعزيز قيم ومفاهيم الهوية الوطنية وتنمية حب الوطن في نفوس أفراد المجتمع، وكذلك يتضح دور البرامج الدينية التي تحث على المحافظة على عادات وأعراف المجتمع الأصيلة والتي تنبثق من الدين الإسلامي الذي يحث الفرد ويشجعه على الانتماء لوطنه وإعلاء قيم البناء والتعمير والبعد عن جميع الأفكار الهدامة والسلوكيات المنحرفة التي تؤثر سلبًا في مفاهيم الهوية الوطنية، ويساعد في ذلك وجود منابر إعلامية تعي ذلك الأمر، وتعمل على غرس القيم داخل نفوس المجتمع.

كما أظهرت نتائج الدراسة عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية نحو إسهامات القنوات الفضائية في تعزيز الهوية الوطنية وفقا لمتغيرات الدراسة الديموغرافية وهي العمر والجنس والدخل والمستوى التعليمي.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن القنوات الإعلامية وما تقدمه من برامج ومحتوى متنوع وضيوف يطلون عبر شاشاتها، تلعب دورًا رئيسيًا في ترسيخ الهوية الوطنية والمحافظة عليها، والتصدي للتأثيرات السلبية والمخاطر المرتبطة بالعولمة.

زر الذهاب إلى الأعلى