دراسات

انعكاس الأعمال الدرامية لمنصة نتفليكس على القيم في الوطن العربي

تعتبر الدراما التلفزيونية أحد أكثر أشكال الاتصال الجماهيرية أهمية لما تملكه من قوة ثقافية مؤثرة في المجتمع، وانتشارها الواسع ولاستيلائها على أوقات المشاهدين من مختلف الفئات العمرية، وهنا تبدو خطورة التعرض للدراما الأجنبية لاحتوائها على أفكار وقيم غربية تتنافى مع قيم مجتمعاتنا العربية، وتزداد خطورة مشاهدة تلك الدراما عبر منصات الاشتراك بالفيديو عند الطلب.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة علوم الاتصال في عددها الصادر في ديسمبر 2022، دراسة بعنوان “الأعمال الدرامية لمنصة Netflix وانعكاسها على القيم الثقافية والاجتماعية في الوطن العربي”، من إعداد الدكتور يزيد عبد الله المحرج، الأستاذ المساعد بكلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والأستاذ سراج طلال دقنة المحاضر بذات الكلية، حيث هدفت الدراسة إلى التعرف على أكثر القيم الثقافية والاجتماعية التي تتبناها منصة Netflix ضمن أعمالها الدرامية الأصلية، واستكشاف انعكاس ترويج تلك القيم على المشاهدين.

  • عينة الدراسة

تمثل مجتمع الدراسة في المسلسلات الدرامية على منصة نتفليكس، وبلغ إجمالي عينة الدراسة 13 مسلسلًا تلفزيونيًا من الأعمال الأصلية خلال الفترة الزمنية من 1 يناير 2020 إلى 1 يونيو 2021، حيث تم حصر العينة وفقًا لمسلسلات نتفليكس الأصلية الأكثر رواجًا ومشاهدة بناء على قائمة العشرة الأعلى، وتوزعت العينة كالتالي: 6 مسلسلات أمريكية و2 من المكسيك ومسلسل بريطاني وإسباني وألماني وبولندي وكوري جنوبي.

  • نتائج الدراسة

أظهرت نتائج الدراسة أن جميع مسلسلات نتفليكس الأصلية المتصدرة قائمة الأكثر رواجًا ومشاهدة لعام 2020 – 2021 تحوي مشاهد شذوذ جنسي، كما توصلت إلى أن المنصة تقوم بفرض أعمال الشذوذ الجنسي على المشاهدين بطريقة منهجية علمية، والترويج على أنها قيمة ثقافية اجتماعية يجب احترامها من قبل المجتمعات.

وخلصت الدراسة إلى قيام المنصة باستخدام 7 أطر إعلامية لترويج سلوك الشذوذ الجنسي ضمن أعمالها الدرامية وهي كالآتي أولا: قيام منصة نتفليكس بتوظيف موضوع حقوق الشواذ ضمن تصنيف الإطار المحدد بقضية، ثانيا: توظيف موضوع دوافع القيام بالأعمال الشاذة ضمن الإطار العام، ثالثا: تقديم موضوع السياقات المروجة للشذوذ ضمن إطار إبراز المزايا السلبية أو الإيجابية لـ ” “Kahneman & Tversky .

أما الإطار الرابع فتمثل في تقديم موضوع خصائص وسمات الأشخاص الشواذ في إطار الاهتمامات الإنسانية، وبالنسبة للإطار الخامس فهو توظيف موضوع نظرة المجتمع تجاه الشواذ في إطار الصراع، إذ أظهرت البيانات تفاوت استخدام موضوع ردود فعل المجتمع تجاه الشواذ، حيث تبين أن ردود الفعل الداعمة بشكل غير مباشر مثل “نبذ الشواذ” وعدم قبولها والتبرؤ ممن يمارسها والتنمر عليهم بلغت نحو 28.19%، في المقابل تبين أن حجم السياقات الداعمة بشكل مباشر للشذوذ مثل تشجيع الشذوذ واحترام الاختيار والحديث عنها بعفوية بلغت نحو 71.81%.

وعلى الرغم من هذا التباين بين حجم التناولات غير المباشرة والمباشرة لردود فعل المجتمع مع الشواذ، فإن ردود الفعل السلبية تم توظيفها في سياقات تظهر أشكالا مختلفة من المعاناة التي يواجهها الشواذ، ويمكن تفسير ذلك برغبة منصة نتفليكس خلق حالة استعطاف لدى المشاهدين تجاه الشواذ.

وتجسد الإطار السادس في تحليل الأعمال الدرامية للشخصيات الشاذة وفق تصنيف الإطار الشخصي، فبلغت نسبة إظهار الشخصيات الشاذة من الإناث نحو 74%، في حين بلغت نسبة الذكور نحو 26% من إجمالي عدد المشاهد الشاذة البالغ عددها 424 مشهدًا.

وفي ظل تلك المؤشرات يتضح تركيز منصة نتفليكس على ترويج الشذوذ النسوي بشكل أكبر من ترويجها للشذوذ الذكوري، حيث قدمت نماذج لأشخاص ناجحة وفي الوقت ذاته ترتبط بعلاقات أنثوية شاذة.

سابعًا: فيما يختص بالإطار الاجتماعي، فقد أظهرت منصة نتفليكس الشخصيات الشاذة بأشكال متعددة ومختلفة، حيث تم تقديم الشخصيات الشاذة ذات مستوى تعليمي عال مثل شخصية شيما في مسلسل Who Killed Sara وأخرى ذات تعليم منخفض مثل شخصية مايز في مسلسل Lucifer.

وشخصيات مثلية ذات مستوى مادي مرتفع مثل شخصية قرينفيل في مسلسل Bridgerton وأخرى ذات مستوى منخفض مثل شخصية كيرلي في مسلسل Locked Up. وكذلك تقديم شخصية الشاذ كمتزوج مثل شخصية زوج رئيسة السجن في مسلسل Locked Up. وأخرى كأعزب مثل شخصية غويا في مسلسل Locked up. بجانب تقديم الشخصية الشاذة كشخص طيب وفاضل مثل شخصية قابا في مسلسل Sexify، وأخرى كشخص مجرم مثل شخصية هوانق في مسلسل Vincenzo. ويشير ذلك إلى محاولة المنصة تطبيع مفهوم الشذوذ الجنسي لدى كافة طبقات وفئات المجتمع العمرية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية المختلفة.

وأظهرت نتائج الدراسة، أن نتفليكس بشكل عام تناولت خمسة موضوعات رئيسية وهي: أشكال السياقات المروجة للشذوذ بنسبة 35.46%، يليها موضوع سلوكيات الشواذ بنسبة 29.77%، ثم موضوع حقوق الشواذ بنسبة 19.11%، ثم موضوع الدوافع بنسبة 12.51%، وفي المرتبة الأخيرة موضوع الخصائص والسمات بنسبة 3.15%.

وتبين أن حجم تناول موضوعات الشذوذ الجنسي بسياقات مباشرة بلغت نحو 81.94% مقارنة بالسياقات غير المباشرة  بنسبة 18.06% للأعمال الدرامية الأصلية لمنصة نتفليكس.

ومن أدوات التأطير التي استعانت بها نتفليكس في تأطير الشذوذ الجنسي بأعمالها الدرامية هو استخدامها الألفاظ والكلمات من أجل التأكيد على الأفكار والمعاني التي تسعى لترسيخها لدى المشاهدين من خلال أعمالها الدرامية، حيث لعبت الألفاظ والكلمات دورًا محوريًا لإبراز المعاني المقصودة من مشاهد الشذوذ  والتي بلغت نسبتها 66.27% مقارنة بالأشكال الأخرى.

كما رصدت الدراسة تنوع أشكال سياقات الألفاظ والكلمات التي امتدت إلى أكثر من 16 شكلا، حيث جاء استخدام الكلمات في سياق المزاح والفكاهة نحو 87 مرة، واستخدام الكلمات للتعبير عن الفرح والاستمتاع والسعادة بنحو 46 مرة واستخدام ألفاظ الاعتراف والمصارحة بمشاعر الشذوذ بنحو 36 مرة.

في حين بلغ حجم تناول الأفعال الشاذة نحو 29.77% ، ويمكن تفسير أسباب قيام منصة نتفليكس بمزج الأفعال الشاذة بشكل مكثف ضمن أعمالها الدرامية وتضمين لقطات ممارسات شذوذ جنسي كاملة، وأفعال وإيماءات جسدية، بسبب سعيها لتقديم توصيف واقعي لممارسات الشواذ، ونقل وترسيخ تجارب غير مباشرة في أذهان المشاهدين.

  • توصيات الدراسة

قدمت الدراسة مجموعة من التوصيات التي من خلالها يمكن التصدي لخطورة تلك المسألة، وتمثلت فيما يلي:

  • أهمية إجراء المزيد من الدراسات النوعية والكمية وإجراء المقابلات المعمقة للتعرف على تأثير مشاهدة ممارسات الشذوذ الجنسي على إدراك المشاهد مما يؤدي لممارسات الشذوذ الجنسي، ومقدار التقبل الذهني أو تبنيها، واختبارها في ظل نظرية الغرس الثقافي التي تهتم بدراسة التأثير غير المباشر لوسائل الإعلام على المشاهد.
  • إجراء المزيد من الدراسات النوعية في إثراء وعمق وشمولية أبحاث الأطر الإعلامية للمعالجات الدرامية من خلال كشفها عن الجوانب الثقافية والاجتماعية والفكرية، وتحديد سياقات تناولها، مما يتيح إمكانية فهم طرق وأساليب تقديم المنصات الرقمية وأيديولوجيات الدول التابعة لها.
  • تفعيل الدور الرقابي للهيئات ذات الاختصاص في حماية الأمن الفكري للمجتمعات العربية وذلك بفرض معايير تلائم المحتوى الدرامي للقيم الثقافية والاجتماعية للمشاهد العربي، وحجب المشاهد التي تتنافى مع القيم الإسلامية والموروث الثقافي العربي.
  • السعي في تطوير الإمكانيات المحلية لإنتاج محتوى درامي يمثل القيم الثقافية والاجتماعية للوطن العربي.
  • توعية المشاهد بخطورة ما تروجه منصات الفيديو حسب الطلب لممارسات الشذوذ، وما يتعرضون إليه من مشاهد درامية تتضمن رسائل مباشرة وأخرى خفية تسعى إلى إكساب المشاهد قيمًا تتنافى مع قيمه العربية والإسلامية.

 وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن التطورات التي فرضتها التكنولوجيا على العمل الإعلامي وإتاحة المحتوى الدرامي الأجنبي أمام الجمهور بمختلف شرائحه بما في ذلك الأطفال والمراهقون تتطلب في المقام الأول تعزيز دور الأسرة ليس من خلال فرض الرقابة على الأبناء بشكل قسري ولكن من خلال مشاركتهم المشاهدة، فهذه العلاقة التشاركية كفيلة بحماية المجتمع من تلك الأفكار غير السوية المخالفة للفطرة التي فطر الله الناس عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى