دراسات

الإعلام الأمني في ظل التطورات الإعلامية

تتزايد الحاجة إلى الإعلام الأمني مع تزايد معدلات الجريمة وظهور أنماط جديدة منها في مختلف دول العالم، ولا سيما أنه لم يعد بالإمكان إغفال الدور المؤثر للإعلام في تكوين معارف الناس واتجاهاتهم وسلوكهم، مما يتطلب مشاركته بفاعلية في التوعية الأمنية والإسهام في تحقيق الأمن بمفهومه الشامل بما يملكه من مقومات وقدرات على الوصول إلى جميع أفراد المجتمع.

وفي ظل اهتمام الأجهزة الأمنية وإدراكها لأهمية الإعلام في هذا المجال باعتباره حلقة الوصل بين الجمهور وتلك المؤسسات على اختلاف تخصصاتها، فقد استعانت بالإعلام في مواقف وظروف كثيرة لإيصال الرسائل الأمنية إلى الجمهور المستهدف، وقد كان الإعلام حاضرا في جميع الكوارث والأزمات التي تهدد المجتمع وسلامته.

وقد أدى ذلك كله إلى تبلور وظهور مصطلح الإعلام الأمني باعتباره جامعا لما يمكن أن يقوم به الإعلام في خدمة الأمن بمفهومه الشامل بغض النظر عن القائم به، سواء كانت المؤسسات الإعلامية أو المؤسسات الأمنية أو هما معا في آن واحد.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة “أقلام” في عددها الصادر في يناير 2023، ورقة علمية بعنوان ” نظرة على الإعلام الأمني في ظل التطورات الإعلامية.. تجربة المملكة العربية السعودية”، من إعداد محمد فيصل عسيري بجامعة الملك خالد، نستعرضها على النحو التالي:

  • وظائف الإعلام الأمني

لا تختلف وظائف الإعلام الأمني عن وظائف الإعلام في عمومه إلا من حيث مضمونه وأهدافه ورسائله، وكما أن للإعلام وظائفه الإخبارية والثقافية والاجتماعية والحضارية والإنسانية والتنموية بصفة عامة؛ فإن للإعلام الأمني الوظائف ذاتها فيما يتعلق بالشأن الأمني على وجه الخصوص باعتباره إعلامًا متخصصًا في هذا المجال، وبقدر ما تتسع الوظائف الرئيسية للإعلام يمكن أن تتسع الوظائف الأمنية لتكون أكثر شمولا ورسوخا من أن يتم تحديدها في إطار ما تتطلع إليه الأجهزة الأمنية فحسب، فهي وظيفة تحددها ثقافة الوطن والقيم السائدة فيه، وكذلك اتجاهات الرأي المتبلورة بين فئاته، وهي الوظيفة التي يمكن لها أن تؤدي دورًا في تحقيق أمن وقائي يسبق حدوث الجريمة، ويعمل على معالجة الأسباب المؤدية للتأثيرات المختلفة، سواء ما كان منها وافدًا أو كان نابعًا من داخل ثقافة المجتمع.

وقد حدد عدد من الباحثين وظائف الإعلام الأمني حيث تشمل 10 وظائف رئيسية تتمثل في الوظيفة الإخبارية للإعلام الأمني، والتوعية الأمنية وتنمية الحس الأمني لدى أفراد المجتمع، وتكوين رأي عام إيجابي تجاه تحقيق الأمن بمفهومه الشامل، وكذلك نشر الثقافة الأمنية والقانونية، والتعبئة العامة، بالإضافة إلى مكافحة الانحراف الفكري بصوره المختلفة، وتحقيق الأمن الفكري، وترسيخ قيم الانتماء والمواطنة الصالحة، والمشاركة في عمليات التنشئة الاجتماعية ووظيفة العلاقات العامة.

  • الإعلام الأمني الإلكتروني ومخاطر مواقع التواصل

يشوب مواقع التواصل الاجتماعي عدد من المخاطر والسلبيات الناتجة عن سوء استخدامها، من أبرزها سرقة الهوية، وهجوم البريد المزعج، وهجمات البرمجيات الخبيثة، والتصيد الاجتماعي، وانتحال الهوية، واختراق الحسابات، واسترجاع الصور وتحليلها.

وفي الوقت ذاته، توفر تلك المواقع فرصًا تخدم الإعلام الأمني تتمثل في تعبئة الرأي العام لدعم القطاعات الأمنية، وتعزيز قيم المواطنة، والتعريف بالمخاطر والتحديات المحيطة بالمجتمع، ونشر ثقافة التسامح ونبذ العنف، وإبراز جهود القطاعات الأمنية في مكافحة الجرائم، والتوسع في استخدام مواقع التواصل من قبل القطاعات الأمنية بهدف الحوار وفتح قنوات اتصال مع المجتمع.

  • تجربة المملكة العربية السعودية في الإعلام الأمني

كانت وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية سباقة في مواكبة متغيرات الإعلام الرقمي من خلال فتح حسابات في تطبيقات التواصل الاجتماعي ومن هذه التطبيقات والوسائل تطبيق سناب شات.

وتقوم فكرة هذا التطبيق على أن المستخدم يقوم بتصوير لحظات ومقتطفات من يومياته ويشاركها مع جمهوره، وقد يوظف استخدام هذه الميزات من الصور أو الفيديو المرئي القصير لنقل أخبار ومعلومات، حيث أصبح مستخدم التطبيق بمثابة محطة تلفزيونية مصغرة فهو من يجري  لقاءات وحوارات، ويقوم باختيار الأخبار وتصويرها ونشرها على حسابه، وعلى هذا الأساس ظهر مؤثرون يستعملون نافذة السناب شات في عدد من المجالات الطبية والتعليمية والثقافية والأمنية وغيرها.

ولقد ظهرت بعض الشخصيات المؤثرة في السناب شات جعلت نصب اهتمامها التغطيات الأمنية، من بينهم الإعلامي سامي الشيباني صاحب حساب “السناب الأمني” حيث يحظى بمتابعة كبيرة في نقل النشاطات الأمنية، ويتم ذلك عن طريق قيامه بنقل العمليات التي تقوم بها أجهزة الأمن في مختلف أنحاء المملكة، بالإضافة إلى إجراء الحوارات مع القيادات الأمنية في المملكة ونقل التصريحات بصورة مباشرة للمواطنين، ولذلك تم اعتبار السناب الأمني تقنية لنقل المعلومات بشكل سريع وموثوق به.

ونجح السناب الأمني في  كسر حاجز التواصل التقليدي بين أفراد الأمن والمواطنين، وبعد أن كانت التصريحات والمعلومات تتم من خلال قنوات الاتصال الرسمية، أصبح السناب الأمني أحد مصادر التصريحات والمعلومات الموثوقة، كما نجح بشكل كبير في كسب ثقة رجال الأمن والمواطنين.

وعلى المستوى الرسمي، تم في مارس 2019 إطلاق الحساب الرسمي لوزارة الداخلية على السناب شات، وتبث الوزارة عبر الحساب الجديد التغطيات الميدانية لفعاليات الوزارة وقطاعاتها، إضافة لتغطية الجهود الميدانية لرجال الأمن في تنفيذ مهامهم الأمنية.

كما قامت وزارة الداخلية بتفعيل حساب رسمي لها على منصة تويتر وحظي بتفاعل كبير، حيث يقوم بنشر محتوى توعوي وتحذيري، وينشر أيضًا أخبارًا عن إلقاء القبض على المشتبه بهم في الجرائم المرتكبة والمنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي وذلك على هاشتاق #تم_القبض، ومؤخرًا قامت وزارة الداخلية بتدشين حساب رسمي لها في تطبيق “تك توك”.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن توظيف منصات الإعلام الجديد مسألة حيوية في دعم الإعلام الأمني، ووصول رسالته إلى الجمهور وتحقيق مستهدفاته في صون أمن واستقرار المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى